* محمد عبد الهادي رئيس تحرير الأهرام: * المنطقة العربية تدفع ثمنا فادحا لغياب التنسيق والانتقاص من وحدة الصف حيال الأزمات * هناك تحقيقات أمريكية لم تثبت تورطا مباشرا لحكومات فى التخطيط لهجمات 11 سبتمبر * يجب مراجعة موقف القيادة القطرية فى دعم منظمات إرهابية * قطر تلعب أدوار مشبوهة فى صناعة الفوضى الخلاقة بالمنطقة * متضامنون مع السعودية ضد محاولات أمريكا الغامضة لإثارة الشكوك حول المملكة * تركياوقطر تحدثان شروخا فى النظام الإقليمى والعربى أكد الكاتب الصحفي محمد عبد الهادي علام، رئيس تحرير الأهرام، أن المنطقة العربية تدفع ثمنا فادحا لغياب التنسيق والانتقاص من وحدة الصف حيال الأزمات التي ضربت المنطقة في السنوات الأخيرة. وتعليقا على رفض الكونجرس الأمريكي بأغلبية ساحقة الفيتو الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما ضد تشريع العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذي يتيح لأقارب ضحايا هجمات سبتمبر 2001، وضع رئيس تحرير الأهرام عبر مقاله الأسبوعي فى جريدة الأهرام والذي حمل عنوان "السعودية وقانون جاستا: كتلة عربية ضد سياسات خرقاء"، مجموعة من المحاور يجب أن تضعها المملكة العربية السعودية بعين الاعتبار حيال القانون الجديد. وإلى نص المقال: بداية الأمر، لم تعد القنوات الدبلوماسية تجدي نفعا لمواجهة التحرك بعد أن تبنى المجلس التشريعي في الولاياتالمتحدة القانون وأسقط فيتو الرئيس. ولكن ما يمكن أن تفعله السعودية كثير وكثير في ظل أوضاع إقليمية مضطربة وخلط للأوراق في الداخل الأمريكي وسياسات ملتوية في الإقليم ومن الخطوات الممكنة: تدفع المنطقة العربية ودولها ثمنا فادحا لغياب التنسيق والانتقاص من وحدة الصف حيال الأزمات التي ضربت المنطقة في السنوات الخمسة عشرة الماضية، وكالعادة أضاعت الحكومات العربية الفرصة فقد كانت كارثة 11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة فرصة للمراجعة الشاملة على الصعيد العربي بعد أن أشارت أصابع الاتهام إلى حفنة من الإرهابيين خرجوا من المنطقة العربية ضد السياسات الأمريكية والوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بعد أن تغيرت قواعد اللعبة وانقلب أصدقاء الأمس جماعات المجاهدين والولاياتالمتحدة علي بعضهم البعض ولم تحقق لهم واشنطن ما كانوا يحلمون به بعد حرب أفغانستان وهو فرض حكم ديني علي المنطقة أو منحهم الجنسية الأمريكية، وفي غمرة استعجالهم وقعوا في صدام مفتوح مع الصديق القديم وتجاوزوا الخطوط الحمراء قبل أن تستدير الدوائر الأمريكية ضد الدول في المنطقة لتقتص من خيبة تحالفاتها السابقة مع قوى الإسلام السياسي. ليلة الأربعاء، (أمس الأول)، رفض الكونجرس الأمريكي بأغلبية ساحقة الفيتو الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما ضد تشريع العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذي يتيح لأقارب ضحايا هجمات سبتمبر 2001 رفع دعاوى قضائية ضد الحكومة السعودية، وهو أول فيتو يتم إسقاطه خلال فترة حكم أوباما، هذا القانون ناقص ويحتاج إلى تفعيل دولي عادل فهو لم يتضمن ممارسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة نفسها التي دعمت وأسست وسمحت لقوي الإرهاب بأن تحصل على السلاح والعتاد أيام الحرب الباردة وعقدت معها الصفقات وقد كان أولى بالمشرعين الأمريكيين أن ينتبهوا إلى التدليس على الشعب الأمريكي بدلا من استهداف حكومة عربية صديقة لبلدهم تستثمر مليارات الدولارات في بنوكهم وشركاتهم. السؤال الآن: ماذا يمكن أن تفعل المملكة العربية السعودية حيال القانون الجديد؟! بداية الأمر، لم تعد القنوات الدبلوماسية تجدي نفعا لمواجهة التحرك بعد أن تبنى المجلس التشريعي في الولاياتالمتحدة القانون وأسقط فيتو الرئيس. ولكن ما يمكن أن تفعله السعودية كثير وكثير في ظل أوضاع إقليمية مضطربة وخلط للأوراق في الداخل الأمريكي وسياسات ملتوية في الإقليم ومن الخطوات الممكنة: 1 - التعامل مع القانون الأمريكي عبر قنوات الدبلوماسية الدولية من خلال المجموعات الإقليمية في الأممالمتحدة (المجموعة العربية - المجموعة الإسلامية-المجموعة الأفريقية-مجموعة عدم الانحياز) والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في أحداث 11 سبتمبر لمعرفة المسئول أصلا عن هذا العمل الإرهابي على أن تضم اللجنة أطرافا دولية متعددة. ومن المعلوم أن هناك تحقيقات أمريكية عديدة لم تثبت تورطا مباشرا لحكومات فى التدبير أو التخطيط للهجمات ولم تشر اللجان الرسمية المختلفة، أيضا، إلى علاقة الأجهزة الاستخبارية المتنوعة فى الولاياتالمتحدة بجماعات الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط وهو تعامل غير منصف مع قضايا تتصل بالأمن القومى للدول ولا يمكن القفز على المعطيات التى تتداولها الألسن والتكهنات وتنتهى إلى إدانة طرف يمثل شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة لمدة عقود طويلة ويستحيل أن يكون طرفا رسميا فى تمويل عمليات إرهابية. 2 - اتساقا مع مبدأ المكاشفة، والمساواة على الولاياتالمتحدة والكونجرس أن يقبلا إصدار برلمانات دول خاضت فيها القوات الأمريكية حروبا فى السنوات السبعين الماضية تشريعات تتيح لأسر ضحايا القنبلة النووية فى هيروشيما وناجازاكى أن يقاضوا الولاياتالمتحدة وأسر ضحايا الغزو الأمريكى لفيتنام أن يقاضوا الولاياتالمتحدة عن جرائم الحرب وأسر ضحايا القصف العشوائى فى أفغانستان أن يقاضوا الولاياتالمتحدة وأسر ضحايا الحرب الكارثية فى العراق والغزو الهمجى الذى ترك وراءه أشلاء دولة ومجتمع كان متماسكا رغم كل ما قيل عن حكم صدام حسين أن يفعلوا الشىء نفسه وهل لو طالبنا بمحاسبة الأطراف التى سلحت داعش فى سوريا وهى جماعة ارتكبت جرائم لا يتصورها العقل ضد المدنيين العزل فهل يجرؤ الكونجرس على فتح الملف؟ 3 - تعتقد دوائر أمريكية أن الأسرة الحاكمة فى السعودية تعانى خلافات - وهو أمر على خلاف الحقيقة وأن تلك فرصة سانحة لابتزاز حكومة صديقة لضخ مزيد من الأموال فى صناعة السلاح الأمريكية. ونحن متضامنون مع الشعب السعودى وقيادته فى تلك المحاولات الغامضة لإثارة الشكوك حول الدولة السعودية وهو ما يخدم مصالح أطراف أخرى تنافس على الزعامة الإقليمية. 4 - تلك فرصة جيدة حتى يعيد الأشقاء فى السعودية النظر فى عدد من الملفات الإقليمية والسياسات التى تتبناها أطراف بعينها، خاصة تركياوقطر، وهى الدول التى تحدث شروخا فى النظام الإقليمى والعربى وتقف حائلا أمام بناء العلاقات العربية-العربية من جديد فى وقت حاسم للأمة، فالقانون الأمريكى أبعد من مجرد رفع دعاوى قضائية تطالب بتعويضات من الحكومة السعودية وسوف يمتد التوجه الأمريكى ليصبح بالونة اختبار لابتزاز دول أخرى فى المنطقة، المسألة هى أن السياسة الأمريكية لا تزال تستثمر عن طريق الابتزاز عن طريق استثمار تداعيات 11 سبتمبر، مرة بالغزو الأمريكى لأفغانستان ثم العراق، ومرة أخرى بالابتزاز المالى لبلد كبير مثل السعودية. 5 - ضرورة وضوح مواقف مجلس التعاون الخليجى إزاء التحرك الأمريكى ومن بين المواقف المفترض مراجعتها تلك التى تتعلق بالتغاضى عن أسلوب القيادة القطرية فى دعم منظمات إرهابية ولعب أدوار مشبوهة فى صناعة الفوضى الخلاقة فى المنطقة. 6 - تفعيل المحاور العربية مثلما حدث فى عام 1994، وكمثال، فقد عقدت قمة الإسكندرية الثلاثية بين مصر والسعودية وسوريا من أجل الوقوف فى وجه الضغوط التى كانت ترمى إلى التطبيع مع إسرائيل والتجاوب مع مشروع شيمون بيريز (الشرق الأوسط الجديد) الذى طرح على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهو الطرح المنبثق من عملية السلام فى مدريد وعقد بشأنها مؤتمر فى الدار البيضاء عُرض خلاله عدد من المشروعات قوامها-حسب بيريز- المال الخليجى والعقل اليهودى والأيدى العاملة من مصر وسوريا، ثم اتخاذ موقف موحد يربط التطبيع بالتقدم فى عملية السلام. وتم البناء على قمة الإسكندرية المصغرة لصناعة موقف عربى فى قمة القاهرة فى يونيو من عام 1996. والأجدى اليوم أن تعقد قمة عربية مصغرة حتى لا تكون السعودية رأس الذئب الطائر أو الضحية التى يبدأ بها وساعتها نقول جميعا أكلنا يوم أكل الثور الأبيض، وأعتقد أن الوقت مناسب لعقد قمة عربية تجمع مصر والسعودية ودولا عربية مازالت تقف على أرجلها مثل الإمارات والكويت والمغرب والجزائر وتونس على أن يؤكد القادة فى القمة تفعيل التعاون ووقف الانهيار فى ليبيا وسوريا وإعادة بناء العلاقات العربية- العربية. 7 - لا يمكن القبول أو الركون إلى تفسيرات من نوعية أن ترضية السعودية ستكون من خلال الزعم بأن القانون الجديد هو مجرد حبر على ورق وأن القضاء الأمريكى قد يحتاج إلى سنوات لإثبات علاقة السعودية به أو مسئوليتها عن أحداث سبتمبر. ولايجوز أن تنجر السعودية إلى تلك التفسيرات لسببين هما: الأول: أن العلاقات، فى ضوء هذا التربص، ستظل رهن التوتر خلال نظر القضاء الأمريكى الدعاوى. ثانيا: أن المسألة قد تتطور إلى آفاق أكثر سوءًا. أرى أن ما حدث هو محطة مفصلية لسياسة جديدة هى نتاج لسياسات فاشلة على رأسها مشروع الفوضى الخلاقة، ثم التخلى عن الحلفاء تدريجيا وهو منهج معتاد فى العقود الأخيرة، والأمثلة عديدة من شاه إيران إلى حسنى مبارك مرورا بنورييجا وصدام حسين، وغيرهما. خطورة التصويت على هذا النحو فى الكونجرس تظهر فى التوافق الجمهوري- الديمقراطى فى مجلسى الشيوخ والنواب بشكل لم يحدث من قبل، ويقول إنه يمكن مقاضاة أى مسئول فى الحكومة السعودية أو من المسئولين السابقين ويفتح الباب لمقاضاة دول أخري. فى الوقت نفسه فإن تلك الواقعة تثبت بعد نظر الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز فى دعمه القوى ثورة 30 يونيو حيث لا تفريط مطلقا فى العلاقة الاستراتيجية بين مصر والسعودية وأى مساس بها هو من سبيل الخطأ الاستراتيجي، وفى مواجهة هذا التحدى فإن القاهرة والرياض تحتاجان إلى تقارب بحجم التحديات وبناء كتلة عربية تقف فى وجه السياسات الملتوية التى جلبت الدمار على المنطقة. .. والحرب على الإرادة المصرية بعد يومين من عودة الرئيس عبد الفتاح السيسى من زيارة ناجحة إلى الأممالمتحدة حقق فيها اختراقات مهمة على صعيد السياسة الخارجية، وتعامل مع سيناريوهات إيجابية وأخرى سلبية عن النظرة إلى ما يجرى فى مصر، استأنف نشاطه الداخلى المكثف فى عملية إعادة البناء بافتتاح مشروعات جديدة أخرها مشروع بشائر الخير بمنطقة غيط العنب بالإسكندرية، وربط الرئيس فى كلمته خلال الاحتفال بين التحديات التى تواجه الدولة المصرية وبين ضرورة العمل لتغيير الواقع الراهن. وقال الرئيس السيسى: "هناك أمل، نعم هناك أمل كبير.. ولو إنتوا بتشوفوا التحديات والهجمات اللى بتتعمل عليكوا تعرفوا إن هناك من يريد أن تبقى مصر دولة لاجئين، مؤكدا أن مصر عصية على أنها تبقى دولة لاجئين، وبالتالى الضغط جامد والجهد جامد ضدكم يا مصريين، لازم تكونوا عارفين كده بس إحنا كمان لازم نشتغل علشان نغير الواقع اللى إحنا فيه". تلك العبارة: "مصر عصية على إنها تبقى دولة لاجئين" من أدق العبارات التى صاغها الرئيس السيسى فى الشهور الأخيرة، فهى تلخص حالة مصر التى تكابد من أجل الخروج من مأزق ما بعد ما سمى ثورات الربيع العربي. وتنظر حولها فى غضب شديد على مصير دول شقيقة وإذا ربطنا ذلك بقول الرئيس: "خلال الشهرين الماضيين كانت هناك هجمة شرسة جدا على الدولة وعلى القوات المسلحة.. معقول ده.. هذا جيشك جيشك أنت"، تكون الصورة كاملة إلى حد كبير بأبعاد الحرب على الإرادة المصرية التى حققت فى عامين نقلة نوعية فى سباقها مع الزمن، فلو تأملنا ما قصده رئيس البلاد من الربط ما بين الهجمة الشرسة على الدولة والجيش، سواء من وسائل إعلام خارجية أو على وسائل التواصل الاجتماعي، وبين الرغبة فى زعزعة بعض الأطراف للوضع الداخلى سنتوقف أمام معضلة قائمة وهى أن هناك من يريد أن تقع مصر فى فخ حرب داخلية أو فى شرك انقسام مجتمعى حتى يصل إلى مآربه وهى إحالة المصريين إلى شعب من اللاجئين والمهاجرين ويتجلى الأمر فى تصريحات مراهقة هنا أو هناك تريد الشر بمصر ودروس الماضى القريب تحمل لنا رسائل بألا ننجر إلى الفخاخ المنصوبة-- بحماقة أو عن سوء قصد. لذا يمثل منهج الرئاسة المصرية فى التعامل مع خطورة الموقف حولنا وتنامى مناخ الكراهية فى المنطقة جرس إنذار للكل بمن فيهم من يعبثون بالنار... ففى لقائه مع وفد مؤسسة بروكينجز الأمريكية للأبحاث، أشار الرئيس إلى ما توفره مناطق الأزمات من بيئة خصبة لانتشار الإرهاب والفكر المتطرف، وقال إن الأحداث أثبتت امتداد خطر الإرهاب إلى مناطق أخرى تتجاوز الشرق الأوسط محذرا من مغبة سقوط المؤسسات الوطنية بالدول التي تشهد أزمات. ومن ثم فإن الحرص على تماسك المؤسسات وجاهزية القوات المسلحة للانتشار وحماية البلاد هى رسالة من قائد إلى شعبه وإلى من يفكر أو يحلم بسيناريو الفوضى، ومناسبة الكلام السابق هو منهج البعض على الساحة السياسية والإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعى من جانب من لا يعقلون ما ينطقون به وينطلقون فى السخرية من كل شيء من باب الفراغ ومحاولة إثبات الوجود وكسب شعبية وهمية حيث تطول تلك الكلمات المنفلتة المؤسسة العسكرية التى تدخلت مرتين خلال ثلاثة أعوام لحماية خيارات الشعب. السخرية سلاح ولكنها فى الحالة المصرية اليوم تحولت إلى سلاح فاسد فى يد مجموعات محترفة تريد أن تنزع الاحترام عن المؤسسة الوطنية وتدريجيا نغوص فى مناخ من عدم اليقين واليأس، ولا يساورنا الشك أن الغالبية تعلم نيات تلك الفئة أو المجموعات المحترفة فى التشويه وسقوط قلة من المثقفين فى فخ السخرية من كل شيء لا يعنى أن الدولة قد أصيبت بالذعر من هؤلاء لكن استمرار التحذيرات يقع تحت خانة توعية الغالبية من خطورة الانسياق وراء مروجى الشائعات ونشر الروح السلبية الهدامة ورغبة من القيادة السياسية فى توفير الجهد والطاقة لعملية البناء وتجاوز الصعاب.