«فضيحة أخلاقية فى بيت رسول الله». هذه أو ما شابهها، هى الجملة التى اختلقها وصاغها ونشرها عبد الله بن أبىّ بن سلول ليتورط فى نقلها بعض من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم فى ما سمى بحادثة الإفك.. تتأخر السيدة عائشة لحاجة لها وهم عائدون من غزوة بنى المصطلق، يحمل الناس هودجها، وهم يظنون أنها به، تعود إلى المكان فلا تجد الهودج ولا الناس، تقبع فى مكانها مقتنعة أنهم سيعودون إليها حال معرفتهم بغيابها، يمر عليها أحد الصحابة «صفوان بن المعطل»، تركب على الدابة وتصل إلى المدينة، وهى مريضة، تأتى الفرصة على طبق من ذهب لرأس النفاق ليخوض فى بيت النبى وزوجته، وينتشر الأمر بين الصحابة ليخوض بعضهم فيه.. زوجة رسول الله مع صفوان بن المعطل.. كارثة.. والوحى لم ينزل بعد ليكشف الغمة عن قلب رسول الله، إذن.. فلا بديل عن الشك. نعم.. رسول الله نفسه يشك فى السيد عائشة.. ويطالبها إن كانت فعلت ذلك أن تتوب إلى الله.. رسول الله بشر، يشك ويقلق ويطلب التفسير.. أما الآن فإننا نتبارى فى رفع قدسية الأشخاص.. كل منا يقف أمام الرمز البشرى الذى يؤمن به موقف الميت بين يدى مغسله يقلبه كيف يشاء، فهذا الرمز لا يخطئ، لا ينطق عن الهوى، إن ثبت صدقه فهو عالم وخبير، وإن ثبت كذبه فهو خداع استراتيجى.. من حقك أن تسأل.. أن تشك.. أن تسأل عن الحجة والبينة.. أن تعطى الفرصة لعقلك لا لتسليمك المطلق.. الكل بشر، ورسول الله هنا يشك، وفى من؟ فى زوجته أحب النساء إلى قلبه وبنت أحب الرجال إلى قلبه. مثل آخر رائع فى هذه القصة.. كل ما كانت تتمناه السيدة عائشة أن يعرف رسول الله حقيقة براءتها من خلال رؤيا أو وحى خاطف، وقالت إنها كانت أحقر فى نفسها من أن ينزل الله لتبرئتها قرآنًا.. يا لها من عظمة!.. إنها السيدة عائشة، ومع ذلك يشعرها تواضعها أنها أقل من أن ينزل فى شأنها قرآن يتلى أبد الدهر.. أين هذا التواضع فى زمننا؟ زمن يشاهد فيه بعض المهووسين جبريل يصلى معهم من أجل رئيس سابق، وفى رؤيا أخرى يتنحى الرسول ليصلى نفس الرئيس بالرسول إمامًا؟ السيدة عائشة تجد أنها أقل من أن يبرئها الله بقرآن، ونحن فى أرض المحروسة تتنزل علينا الصحابة والملائكة أفواجًا أفواجًا فى إشارة رابعة العدوية، وينزل علينا يأجوج ومأجوج فى اجتماعات جبهة الإنقاذ! يعرف أبو بكر رضى الله عنه أن مسطح بن أثاثة واحد ممن يخوضون فى شرف ابنته، وكان يعطيه نفقة، فيعزم النية على أن لا ينفق عليه بعد ذلك، لكن ينزل قول الله تعالى «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم».. فيرد سيدنا أبو بكر: بلى والله أحب.. والله لا أقطع عنه النفقة أبدًا.. وقيل إنه ضاعفها.. فى لحظة واحدة ينسى كل ما شعر به تجاه مسطح رغبة فى رضى الله عز وجل.. فمسطح صحابى هاجر وشهد بدرًا.. حتى لو أخطأ.. فلا ينبغى أن يكون خطأه مسوغًا لنكران فضله السابق.. الخلاف السياسى الآن عبارة عن علامة (إكس) توضع على الشخص ككل.. لا ذكر لفضل فعله، ولا شكر لجميل صنعه.. اختلف مع البرادعى كما شئت، لكن اذكر له أنه أول من أطلق شرارة الثورة فى قلوب الشباب، اختلف مع الإخوان كما شئت، لكنهم كانوا فى يناير فى الميدان، شاركوا وناضلوا ودفعوا الثمن كما دفع الجميع. شىء رائع أن نعود إلى ديننا لنستقى منه كيفية التعامل وكيفية الاختلاف، وأن نعرف الفرق الشاسع بين ما حدث فى «الإفك.. وما أدراك ما الإفك؟» وبين «الستينيات.. وما أدراك ما الستينيات؟»!