لماذا لم تلتزم مصر بمبدأ "مسافة السكة" لدعم السعودية في مواجهة قانون "جاستا"؟ هل تطلب السعودية من مصر تجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل ردًّا على القانون؟ قانون "جاستا" أصبح حديث الشارع العربي بعد أن أقره الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي، وحاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إبطال القرار عبر الفيتو الرئاسي ولكنه فشل بعد رفض الكونجرس الفيتو لأول مرة منذ الثمانينيات من القرن الماضي. يُشار إلى أن القانون يهدف إلى معاقبة دول قامت برعاية الإرهاب وهذا القانون قدم عام 2009 وتم رفضه ثم عاد إلى الواجهة الآن، والقانون يستهدف السعودية في أموالها الطائلة من خلال دفع تعويضات لضحايا أحداث 11 سبتمبر، وبالفعل تقدمت أرملة أحد ضحايا بدعوى قضائية وفقًا لقانون "جاستا" كما أوردت وكالة بلومبرج. السعودية حاليا ظهرها إلى الحائط أو في ورطة تتطلب من القيادة السعودية التفكير واتخاذ قرار دقيق سريعًا وليس عشوائيًّا.
وعلى الرغم من إقرار القانون شكل صدمة للقيادة السعودية، وبدأ الكتاب والنخب السعودية تتحدث عن خيارات السعودية في مواجهة الولاياتالمتحدة سواء كان سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، ولكن سأتطرق إلى خيارات حلفاء الرياض في مواجهة القانون الأمريكي والتسابق على التضامن مع المملكة. أولا: مجلس التعاون الخليجي حلفاء السعودية التي تقودهم عبر مجلس التعاون منذ تأسيسه عام 1981 وكل الدول الخليجية عبرت عن رفضها لقانون "جاستا" في بيان موحد، أكد أن القانون يسقط حصانة الدول ويهدر مبادئ العلاقات الدولية والأعراف التي قامت عليها، بالإضافة إلى أنه مخالف للقانون الدولي ويهدد سيادة الدول، وهذا التضامن متوقع نتيجة "وحدة المصير" الدول الخليجية، خاصة أن الخطر يواجه أكبر دول المجلس، السعودية. ثانيا: تركيا وهي الحليف الإقليمي الجديد الذي تعتمد عليه القيادة السعودية، خاصة بعد وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم في يناير من العام الماضي، بل إن الرياضوأنقرة تسعيان إلى إعادة هيكلة أزمات المنطقة لتصب في صالح البلدين، فقد حدثت 6 قمم سعودية تركية خلال عام، كان آخرها الخميس الماضي وزيارة ولي العهد محمد بن نايف إلى أنقرة لبحث كل ملفات المنطقة بما فيها ملف قانون "جاستا". وقد ذهبت الرياض للحصول على التضامن التركي في مواجهة القانون، بالإضافة للاستماع لوجهة نظر تركيا في مواجهة الأزمة، ولم تتأخر القيادة التركية في دعم الرياض ضد "جاستا". جاء ذلك في خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام البرلمان الذي عبر فيه عن أسفه لصدور مثل هذا القانون.
ثالثا: القاهرة ورغم أنها متعثرة اقتصاديًا وقد تلقت الكثير من المنح والقروض الخليجية عموما والسعودية خصوصا، وتعتبر الرياض أنه على القاهرة رد الجميل عبر المساندة الشاملة ضد هذا القانون، ولكن المأمول غير الواقع. وأصدرت الخارجية المصرية بيانا يمكن وصفه ب"الباهت" حول متابعة مصر قرار الكونجرس الأمريكي بتمرير مشروع قانون رعاة الإرهاب "جاستا" ويبدو أنه لا يوجد استراتيجية دبلوماسية واضحة، عكس موقف السعودية عقب 30 يونيو، حيث كانت السعودية من أوائل الدول التي دعمت القيادة المصرية بعد 30 يونيو، بل فورا بعد انتهاء وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي من خطاب خارطة الطريق، بل إن الدبلوماسية السعودية كانت صوت القاهرة في المحافل الدولية، ولم تسمح الرياض للمجتمع الدولي بالتلاعب باستقرار مصر، ولكن لماذا تأخرت الرئاسة المصرية كل هذا في التعليق على هذا القانون والتضامن مع السعودية؟ إن كلمة مسافة السكة التي اشتهرت عن الرئيس السيسي هذا هو وقتها كي تكون عملية في مواجهة قانون "جاستا"، في الوقت الذي لم يقم فيه البرلمان المصري المعبر عن الشعب بإدانة هذا القانون الصادر عن برلمان دولة أخرى يسمح بملاحقة وابتزاز دولة حليفة للقاهرة. وعلى الرغم من تباطؤ مصر في دعم الرياض فإنه يمكن احتواء الأمر سريعا بموقف مصري صارم من خلال زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسي يعرب فيها عن تضامن القاهرة مع الحكومة السعودية، يتبعها وفد برلماني وشعبي يضم كل أطياف الشعب المصري لتظهر حالة من التضامن والوحدة بين الشعبين المصري والسعودي. كان الملك فيصل والرئيس الراحل أنور السادات هما من أدخلا العرب تحت المظلة الأمريكية عقب معاهدة كامب ديفيد، وكانت وما زالت القاهرةوالرياض الركيزة التي تستند إليها واشنطن في تطبيق سياستها في المنطقة، رغم يقين الولاياتالمتحدة من ضيق خيارات السعودية في مواجهة واشنطن، لذلك فالمملكة ليس أمامها إلا استخدام حلفائها في مواجهة الولاياتالمتحدة مثل أن تتجه لدول الخليج لتغيير سياساتها نحو الولاياتالمتحدة، أو تطلب السعودية من القاهرة بالتلويح بإلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، في حال أقدمت واشنطن على تجميد الأرصدة السعودية في البنوك الأمريكية. وعلى الرياضوالقاهرة بناء سياسة خارجية مستقلة خارج النطاق الأمريكي خاصة في القضية الفلسطينية من أجل خدمة مصالح البلدين وليس مصالح الولاياتالمتحدة، وتقليص التعاون الأمني والاستخباراتي وتبادل المعلومات حول الإرهاب.