كتب: علاء عزمي عمليات عسكرية عراقية وسورية وليبية متزامنة لتحرير معاقل التنظيم الإرهابي في الفلوجة وسرت والرقة على طريقة «تطهير سيناء» أسطورة دولة الخلافة على المحك.. والتنظيم يلجأ إلى كتالوج الانتحاريين والخلايا النائمة وعمليات الشو الإعلامي في الدول العربية وأوروبا. ممالك التنظيم الرئيسية، فضلًا عن فضاءات نشاطاته المؤثرة في عدد من البلدان، صارت على المحك.. داعش وخلافته في مواجهة الاختبار العسكرى الأكبر لهما منذ إعلان دولته الإسلامية المزعومة قبل سنتين بالتمام والكمال، فيما أن رجاله يتلقون الضربات الموجعة الواحدة تلو الأخرى من سيناء المصرية إلى الفلوجة العراقية والرقة السورية، وصولًا إلى سرت الليبية.. بيد أن أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم دولة أبوبكر البغدادي، كان في أقصى درجات تقدير الخطر على نحو كبير، حينما خرج الشهر الماضي، في تسجل صوتي غامض، بدا أنه إقرار شبه رسمي من قبل التنظيم الإرهابي الأكثر دموية وشراسة في التاريخ الحديث، بالهزائم وتفتت الدولة وتحولها من كيان ضخم مترامي بين العراقوسوريا، فضلًا عن مواقع ومدن نفوذ في ليبيا وسيناء وفي بعض تخوم اليمن، إلى مجرد مظلة واسعة لآلاف الخلايا النائمة وفرق الذئاب المنفردة المبعثرة في عدد غير قليل من البلدان العربية والشرق أوسطية، فضلًا عن أوروبا.. بيان العدناني الصوتي، ومن ثانيته الأولى، كان أقرب لرسالة داخلية لعناصر التنظيم، تنشد التعبئة وإطلاق نفير التوحد خلف القيادة ورفع الروح المعنوية.. كانت المرة الأولى ربما، التي تُوجه فيه الكلمات للتأثير في داخل التنظيم بحثًا عن تماسكه، لا رغبة في بث الرعب في قلوب أعدائه كما جرت العادة في الماضي.. خطاب العدناني على حماسته، كان مرتعدًا وهو يقر بخسارة فادحه في صفوف رجاله وقادته الكبار وفي خريطة أراضيه التي اغتصبها: "هل انتصرتِ (يقصد الولاياتالمتحدةالأمريكية) إذا قتلتِ أبا مصعب، أو أبا عمر، أو أسامة، أو هل تنتصرين، إذا قتلتِ الشيشاني، أو أبو بكر، أو أبا زيد، أو أبا عمرو". في سياق آخر قال "أم تحسبين أمريكا أن الهزيمة فقدان مدينة أو خسارة أرض، وهل انهزمنا عندما خسرنا المدن في العراق وبتنا في الصحراء بلا مدينة أو أرض، وهل وهل سنهزم وتنتصرين إذا اخذتي الموصل أو سرت أو الرقة أو جميع المدن". خطاب عاطفي بامتياز، على طريقة كلمات التخدير التي كان يلجأ لها القادة العرب وقت الهزاتئم المريعة تهربًا من تحمل مسؤولية الفشل، فيقلبون الهزيمة نصرًا، ويصورون النكسات كاختبار إلهي للصمود!! بالورقة والقلم، خسر التنظيم ما يقرب من نصف أراضيه التي اقتنصها بالعراق على مدار العامين الفائتين ونحو خمس نظيرتها في سوريا.. إلى جانب خسائره الفادحة على مستوى القادة، انهارت من بين يدي داعش السيطرة على مدن حيوية كالرمادي وهيت وتكريت وبيجي وسنجار والرطبة، بينما تبدو الفالوجة في الطريق، وذلك على مستوى الجبهة العراقية. أما في سوريا فيظل فقدانه لتدمر وأجزاء عدة من حلب الأكثر إيلامًا له. خسر الدواعش أيضًا مصادر متعددة للنفط كانت بين يديه بفعل ضربات جوية أمريكية وعراقية وسورية وروسية، لينضب على نحو ما شلال الأموال المتدفق يوميًا من بيع الخام في السوق السوداء. الخسائر الداعشية الضخمة، تفسر قرارات استراتيجية للتنظيم اُتخذت مؤخرًا، كالتحصن بالتكتلات السكانية والتي تتراوح ما بين 6 إلى 9 ملايين في الجبهتين العراقية والسورية، ومن ثم نقل تعزيزاته الأهم إلى الموصل عاصمة محافظة نينوي بالعراق والتي ينتظر بدء عمليات تحريرها من قبل بغداد بعد يعد الفطر يوليو المقبل. وكذا إلى عاصمة الخلافة، الرقة السورية، التي بدأت عمليات اختراقها بالفعل حاليًا على طريقة الكماشة من قبل النظام السوري وقوى المعارضة. في المقابل بدأ رجال البغدادي الكبار أو المؤثرون الهرب نحو سرت الليبية للحفاظ عل حياتهم، غير أن الأجواء هناك ليست أفضل حالًا مع تقدم قوات تابعة لرئيس الحكومة فؤاد السراج بغية انتزاع المدينة من براثن الفصيل الإرهابي.. إلى جانب انتهازية التحصن بالكتل السكانية الضخمة من قبل داعش كدروع بشرية، فإنه يلجأ إلى استراتيجية خسيسة في مواجهة عمليات الهجوم المتزامن عليه في نقاطه الحيوية بالعراقوسوريا وليبيا على وجه التحديد، تقوم على قنص وقتل النازحين ليتواصل التستر بهم، مع مواجهة تقدم الجيش العراقي بفرق انتحاريين كما في حالة الفلوجة، وبسيارات مفخخة كما يحدث في سرت، فضلًا عن قطع الطرق المؤدية للرقة بالتلغيم.. فكرة التلغيم تلك في طرق المدرعات والآليات العسكرية، لا تزال تجد نجاعة بسيطة على الجبهة المصرية في شبه جزيرة سيناء، لكن المرحلة الثالثة من عملية حق الشهيد التي تقودها القوات المسلحة تثمر على نحو طيب للغاية، ما قلل معدلات النجاحات الداعشية إلى مستويات دنيا.. تفتت الخريطة الداعشية على هذا النحو، أشبه بإطلاق غاز منفر وسط مجموعة محتشدة، ما سيدفع أفراداها كرد فعل أولى إلى الانطلاق بغير هدى في طرق شتى، بيد أن بعضهم سيبث رصاصه وقنابله وأحزمته الناسفة بطرق هستيرية وغير متوقعة، مثلما حدث مؤخرًا في بغدادبالعراق وحلوان بمصر وجبلة وطرطوس بسوريا، وهو الرهان الذي يلعب عليه أبو محمد العدناني بتهديده المعتاد بغزوات رمضانية للانتحاريين والخلايا النائمة أو المطاردة في عدد من الدول العربية والأوروبية، فضلًا عن الولاياتالمتحدةالأمريكية. يريد تخفيف الضغط عليه بسورياوالعراق بالضرب العشوائي وهجمات الشو الإعلامي في شتى بقاع الأرض، وفي البلدان المتحالفة ضده.. تهديد أثمر على نحو ما دماءً وقتلى العام الماضي في مصر وتونس وفرنسا والكويت وغيرها، فهل سيتكرر صداه هذا العام بالتوازي مع تأزم وضع داعش في ممالكه الرئيسية من الفالوجة إلى الرقة وصولًا لسرت؟