كانت الطرق كلها مقطوعة. وكان علىّ أن أسير على قدمىّ ما يقرب من ساعة حتى أصل إلى «الاتحادية». ما فاجأنى هناك كان الجو الاحتفالى الذى يسود المكان. لا محاولات قطع الطرق من جانب «الإخوان» منعت الناس من المجىء للاحتفال، ولا التهديد باقتحام المكان منع العائلات من اصطحاب الأطفال والإحساس بالأمان. مرة أخرى تفشل محاولات «ترويع» المواطنين كما فشلت قبل 30 يونيو حين تصور «المشلوح» مرسى أن منظر عواجيز الإرهاب حوله سوف يمنع المصريين من النزول، وأن تهديداتهم الجوفاء سوف تطيل فى عمر نظام حكم الشعب عليه بالسقوط، ولم تكن هناك قوة فى الأرض قادرة على الوقوف فى وجه إرادة الشعب، خصوصا بعد انحياز جيش مصر -كعادته- لإرادة شعبها. الرسالة التى أكدتها مصر مرة أخرى وهى تحتشد فى ذكرى العبور والنصر كانت واضحة: الصفحة انطوت يا سادة، والحكم الذى سقط فى 30 يونيو انتهى أمره.. لا الإرهاب فى سيناء سيعيده، ولا محاولة نشر الفوضى فى أنحاء الوطن ستفتح بابا للمساومة كما يتوهم قادة الجماعة الذين يحاولون -على حساب دماء الضحايا- أن يجدوا فرصة للهروب من العدالة أو ما يسمونه الخروج الآمن! الصفحة انطوت يا سادة، وكل ما تفعلونه الآن لا نتيجة له إلا إضافة جرائم جديدة إلى جرائمكم التى لن تمر بغير حساب. كل قطرة دم تسيل من مصرى «أيا كان انتماؤه» أنتم المسؤولون عنها. كل عملية إرهابية فى سيناء أو خارجها ستدفعون ثمنها. كل محاولة لاستدعاء التدخل الأجنبى هى خيانة عظمى وستحاكمون عليها. ما يخيف حقا أن الجنون الذى يسيطر على قيادة «الجماعة» يعمى عيونها عن الكارثة التى تدفع المخدوعين من أنصارها إلى الوقوع فيها! فى عام 1965 حين تم اكتشاف المؤامرة الثانية للإخوان ضد ثورة يوليو «بالمناسبة كان من اكتشف المؤامرة هم الشباب لا أجهزة الأمن»، كانت إحدى الملاحظات أن كثيرين من الإخوان القدامى الذين لم يتم اعتقالهم بعد اكتشاف المؤامرة، كانوا يذهبون بأنفسهم للشرطة أو النيابة خشية أن يكونوا من المطلوبين! حين سألت أحدهم بعد سنوات: لماذا فعل ذلك؟! قال لى إنه فوجئ ببشاعة ما كان يدبر، وكيف كان الأمر لا يقتصر على التخطيط لاغتيالات واسعة، بل لتدمير كل المنشآت الحيوية من محطات كهرباء ومياه وكبارى وغير ذلك! وقال لى إنه كان واثقا من أنه من غير المطلوبين، فقد ترك الجماعة منذ زمن، ولكنه كان يعرف حجم الغضب عند المواطنين، وكان يلمح نظرات الشك عند من يتعاملون معه، وكان يريد أن يعرف الجميع براءته، وأن يثقوا فى أنه لا يمكن أن يشارك فى مثل هذه الجرائم البشعة. أروى ذلك لعل قادة جماعة الشر يدركون حجم الغضب الذى يعصف بصدور الناس الآن، ولعلهم يفهمون أن طاقة الصبر قد بدأت تنفد. أعرف أنهم لن يهتموا إلا بأنفسهم وخروجهم الآمن، ولكن ماذا عن المخدوعين والغلابة وكيف نستعيدهم لحضن الوطن من أيدى هذه القيادات الآثمة التى لا تعرف حرمة الدم ولا تفهم معنى الوطن؟! هذه هى إحدى المهام العاجلة لقوى الثورة وللحكومة الجديدة معا، نحن ندرك أن حجم الغضب الشعبى كبير على جماعة الشر، ولو تركنا الأمر كذلك فسوف نكون أمام كارثة. فلتكن الأمور واضحة.. الوطن يتسع لجميع أبنائه، والمحاكمة العادلة تنتظر كل من أجرم فى حق الوطن من جماعة الشر وقادة الإرهاب. أما المخدوعون والشباب المغرر بهم فسوف يكتشفون الحقيقة وسوف يكون مكانهم فى صفوف الشعب وهو يحاكم القتلة ويأخذ القصاص من الذين استباحوا الدم الحرام وخانوا الثورة وأضروا بالدين والوطن، كما لم يفعل أحد غيرهم