الحكومات المتعاقبة لم تُطبق القانون ضد الجرائم الطائفية مرة واحدة وتحتكم للجسات العرفية الإشكالية ليست في «الازدراء» رغم أنها دخيلة على القانون ولكن في تهمة تهديد السلم الاجتماعي «المطاطة» «ازدراء الأديان» أداة بطش في يد الأصوليين والدولة للوصاية على المثقفين والكتاب والفنانين البرلمان هو السلطة الوحيدة التي تفصل في بقاء المادة أو إلغاءها من القانون ولا علاقة للأزهر أو الكنيسة بذلك أطالب بإلغاء المادة المطاطة التي تشبه "سلك كهرباء عاري" في القانون واستبدالها ب"جرائم الكراهية" وسط إصرار شديد من قبل نواب اللجنة التشريعية بمجلس النواب المصري على تمرير مشروع قانون جديد بشأن إلغاء المادة 98 من القانون رقم 29 لسنة 1982 والخاصة بازدراء الأديان، ورفض وزارة العدل أي محاولات نيابية أو حقوقية أو إعلامية، لإلغاء تلك المادة التي تعاقب كل من يضرون بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي في مصر بسيف "الحبس" وعصا "الغرامة" الغليظة، وتعتبر حرية الرأي والتعبير والتفكير والاجتهاد والاختلاف كلها ضمن جرائم "الازدراء". في الوقت الذي حذرت فيه وزارة العدل المصرية من توابع ذلك المقترح التشريعي المُقدم على المقدسات الدينية في مصر، أكد الحقوقي حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أن تلك المادة مخالفة للدستور المصري في مادة 64 والتي تقضي بحرية العقيدة المطلقة مشيرًا إلى إصرار الحكومات المتتالية التي مرت بمصر على الإبقاء على تلك المادة المطاطة الدخيلة على قانون العقوبات المصري. تلك المادة الأشبه ب"سلك الكهرباء العاري" في القانون بحسب تعبيره والذي يحرق كل من اقترب من الحكومة أو النظام الحاكم أو تابوهات "الدين" و"الجنس" بسوء من أجل تصفية خصومها ومعارضيها "وقت اللزوم"، رافضًا عقوبة الحبس في وقائع "ازدراء الأديان" التي يجب إلغاءها، والإكتفاء بغرامة مالية باهظة تحول دون تكرار مثل هذه الممارسات التي وصفها ب"العنصرية". خلال حواره مع "التحرير" أوضح أبو سعدة أنه في كل دول العالم هناك عقوبات أخرى بديلة رادعة لممارسات العنف والتطرف وجرائم العنصرية والتعرض للأديان بسوء تُسمى جريمة "الحض على الكراهية" بدلا من مادة لا أب لها مُلقاة في يد أشخاص بلا أي صفة يدعّون أنهم وحدهم من يمتلكون الوصاية الكاملة على المثقفين والكتاب والفنانين عبر سيل من الدعاوى والبلاغات التي يتقدمون بها للنائب العام ضد هؤلاء الكتاب التي ينتهي بهم المطاف في النهاية إلى الجلوس وحدهم خلف القضبان داخل زنزانة معزولة بتهمة تكدير السلم العام، وغيرها من القضايا الشائكة التي تناولناها عبر هذا الحوار. لماذا الإبقاء على مادة "ازدراء الأديان" بالقانون رغم استمرار الجرائم الطائفية طوال 34 عاما؟ عملية الازدراء في حد ذاتها ليست المشكلة، ولكن الأزمة الكبرى والإشكالية هنا أن هذه المادة مطاطة أكثر من اللازم في الاصطلاح والعقوبة "تهديد السلم الاجتماعي" ووضعت خصيصًا منذ عام 1982 مع بداية فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك للتنكيل بالمثقفين والكتاب والفنانين والمعارضين الخارجين عن طوع الحكومة وكانت ذريعة صياغتها حينذاك الحفاظ على الوحدة الوطنية بعد حادث الزاوية الحمراء، خاصة بعد ما إثارة بعض أئمة المساجد في التحريض ضد الأقباط من على المنابر، فتم إضافة الفقرة (و) إلى المادة 98 بموجب قانون 29 لسنة 1982. وجاء في نصها أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة مالية لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية". وزارة العدل لا تمانع تعديل تلك المادة ولكنها ترفض أي محاولات لإلغاؤها تحت دعاوي حماية المقدسات؟ هذا كلام فارغ، والموقف الصحيح أن يتم إلغاؤها، لأنها بإختصار مادة دخيلة على قانون العقوبات ولكن إذا تم الإبقاء عليها فيجب أولا أن نضبط صياغتها بشكل يحول دون تكرار جرائم العنصرية أو نشر الكراهية. تقصد أن يتم استبدالها بمادة أخرى تحت مسمى "التحريض على الكراهية"؟ في كل دول العالم يوجد ما يُسمى ب"جرائم الكراهية" ولكن بداية يجب أن نحدد يعني إيه "كراهية" بمعنى التعرض لعرق شخص ما، أو الإساءة لدينه أو ممارسة العنف والإيذاء والعنصرية، وتدمير اﻟﻤﻤﺘلكات، التهديدات، وبعث بريد يحوي رسائل كراهية وأذى، وممارسة الإذلال والتقليل من شأن الآخرين ويكون الدافع من وراء ذلك هو الكبرياء والكراهية وهي من أخطر الأدوات والوسائل التي تفكك الروح الوطنية الواحدة وهذه تعد جريمة عنصرية في حد ذاتها إنك توصف جماعة دينية معينة بأوصاف تجعلها محض كراهية من أفراد المجتمع . بعد ثلاثة عقود من صياغتها.. هل توقفت الاعتداءات على دور العبادة وتهجير الأقباط؟ ولا مرة حدث ذلك في تاريخ الاعتداءات على الأقباط ومهاجمة كنائسهم لم تُفعل تلك المادة الملتهبة فقط في وجوه المثقفين مع أحد المعتدين الذين يكتفون في معظم الأحوال بالقعدات العرفية والجلسات المجتمعية والأحضان و"البوس" برعاية الأمن دون تطبيق أي قانون وبالتالي فإنه منذ تلك السنوات الطويلة لم يُستخدم مرة واحدة في موضعه . هل تحولت مادة ازدراء الأديان إلى أداة في يد الأصوليين وحماة الدين والدولة لتكفير خصومهم ؟ بالفعل هذا القانون المخالف للدستور تحول إلى سلاح في يد أي شخص يدعي أنه يمتلك الوصاية على المثقفين والفنانين والكتاب وحتى أطفال الشوارع لم يسلمون من طلقاتهم، بداية من نوال السعداوي ونصر حامد أبوزيد والشاعر حلمي سالم وعلاء حامد، مرورا بكرم صابر وإسلام بحيري، وصولا إلى فاطمة ناعوت وأحمد ناجي وفرقة أطفال الشوارع التي تنتقد الأوضاع العامة في مصر في الشارع والمترو بشكل غنائي ساخر. هل تحولت "ازدراء الأديان" إلى قضايا "حسبة" ضد خصوم النظام؟ هي قضايا التفاف على الحسبة عبر "ازدراء الأديان" وعلى النائب العام مهام ثقيلة جدا بشأن ذلك بألا يستجيب لمثل هذه البلاغات أو يحرك الدعاوي القضائية المرفوعة بخصوص تهم "الازدراء" و"تكدير السلم العام". وماذا عن عقوبة الحبس في مثل هذه القضايا هل تتفق مع نص الدستور؟ أرفض عقوبة الحبس في قضايا "الحض على الكراهية" أو الازدراء بشكل قاطع والعقوبة لابد أن تُخفف بالغرامة المالية التي ترجع لتقدير هيئة المحكمة، وعلى المشرع المصري أن يُراعي في ذلك قاعدة التناسب بين العقوبة والجريمة. لماذا رفضت الحكومات المتتالية الاقتراب من تلك المادة بالتعديل أو الإلغاء ورحبت اليوم بمقترحات التعديل؟ هذا السؤال المشروع يوجه للحكومة المصرية التي تُصر على الإبقاء على هذه المادة التي تحتفظ بها لحاجة في نفس يعقوب، حيث تستطيع السلطات من خلالها أن تستهدف أي أحد من خصومها ومعارضيها بالصورة التي تريدها والعقوبة التي تقررها. ولكن إلغاء هذه المادة يجعل البرلمان يواجه إشكالية أخرى مع مؤسستي الأزهر والكنيسة؟ ليس من حق أي مؤسسة دينية أزهر كانت أم كنيسة أن تفصل في مثل هذه المواد القانونية التي لا يفصل فيها سوى مجلس النواب الذي يتقدم بمقترحاته لتعديلها أو إلغاءها أو الإبقاء عليها عبر مشروع قانون جديد . هناك قاعدة قانونية شائعة بعدم التعليق على أحكام القضاء هل هذا يرجعنا لقوانين محاكم التفتيش؟ تناول الأحكام القضائية لا يكون إلا للمختصين من الخبراء والقانونيين طبقا للقاعدة الشائعة أن الحكم هو عنوان الحقيقة حتى يتم تغييره بنفس الطرق التي حددها القانون وذلك بأن يتم تناول الأخطاء الواقعة في تطبيق القانون ومناقشته بالصورة القانونية التي خالفت العقل والمنطق أو عبر التقدم بطعون أساسية على الأحكام أو وجود فساد في الاستدلال بدلا من طرح ذلك عبر وسائل الإعلام بصورة سطحية تضر بالموضوع أكثر مما تخدمه. أخيرا.. هل خالفت الحكومة الدستور عبر رفضها إلغاء تلك المادة من القانون؟ طبعا وزارة العدل المصرية ارتكبت مخالفة دستورية جسيمة عبر اعتداءها على حرية الاعتقاد الواردة ضمن الفقرة الأولى من المادة 64 بالدستور المصري الذي يعتبر حرية العقيدة مطلقة، وكذلك حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون، ولكنها تصر على إدخال التفكير والاجتهاد والاختلاف في الرأي ضمن عقوبات "ازدراء الأديان".