(سلام على من يحاربون فى صمت ويستشهدون فى صمت ويحزنون فى صمت.. وعند الفرح ينتبذون مكانا قصيًّا، وتدمع أعينهم فى صمت). كان ذلك السطر من أول ما كتبت. المجد للغرباء دائما أبدا، من اختار أن ينهى معركته بيده، غير منتظرٍ حشودًا، أو شاشة يلقى منها بيانا، أو لقاء مع قيادة فى مكان ما. المجد للغرباء حين الحزن، كما الفرح، وحين الموت، كما الانتصار. لم نُهزم فى يوم، لم نُفتَن، لأننا لم ننكسر، لم نر للثورة بديلا، لم نندم، ولم نتراجع. وما غرَّنا فى ثورتنا الغرور. علمنا أن النصر قادم، وأننا سننتصر، فالمجد لمن ارتضى الثورة دينًا، والشارع سبيلًا. المجد لمن قاوم، دون توقف، كل الضغوط، الاستسلامات، السقوط. المجد لمن خرج وحيدا، ليعود وحيدا، ليكمل جزءا من فرحته، فى انتظار الفرحة الكبرى. فالمجد للثورة، والمجد لغربائها، والمجد كل المجد لطريق الغرباء والصامتين، من لا يلتفتون إلى حانق، أو قانط، أو مدلس. المجد لكل رفاقنا من رفع منهم، ومن ظل، من اكتأب فى وسط الطريق، ومن أصر عليه، من رسم غده أمامه طريقا لثورته، ومضى فيه، لم يتوقف، لم يتساءل عن جدوى الطريق، ولم يشتك من وحدته، بل استمر فى طريق غربته، ولم يستوحشه. وتذكروا «لا تعطوا ما هو مقدس للكلاب، ولا ترموا جواهركم أمام الخنازير، فالخنازير تدوسها بأرجلها، وتلتفت الكلاب إليكم فتقطعكم». ثورتكم هى المقدس الأعلى لديكم، وهى الحقيقة الوحيدة الماثلة أمامكم. وهى مستمره، لأنه لم يكن لنا قائد، ولن يكون. لم تكن ثورتنا نصرة لشخص، أو حزب أو جماعة، بل كانت لثورتنا، الطريق الذى قبلناه، والوطن الذى أردناه. ولن تكون فى يوم من الأيام حركتنا تحت إمرة أحد. لم يكتمل انتصارنا بعد، ولم نستكمل الفرحة، بل فقط أسقطنا ثلاثة أنظمة، وما زال الطريق طويلا، لكى نقنع بالنصر، وتتم نعمة الثورة علينا. سيخرج علينا الأدعياء من جديد، بعد النصر سيحاولون فتنتنا كما فتنوا من فُتن فينا من قبل، فلا تستمعوا إليهم، ولا تتفرقوا واعتصموا بحبل ثورتكم، ذلك الحبل الذى لم ينقطع أبدا. سيسمعونكم تحليلاتهم، سيسمعونكم منطقهم الذى بَلِىَ منذ زمن، فلا تطمئنوا إليهم. ضعاف النفوس كانوا، وضعافها سيستمرون، فآمنوا وانتظروا. ولا تفتنوا، لا تفتنوا، لا تفتنوا. إلى الإسلاميين: «وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون* فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون». أخبرناكم كثيرا، كتبنا لكم وفيكم العديد من المقالات، نحاول أن نخبركم أن نهاية طريق الباطل اقتربت، وأن النهاية ستكون سيئة، وأن الثمن الذى سيُدفع سيكون مهولا، أعدنا القول أكثر من مرة، لكنكم لا تسمعون، وإن سمعتم لا تعقلون. قتلتم كل شىء باقٍ لكم داخلنا، مع قتلكم الحسينى، لم يتبق لكم شىء لدينا، غير الشفقة على مشروع فاسد، صالح لديكم، استمر 85 عاما وانتهى بسبب غباء وتضخم ذواتكم. أحسِبتم أنها استقرت لكم؟ أم حسبتم أنكم انتصرتم؟ أم حسبتم أنها قد دانت لكم، وأنكم قد عُصمتم من موج الثورة، فاتخذتم المقطم مأوى لكم، فأحرقت الثورة مأواكم، ولم يعصمكم منها أحد. استهزأتم بثورتنا، استهزأتم بضعفنا، وغربتنا، فحاق بكم ما كنتم به تستهزئون. إلينا مرة أخيرة: كنا الغرباء حينما انتفض من حول ثورتنا الجمع، وظللنا غرباء حينما عادوا إلى ثورتنا مرة أخرى. لن يتغير من الأمر شىء. فسلاما على الغرباء. سلاما على عمر بائع البطاطا، على مينا دانيال، على مايكل، على الشيخ عماد عفت. سلاما على جيكا، الدائم الحاضر، مهما غاب. بقينا يا حسينى، بقينا يا جيكا، وزال من قتلكم. سلاما على كل من رفض المنطق، كل من حارب كل المعطيات، وقبِل بالعبث واستطاع أن يجاريه، وأن يصمد أمامه، وأن ينتصر فى النهاية. سلاما على كل من ألقى بتحليلات السياسيين عرض الحائط، ولم يلتفت إلى درجة علمهم، ومبلغ خبرتهم، وارتضى أن يسلك طريقا موسوما بالجنون كلُّ طرقاته، فسار ولم يخَف، ولم يتلفت خلفه باحثا عن مدد. فكان الجنون مددا. وكان العبث مددا. وانعدام المنطق الدائم، كان هو أكبر مدد.. كان ثورة من الرافضين للمنطق المفروض، فسقطت فرضياتهم ومنطقهم، وبقية ثورتنا. ثورة العبث. ثورة اللا منطق. ثورة الجنون، والمجانين. فالمجد للعابثين بكل الثوابت، مجاذيب الثورة المتخلين عن كل المفروضات. لنفرح قليلا، ولننتظر الآتى.