كتب - أحمد مطاوع تحولت الأعياد من مكافأة ربانية للعباد ومظاهر للاحتفال، إلى كابوس تخشى المرأة اقتراب أيامه، إذ تجد نفسها مضطرة رغمًا عن إرادتها أن تصبح جليسة منزلها، بدلًا من تلبية حاجتها فى كسر روتين المعيشة، والذى ربما لا تجد متنفس إلا فى تلك المناسبات المرتبطة بإجازات رسمية تجتمع فيها الأسرة، وتسمح لها بمتسع من الوقت للتفريج عن نفسها، وذلك بسبب التخوفات من شبح التحرش الجنسى الذى يطاردها أينما تخطت قدميها عتبات منزلها؛ ورغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسى، أعلن أن عام 2017 سيكون "عام المرأة" تكريمًا لها، عقب مطالبة المجلس القومى للمرأة بذلك؛ لكن يبدو أن المرأة ستظل تواجه مزيدًا من المعاناة، تحتاج فيها إلى تكاتف مؤسساتى ومجتمعى على مستوى كبير، وعلى رأسها "التحرش". المرأة مطاردة فى كل مكان أظهرت دراسة ميدانية أجراها "صندوق الأممالمتحدة للسكان"، بالتنسيق مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، نهاية مايو الماضى، أن نحو 2.5 مليون امرأة مصرية يعانين أشكالًا من التحرش الجنسى فى الشوارع، وأن أكثر من مليون و700 ألف يتعرضن للتحرش بمختلف أشكاله ودرجاته فى المواصلات العامة، ونحو 16 ألف فتاة من عمر 18 عامًا يتم التحرش بهن فى المؤسسات التعليمية، سنويًا . أرقام تتحدث عن مستقبل غامق احتلت مصر المرتبة الثانية فى نسبة التحرش الجنسى على مستوى العالم بعد أفغانستان، حيث تتعرض 64% من سيدات مصر للتحرش والاعتداء الجنسى بنسب متفاوتة، وفقًا لتقارير منظمات الدفاع عن حقوق المرأة العالمية عام 2015. وفى قائمة الاتجار بالنساء، جاءت مصر فى الترتيب الثانى أيضا وفقًا لتقرير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان؛ وطبقًا لدراسة صادرة من مؤسسة "تومسون رويترز" فإن مصر أسوأ مكان فى العالم لعيش المرأة من بين ٢٢ دولة شملتها الدراسة. تنافس مصر على تصدر القائمة العالمية لأكثر الدول مشاهدة للمواقع الإباحية، فوفقًا لتقرير أعده أحد المواقع المتخصصة فى البحث عن المواد الإباحية عبر الإنترنت، مارس الماضى، مستعينًا ببعض البيانات من محرك البحث الأشهر فى العالم "جوجل"، احتلت مصر المركز الأول عربيًا والثانى عالميًا في بحثًا عن المواقع الإباحية، وذلك بين المراهقين والشباب وأوساط المتزوجين. التحرش فى نظر الشرع.. الإفتاء تتصدر أطلقت دار الافتاء المصرية، تزامنًا مع احتفالات عيد الفطر المبارك، مجموعة من الفتاوى، لمواجهة ظاهرة التحرش، والتى تتركز بصورة ملحوظة ولافته خلال الأعياد، وذلك من خلال تشريح وتوصيف ملامح من الأسباب والدوافع المربوطة بالجوانب النفسية والاجتماعية والأسرية على وجه الخصوص، وكذلك الجانب الروحانى الدينى، وتقديم أحكام الشريعة تجاه تلك الظاهرة التى اعتبرتها من "الكبائر" و"أشنع وأقبح" الأفعال فى نظر الشرع. شددت دار الإفتاء، خلال الفتاوى التى أصدرتها على مدار الساعات الماضية، على أن استخدام العنف والقوة لترويع الناس، وخاصة التعرض للنساء فى الشوارع "كبيرة من كبائر الذنوب"، وأن انتشارها يقضى على مبدأ الأمن والاستقرار الذى حرصت الشريعة الإسلامية على إرسائه فى الأرض، وجعلته من مقتضيات مقاصدها، والتى من ضمنها الحفاظ على النفس والعرض. وأرجعت بعض الانحرافات الأخلاقية والسلوكية الملحوظة بشكل كبير على الشباب، إلى الكبت العاطفى فى محيط الأسرة، موضحة أن "عاطفة الحب والحنان والرحمة والاهتمام، إن لم تجد متنفسًا لها داخل الأسرة، بحث الشاب عنها خارج الأسرة"، وأن قلة الوازع الدينى فى نفوس الكثيرين، جعلت بعض الشباب، يتعرضون للنساء فى الشوارع، ويطاردوهن، دون مراعاة للأخلاقيات، مضيفة "هؤلاء هم أبعد الناس عن رسول الله يوم القيامة". وأشارت دار الإفتاء المصرية، عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، إلى أن الشريعة جعلت انتهاك الحرمات والأعراض من كبائر الذنوب، ومن ذلك جريمة "التحرش"، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل، مستشهدة بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم" -رواه البخارى-. واختتمت دار الإفتاء المصرية، سلسلة الفتاوى والتفسيرات حول تلك الظاهرة، بالتأكيد على أن "التحرش الجنسى بالمرأة من الكبائر، ومن أشنع الأفعال وأقبحها فى نظر الشرع الشريف، ولا يصدر هذا الفعل إلا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة التى تتوجه همتها إلى التلطخ والتدنس بأوحال الشهوات بطريقةٍ بهيميةٍ وبلا ضابط عقلي أو إنساني". البرلمان.. هل يضع نفسه أمام مسؤولياته؟ رغم أن مجلس النواب، لاحقته واقعة مؤسفة، مؤخرًا، وصفت بأنها فضيحة من العيار الثقيل، بعدما أرسل النائب أسامة شرشر، نائب مدينة منوف فيديو جنسيًا للمخرج خالد يوسف عبر "واتس آب" فى جروب يضم عددًا من نائبات البرلمان وعددًا كبير من رؤساء اللجان والهيئات البرلمانية، ونحو ما يقرب من 256 نائبا، بالخطأ؛ إلا أنه بات مطالبًا بإصدار عددًا من التشريعات والقوانين من شأنها الحد من ظاهرة التحرش الجنسى المنتشرة على نطاق واسع بالمجتمع. وحثت فيه العديد من النائبات الفتيات والسيدات على عدم التقيد بالجلوس فى البيت خوفًا من التحرش خلال العيد، مطالبين إيهان بالتصدى لتلك الظاهرة وعدم ترك حقوقهن أو التنازل عنها تحت أى ظرف من الظروف، مؤكدين أن الأزمة مجتمعية وتحتاج إلى سنوات لحلها، وأن القوانين موجودة لكنها لا تحل الأزمة، مطالبين الشباب بالتزام الأخلاق، والشرطة بتكثيف تواجدها بالشوارع وزرع مزيد من كاميرات المراقبة لسهولة رصد المحترشين. فى حين أكد عدد من النواب أنهم يعدون مقترحات بمشاريع من شأنها مواجهة التحرش وتغليظ عقوباته. وانتشرت الشرطة مدعومة بعناصر نسائية، فى أماكن التجمعات الكبرى لتأمينها وحماية الفتيات والتدخل السريع فى حال حدوث أى حالة تحرش، فى الوقت الذى أعلنت العدايد من المبادرات الشبابية لمناهضة التحرش، عن تواجدها أيضًا، كما أنشأ المجلس القومى للمرأة غرفة عمليات وخصصت أرقامًا لتلقى الشكاوى.