تنسين خيانته عند نقطة معينة بفعل لا إرادى؟ لست وحدك. هذا شىء يُخلق فى الإنسان لكى يعيش، ولكى يُبقِى على العلاقات التى يظنها مهمة لحياته. تماما كما تنسين ألم الولادة، لأن جسمك مخلوق على نسيان ألم الولادة لكى تستمر الحياة على الأرض. تحاولين حثيثا أن تقمعى ذكرى الخيانات وأن تعيشى حياتك العادية. لكنك لا تستطيعين – «ماكانش حد غلب». لست خبيرة نفسية، لكنك صرت خبيرة فى خياناته هو بالذات، خبيرة فى قراراته الفجائية التى دائما «وراها إنّ»، خبيرة فى لمعة الكذب فى عينيه، فى تلك الدموع التى لا تسقط أبدا، فى هذه النظرة إليك وعنك بينما يتحدث، فى نبرة صوته. ربما صرت تستلذين بخياناته. ربما تستلذين بإحساسك أن لك اليد العليا بينما يعترف أمامك. تستلذين بإحساسك أن تريه أمامك وضيعا بما يستحق، حقيرا بما يستحق، يكشف عن كذبه كما يكشف راقص استربتيز مؤجَّر عن جسده. تعتقدين أن الحياة لو أنصفت لكانت تلك المهنة الملائمة له. لكنك رغم ذلك تحبين خياناته كما تحبين كتابا مأساويا جيد الصنعة، ذاخرا بهذه الخلطة السحرية من مفاجآت وجنس وأكاذيب وحقائق، بينما الجريمة تطل من الشرفة طوال الوقت تنتظر الوقت المناسب للمشاركة فى الخلطة. تعلمين أن شيئا مأساويا سيحدث يوما، وأنك -فقط- تؤجلينه. ويتعمد هو أن يُشعِرك بأن مجرد تركك له مأساة فى حد ذاته. يهبط بالمأساة إلى الحد الأدنى تماما لكى يضمن أن تبقى فى أضيق الحدود. تظنين أنك ذكية وأن لك اليد العليا؟ هو يعلم أنك تظنين هذا، وما أبخسه من ثمن يدفعه لك بينما يتلذذ بخيانتك مرة تلو الأخرى، ويتلذذ بإحساسه أنك لا تستطيعين الاستغناء عنه مرة بعد الأخرى. الخيانة لمحترفى الكذب ليست أكثر من لعبة أطفال، لا تحمل كل هذه المعانى الأخلاقية التى تظنين أنت أنها تحملها. بالعكس، تحمل قيم الألعاب التنافسية التى أشركك فيها رغما عنك، ولعلمه أنك منافس مهزوم. لا يجلس فى ظلام الغرفة الخالية بعد «العرض» الذى قدمه لك لكى يعضّ أظافره من الندم. إنما، فى ظلام الغرفة الخالية بعد أن يفرغ منك، لا يمسح سوى عرقه، بعد المجهود الذى بذله. الأدرينالين يجعله متحفزا للمرة القادمة، للعرض القادم. يباهى أمام أصدقائه بأنه فاز عليك مرة بعد أخرى، يا أسخى مشاهديه. وبالمناسبة، تركك له مأساة حقيقية، لا لأنه لا يستطيع الاستغناء عنك كما يدّعى، بل لأنه لن يجد لك بديلا يلعب معه. صدقينى، صنفك نادر فى الدنيا. هو وهى ونحن وأنت كلها ضمائر لم يُشتق منها اسم يصف الاعتناء بها وتقديرها. الضمير الوحيد الذى اشتُق منه هذا الاسم هو «أنا»، والاسم هو أنانية، والصفة هى «أنانى». انسَى الخطب التى لقنوكِ إياها عن حب الغير، فحب الغير ينبع من حب النفس أولا. إنما المذموم المبالغة فى حب النفس، لا حب النفس. أحبى نفسك على حسابه، فنفسك أحق بما تمنحينه له من مشاعر ومن احتمال للألم ومن حلم وأمل. وجّهى تلك الطاقة إلى شىء تحبينه فعلا، تعلمى كيف تتحولين أمام الأشخاص المطاطين إلى كتلة من رخام، يصطدمون بها فيرتدون إلى حيث أتوا. وسوف تدعين لى بطول العمر حين ترين النتيجة، بل وحين تقابلين حبا حقيقيا لإنسان عادى، لا إنسان مريض. ولا، لن يصيبه مكروه إذ تتركينه، سيستمر على نفس الخط الذى يسير عليه، لكنه سيفقد فقط لذة الخيانة، وسيذوق طعم الاستغناء عنه، وهو، لهؤلاء، مر كالعلقم. لن يكترث فى البداية. بعد ذلك، لن يجد إنسانة ينظر فى وجهها فيشعر أنه مرغوب فيه رغم كل ما فعل (أكرر: صنفك نادر)، بل سيقابل كثيرات على شاكلته، لن يرى فى وجوههن إلا نفسه الحقيقية، إنسانا يبحث عن الثقة بنفسه لدى الآخرين. وقتها فقط قد يبكى على حاله. أما أنت فستشعرين بثقة متفجرة فى نفسك، ستتحول الحفريات القديمة المهملة إلى بئر طاقة. ولن تجدى له وقتا لتكرهيه – فبسببه أحببت نفسك، وتعلمتِ أن لا تبالى بالتافهين.