كتب - شيماء محمد تعود الشعب الإيراني من نظامه الحاكم، أن يستيقظ كل فترة على قائمة ممنوعات جديدة، تحد من حريته وتكدر حياتة. ومع تقدم التكنولوجيا وتطبيقاتها وزيادة استخدامها كان لابد على النظام الإيراني أن يحيط تلك التكنولوجيا بقيوده المعهودة. فبقدوم الخميني على رأس الثورة الإسلامية، بدات قائمة الممنوعات؛ فمنعت شرائط الفيديو التي تحوي أفلام غربية والكتب والقصص الغربية وطال جهاز الفاكس ذلك المنع. ومع تقدم التكنولوجيا واستخدام الإيرانيون للإنترنت بدأ خوف النظام من تلك الشبكة العنكبوتية فبدأ حربه عليها. وفي عام 2009، عندما قامت الاحتجاجات في إيران، على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد، كانت مواقع التواصل الاجتماعى(الفيسبوك وتويتر) هي الطريقة الوحيدة للشباب الإيراني، للتحدث في السياسة وترتيت تظاهرتهم ونجح الشباب في تصوير تلك المظاهرات وعنف الشرطة ضدهم ورفع تلك الفيديوهات على موقع يوتيوب، ليرى العالم بأسره وحشية النظام الإيرانى وكان من أشهر تلك الفيديوهات، التى رأها الناس في معظم أنحاء العالم فيديو مقتل الشابة "ندى" برصاص الشرطة، حينها أدرك النظام خطورة تلك المواقع، وقرر حجب الفيسبوك وتويتر ويوتيوب، ولم يكتف بتلك المواقع بل حجب مئات المواقع الأخرى سواء إباحية أو إخبارية غربية، وتعمد النظام تقليل سرعة الإنترنت في البلاد؛ لكي يرهق مستخدمي تلك الخدمة. فلجأ الشعب الإيرانى إلى استخدام خوادم أخرى للدخول إلى شبكة الإنترنت مثل البروكسى أو نظام في بي إن الذي يشتريه الإيرانيون ببعض يورهات أو يجلبه لهم أصدقائهم في الخارج. وعندما انتهت فترة حكم نجاد، وترشح حسن روحاني ووعوده حول الانفتاح وتقليل القيود، أمل الشعب الأيرانى كثيرًا بتلك الوعود، وعندما فاز روحاني بمنصب الرئاسة في 2013، فوجئ الشعب بأول تغريدة للرئيس الجديد على تويتر، ومن بعده وزير الخارجية "محمد جواد ظريف"، واعتقد الشعب حينها أن الحظر على الإنترنت قد زال ولكن سرعان ما تبددت تلك الآمال، عندما اكتشف الإيرانيون أن الحجب مازال مستمر وأنهم لم يستطيعوا دخول مواقع التواصل الاجتماعي بدون استخدام البروكسي وسرعة الإنترنت مازلت كما هي، ويبدو أن الرئيس روحاني حينها كان يستخدم شبكة دخول خاصة. ومن الطبيعي، أن نجد رجال الدين والنواب المحافظين المتشددين مؤيدين، لتلك السياسات وطبيعي أيضا انزعاجهم من وعود روحاني في البداية برفع الحظر عن الإنترنت لكن من غير الطبيعي أن نجدهم يستخدمون البروكسي والخوادم الأخرى للدخول إلى الإنترنت، وعندما أجرت صحيفة "القدس" (المواليه للنظام) حوار مع أحد رجال الدين، قال أحدهم، إنه يستخدم البروكسي للدخول إلى شبكة الإنترنت لكن لغرض البحث العلمي وإنه أقسم على أن لا يستخدمه إلا لذلك. الخامنئي والإنترنت عند تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعى ويوتيوب، ستجد حساب على كل موقع منهم للمرشد الأعلى للثورة "الخامنئى"، وستجد من كل حساب نسخته الفارسية والعربية وأحيانا الإنجليزية وقناة خاصة به على يوتيوب، تبث خطبه وكلامه وآراءه ويفسر المقربون منه ذلك، أنها وسيله لنشر كلام أية الله وتعاليمه، مستندين إلى ذلك عندما أباح الخامنئي في 2012، استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فى الخير وبما يوافق الشريعة الإسلامية وليس في أهداف سيئة ونشر الفجور. لكن ذلك لا يمنع تناول الخامنئي في كل مناسبة موضوع الإنترنت، ففي اجتماعه بالعامليين والمسؤولين في المؤسسات الدينية، أعلن عن قلقه من الأزمات الاجتماعية التي تشهدها البلاد، بسبب غزو الثقافة الغربية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وطالب الحوزات العلمية بضرورة خوضها لتلك الحرب في مجال الإنترنت وحماية الشباب، من تلك الأفكار الانحرافية التي يستقبلونها عن طريق تلك المواقع. مراقبة الإنترنت هناك فرع من الشرطة الإيرانية لمراقبة الإنترنت ومستخدميه ومراقبة كل ما يتشاركه المستخدمون، وأدت تلك المراقبة لحدوث الكثير من المصادمات ومنها عندما قامت مجموعة من الشباب والشابات بتقليد الأغنبية المصورة الشهيرة ونشرها على اليوتيوب، فتتبعتهم الشرطة وألقت القبض عليهم بتهمة الترويج لأفكار الغرب وتشويه سمعة الشباب الإيرانى. وهناك أيضا عندما قام بعض الشباب بدعوة على الفيسبوك لتجميع الشباب فى حديقة عمومية وسط طهران تسمى حديقة "الماء والنار" للعب برشاشات ومسدسات الماء، لكن يبدو أن هؤلاء الشباب المبتهجين أثاروا حفيظة السلطات وألقت القبض عليهم بدعوى مخالفة الشرع والاختلاط. الانستجرام والتلجرام في الآونه الأخيرة، اتجه معظم الشباب الإيراني إلى تطبيق الانستجرام والتلجرام، فتجد عليهما صفحات كثيرة لعارضات أزياء إيرانيات أو مصوريين ومصورات أو حتى شباب عادي ينشرون صورهم بحرية يفتقدونها في الواقع او يستخدمونه للترويج لأعمالهم، لكن يبدو أن هذا الأمر أغضب النظام، فمنذ أيام قليلة ألقت سلطات الأمن القبض على ما لايقل عن 8 سيدات، في إطار حملة لتوقيف السيدات اللاتي يظهرن في صور ترويجية للأزياء التي لا تتماشى مع الشرع الإسلامي وبدون غطاء للرأس، وتأتي حملة الاعتقالات التي تبدو ستطول الكثير في إطار عملية أطلق عليها اسم "العنكبوت 2" استكمالا للعنكبوت1 التي كانت منذ عامين. وفي هذا الصدد قال "جواد بابائي" القاضي في محكمة جرائم الإنترنت للتلفزيون الرسمي، إن المعتقليين الثمانية كانوا ينشورن محتوى غير إخلاقي وثقافة غربية معادية للإسلام، وإنه تم تحذير 21 شخصا آخر وتم رصد 170 شخصا يمارسون على صفحات الانستجرام هذا النوع من النشاطات منهم 59 يعملون في التصوير والمكياج و58 من عارضات الأزياء و51 يديرون دور أزياء. وبث التلفزيون الحكومي يوم الأحد الماضي، على الهواء مباشرة فقرة ظهرت فيها واحدة من تلك العارضات التي قبض عليها وتدعى "إلهام" بصورة قالوا إنها (طواعية) لتعرب لمدعي عام طهران عن أسفها لتصرفاتها (نشر صور لها من دون حجاب على الانستجرام) وتنصح الإيرانيات بعدم ارتكاب الخطأ نفسه. لم يتبقى للإيرانيين سوى تطبيق التلجرام، الذي مازالت تحارب الحكومة من أجل حجبه نهائيا، ففي 2015 كتب "باول دولوف" مؤسس التطبيق، في تغريدة له وجها للشباب الإيراني، إن وزارة الاتصالات والتكنولوجيا والمعلومات الإيرانية، طلبت من شركة تلجرام رسميا التجسس على مستخدمي هذا التطبيق، ولكنه رفض ذلك فهدتته الحكومة بحجب التطبيق نهائيا من إيران. والجدير بالذكر أن هذا التطبيق كان أهم تطبيق يستخدمه الإيرانيون بحرية في الانتخابات البرلمانية السابقة. وأعلن النظام الإيرانى عن أسبابه لحجب التلجرام، أن التطبيق يحتوى على أشياء تتعارض مع الأخلاق والمبادئ والقيم العامة في إيران، وأنه يسهل على أعداء إيران اختراقها والتجسس على مؤسساتها الأمنية والحكومية. وبررت الشرطة، موقفها المؤيد لحجب تطبيق التلجرام، بعمليات الاختراق التي تستهدف مستخدمي هذا التطبيق، فهناك 5 ملايين إيراني يستخدمونه. ويرى مراقبون للشان الإيراني، أن انتشار التطبيق بهذا الشكل الواسع ودوره الكبير في الانتخابات الأخيرة، أخاف المسؤولين في البلاد، وحاولت الحكومة أن تضعه تحت مراقبتها كباقي التطبيقات لكنها فشلت مما دفعها لحجبه متحججة بأسباب واهية. ومن جانبها تتهم مراكز حقوق الإنسان الإيرانية، خامنئي، بمحاولاته فرض قيود رهيبة على الشعب ورغبته في عزله عن العالم الخارجي.