وجدت الولاياتالمتحدة نفسها غير مطلقة اليد فى إدارة الملف السورى وواجهت تحديًا عنيدًا من روسيا والصين وإيران يتردد التساؤل الآن بقوة فى فضاء الشرق الأوسط حول توجيه الولاياتالمتحدةالأمريكية ضربة إلى النظام السورى، حتى قبل أن يصدر تقرير اللجنة الدولية لتقصى الحقائق فى استخدام الأسلحة الكيماوية، وفى حال أقدمت واشنطن على هذا، فإنها سوف تخسر كثيرا من مصداقيتها المزعومة فى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الشعوب فى تقرير مصيرها. والسبب فى هذا أن أمريكا طوال السنوات الماضية لم تكن معنية بقوة بالتدخل لصالح الشعب السورى، وهى على سبيل المثال لا الحصر تجاهلت الحرب الأهلية فى الصومال لسنوات طويلة، رغم الوضع المأساوى للشعب هناك. هنا يبرز السؤال لماذا الآن؟ فيما أرى أن واشنطن تعانى الآن من أزمة نفسية عميقة، إذ تأتى الرياح بما لا تشتهى الإرادة الإمبراطورية للأسباب الآتية: أولا: وجدت الولاياتالمتحدة نفسها غير مطلقة اليد فى تنفيذ أسلوبها المعتاد لإدارة الملف السورى، وواجهت تحديا عنيدا من روسيا والصين وإيران على عكس ما تم فى الحرب الليبية منذ فترة وجيزة. ثانيا: لم تكن أمريكا تتوقع أن يصمد نظام بشار الأسد طويلا، وكانت تأمل أن يسقط سريعا مثلما حدث فى دول الربيع العربى. ثالثا: تحول الوضع على الأرض داخل سوريا أخيرا لصالح النظام، مما يعنى تراجع الدور الأمريكى بقوة فى المنطقة. رابعا: كانت واشنطن تأمل فى إزاحة الدب الروسى مع سقوط النظام بعيدا عن مرافئ سوريا البحرية، وتحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة أمريكية ترتع فيها قوات حلف الناتو. خامسا: تسببت إطاحة الإرادة الشعبية للغالبية العظمى من المصريين بنظام الإخوان المسلمين فى صدمة عنيفة لواشنطن، التى رتبت طويلا لصعودهم فى إطار إعادة ترتيب الإقليم. لهذه الأسباب تسعى الولاياتالمتحدة لاستعادة توازنها الإمبراطورى بتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام السورى تحت مظلة مصطنعة من الدول التابعة، لمنع النظام السورى من تحقيق انتصار ساحق على القوى المناوئة، ومحاولة تحجيم رقعة الصراع بعيدا عن لبنان، وإبقاء مساراته داخل حدود سوريا، علما بأن الغباء الأمريكى قد يؤدى إلى العكس إذا قام حزب الله كرد فعل بمضاعفة دوره فى تأييد النظام السورى، كما تتحجج واشنطن أيضا بادعاء تدمير ترسانة السلاح الكيماوى لمنع بشار من استخدامه، وضمان عدم وصوله إلى أيدى العناصر المناوئة، علما بأن الإجراء الآمن يتمثل فى تفكيك الأسلحة الكيماوية لا تدميرها. وإذا كانت الولاياتالمتحدة سوف تتخذ من استخدام السلاح الكيماوى فى ريف دمشق الأسبوع الماضى ذريعة للهجوم، قبل أن يصدر تقرير لجنة تقصى الحقائق حول استخدام الأسلحة الكيماوية، فإنها سوف ترتكب بذلك خطأ سياسيا وأخلاقيا نظرا لغموض الرؤية حول الجهة التى استخدمت هذا السلاح، مع الأخذ فى الاعتبار أن النظام السورى يوفر دعما كاملا للجنة التقصى فى الوصول إلى المناطق المنكوبة، بينما تعوقها بعض العناصر المناوئة. وإذا كان السلاح الكيماوى قد تسبّب فى سقوط نحو 1200 ضحية فى سوريا، فإن الحرب قبل ذلك أدت إلى وقوع أكثر من مئة ألف قتيل، وإذا كان الغرب لم يتدخل من أجل ذاك الرقم الرهيب طوال سنوات الحرب الأهلية، فإن تدخل واشنطن الآن فى ظل الأوضاع الراهنة يعتبر انتهازية وسوء نية، وقد عبر عن هذا الوضع الملتبس لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا -إحدى الدول العشر المشاركة فى التحالف ضد النظام السورى- قائلا «إن توجيه ضربة من خارج الأممالمتحدة ضد سوريا قد يكون محفوفا بالمشكلات»، وبصفة عامة فإن أى ضربة عسكرية محتملة لن تتم فى كل الأحوال باستخدام قوات أرضية، ومن المتوقع أن تنحسر الضربة العسكرية ضد سوريا فى حال تنفيذ التهديد بها فى الأسلوب الآتى: 1- أن الضربة الرئيسية سوف تكون بإطلاق الصواريخ المجنحة من نوع «التوما هوك» من البحر من مناطق بعيدة عن المياه الإقليمية السورية. وصواريخ «التوما هوك» هى صواريخ هجوم تطلق من تحت الماء أو من على ظهر السفن الحربية. وفى البدء يطلق الصاروخ بواسطة الوقود الصلب، حيث يوجه محرك «turbo fan» الصغير مرحلة الجولة البحرية من الطيران، ثم تبدأ مرحلة الطيران فوق الأرض فى مناورة تتفق مع طبيعة التضاريس التى تقابله، ويشتمل نظام التوجيه على نظام تحديد المواقع العالمى «GPS» ونظام ترقية المشهد رقميا لمطابقة منطقة الهدف «DSMAC» ونظام وقت الوصول «TOA»، علما بأن صواريخ «التوما هوك» تستعمل لمهاجمة تشكيلة من الأهداف الأرضية الثابتة، وتتضمن على سبيل المثال مواقع الاتصالات والدفاع الجوى، وهى المواقع التى تشكل بيئات التهديد، وسبق استخدام هذه الصواريخ فى ضرب العراق فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون. 2- توجيه عدة ضربات صاروخية من الجو دون التحليق فى الأجواء السورية باستخدام القواعد التركية وحاملات الطائرات. 3- من غير المحتمل فرض مناطق حظر جوى على الأجواء السورية. 4- من المحتمل دفع قوات برية فى شريط ضيق للغاية عند المناطق الحدودية مع كل من تركيا والأردن لتسهيل عمليات الدعم اللوجيستى للعناصر المناوئة للنظام.