في مطلع شهر يونيو الجاري، رفع وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي العلم المصري على أول حاملة طائرات مروحية من طراز الميسترال للبحرية المصرية، واليوم وصلت حاملة الطائرات التي تحمل اسم "جمال عبد الناصر" لتأخذ صدارة التدريبات البحرية، التي تختتم اليوم في المياه الإقليمية أمام سواحل الإسكندرية لتضع اللمسات الأخيرة على ملف نقل عطاء "الميسترال" الفرنسيه من روسيا إلى مصر، والذي بدأ في 24 سبتمبر 2015، عندما أعلنت مصر وفرنسا -على لسان رئيسيهما- التوصُّل لاتفاق لبيع حاملتي الطائرات "الميسترال" لمصر، وبعدها في ١٢ أكتوبر من نفس العام تابع العالم ذلك اللقاء الهام للرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء فرنسا مانويل فالس في قصر الاتحادية، حيث وقف الاثنان في خلفية التوقيع على عددٍ من الاتفاقات أبرزها اتفاق بيع حاملتي الطائرات لمصر الذي وقَّعه وزيرا دفاع البلدين مقابل ٩٥٠ مليون يورو بخلاف تسليحهم وتجهيزهم فنيًّا والذي يتم بمعرفة الروس. من الرابح الحقيقي في صفقة الميسترال؟ الصفقه سحبت من روسيا ضمن مجموعة عقوبات مقصودة من "الناتو"، وأوروبا فرضت عليها لموقفها من الأزمة في أوكرانيا وضمها إقليم القرم باستفتاء رسمي.. فهل خسرت روسيا فعلًا؟ قصة الميسترال الروسية نسبة للأزمة التي سببتها صفقة شراء روسيا لهذا الطراز بدأت في العام ٢٠٠٩، عندما أعلنت روسيا على لسان رئيس الأركان نيكولاي ماكاروف عن مفاوضات مع فرنسا لشراء حاملة طائرات مروحية من طراز الميسترال، وأوضَّح أنَّ المخطط شراء ما بين ٣-٤ حاملات طائرات لدعم قدرات بلاده، وبالفعل وقَّعت روسيا عقدًا لبناء حاملتي طائرات مروحية مع فرصة زيادتها وإضافة حاملتين آخريين ليكون المجموع أربع حاملات مروحيات فرنسية الصنع. الصفقه في حقيقتها مثلت نقلة واسعة للقوة العسكرية الروسية على ثلاثة محاور "استراتيجيًّا وتكتيكيًّا وصناعيًّا"، ما يجعل من الصفقة أهمية يصعب إنكار خسارتها، ويؤكِّد ترجيح مكسب روسيا رغم خسارتها من إلغاء الصفقه، لكن كيف؟ استراتيجيًّا، تعد صفقة الميسترال الفرنسية والتي بدأت روسيا رحلتها منذ سبع سنوات تعد أول صفقة استيراد لتسليح للجيش الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وتفككه في العام ١٩٩١، كما أنَّها تعد تقريبًا الصفقة الوحيدة التي أبرمتها "العسكرية الروسية" خلال العام الماضي لتحديث قواتها البحرية. أيضًا، فإنَّ التوتر الحالي في المحيط الهادي والتهاب الوضع في شرق البحر المتوسط يحفز احتياج روسيا لهذا النوع من المهام من إنزال وإبرار القوات للتدخل السريع كما هو متوفر مع "الميسترال". تكتيكيًّا، تحتاج روسيا لحاملة المروحيات للتحكم في المناطق على السواحل المتاخمة مثل البحر الأسود وبحر البلطيق، حيث ظهر مدى القصور الذي تعانيه قدراتها العسكرية خلال أزمتها مع جورجيا، كما أنَّها تحتاج للمروحيات المضادة للغواصات ومروحيات الإنذار المبكر الذي تجهز به "الميسترال". أمَّا على مستوى الصناعة، فإنَّ بناء السفن الروسية تواجه مصاعب جعلتها تعجز عن تنفيذ اتفاقيات، كان أبرزها صفقة عقدتها لصالح البحرية الهندية أضرت بسمعة روسيا في بناء السفن الحربية، ومن ثمَّ أصبح بناء سفينة مقاتلة جديدة يمثل نقلة وخطوة لم تشهدها البحرية الروسية من عقد كامل، وكما عكست الصفقه أزمة صناعة بناء السفن في روسيا أصبح الإعلان عن إعادة بناء السفن عودة قوية لاستعاده الثقة في الصناعة الروسية الثقيلة، وأصبحت "الميسترال" مفتاح روسيا لاستعادة هذه الثقة. ورغم أنَّ البناء فرنسي "قبل إلغاء الصفقه" لكن خبرات الهندسة وإدارة المشروع واستثمارات البنية التحتية زودتها روسيا، وهو المنفذ الذي ستمر من خلاله التكنولوجيا الفرنسية لتستقر في أيدي الروس، فوفقًا للاتفاق الملغي فقد تضمن تزويدها بمعدات وتجهيزات ملاحة ورادار روسية ومنظومات تتسق مع تسليحها بمروحيات كا-٥٢ الروسية المتطورة، ومروحيات مضادة للغواصات، تناسب المهام التي تحتاجها القوة البحرية الروسية، وبالفعل تمَّ تركيب أغلب هذه المعدات وحصل الروس على تصميمات السفينة لتركيب التجهيزات، لكن بعد إلغاء الصفقة وتفكيك المعدات الروسية ثار الحديث عن وجود التصيميات الفرنسيه في أيدي الروس وهو ما أنكره الأخيرون وقللوا من أهميته. وفي أبريل الماضي، كشفت روسيا عن بدء سفينة الإنزال الكبيرة "إيفان غرين" المماثلة ل"ميسترال" الفرنسية في اختباراتها البحرية، وكشف أحد مسؤولي حوض "يانتار" البحري في مدينة كالينينغراد الروسية إنَّ السفينة قامت برحلة بحرية إلى ميناء "بلتيسك" حيث ستجري اختباراتها في عرض البحر، فروسيا تحركت مبكرًا لبناء سفينتها في انتظار وضع يدها علي التكنولوجيا. "إيفان غرين" هي سفينة أولى في مشروع "11711" الذي طرحه مكتب "نيفسكي" للتصاميم، وبدأ بنائها عام 2004، وقامت برحلتها الأولى في البحر عام 2012، وهي مخصصة لنقل أفراد الإنزال البحري والآليات الحربية إلى الشواطئ غير المجهزة، وتتسع ل13 دبابة و36 عربة قتالية و300 فرد من قوات الإنزال البحري، وتتضمن أسلحة السفينة مدافع رشاشة موجهة راداريًّا عيار 30 ملم، ومروحيتي "كا – 29"، ويفترض أن تسلم سفينة الإنزال الكبيرة "إيفان غرين" للبحرية الروسية في الربع الثاني من العام الجاري. وفي العام 2015 بدأ بناء سفينة أخرى من هذا المشروع 11711، وهي سفينة الإنزال الكبيرة "بيوتر مورغونوف"، على أن تسلم للبحرية الروسية عام 2017، ومن المتوقع أن تحل كلا السفينتان محل حاملتي المروحيات الفرنسيتين الميسترال. وجود الحاملتين مع حليف قوي هو مصر كان أول وأهم أسباب موافقة روسيا على المشتري الذي حل مكانها وفقًا للعقد، وبغض النظر عن وجود التصميمات بأيدي الروس فإنَّ الخبراء الروس سيعملون لفترة عليها للتجهيز والتركيب المنظومات والتسليح وتدريب المصريين على التجهيزات الروسية، كما تدربوا في فرنسا.