في صفقة غريبة اشترى أبو هشيمة، رجل الحديد في مصر، قناة "أون تي في".. مشهد مصور جمع بين أبو هشيمة والمهندس نجيب ساويرس أذاعته معظم المواقع الإلكترونية. طبقًا لتصريحات المهندس نجيب ساويرس في قناة "النهار" مع خالد صلاح، بأن قناة "أون" تخسر عشرة ملايين كل عام، بينما مشاركته في قناة "DW الأوروبية" تكسب. وكان تعليق ساويرس أن تورتة الإعلانات في أوروبا كبيرة، وتنال القنوات الإخبارية حصة معقولة منها ، بخلاف مصر، حيث حجم الإعلانات لا يغطي مصاريف القناة الضخمة. ولكن قناة "أون تي في"، كانت منصة هامة من بداية ثورة يناير، مرورا بيونيو وحتى الآن، فقد جمعت إعلاميين بارزين، كان لهم أدوار كبيرة من بداية الثورة، فلا ننس اللقاء الشهير بين يسري فودة وعلاء الأسواني والفريق شفيق، والذي أطاح بشفيق من على كرسي رئيس الوزراء وقتها بعد الثورة مباشرة، وكانت بها الإعلامية ريم ماجد، وشارك بعد يونيو إبراهيم عيسى. وجابر القرموطي يقدم نوعا مختلفا من الإعلام الإخباري، له قبول لدى جمهور كبير، وتلقى فيديوهاته نسبة تشيير عالية، بسبب غرابتها، وهي أقرب إلى فقرة تمثيلية مختلطة بالفقرة الإخبارية، ومن المؤكد يوسف الحسيني ببرنامجه الذي توقف وهو "السادة المحترمون"، وبالطبع الإعلامية القديرة ليليان داوود، بمهنيتها العالية، و"صباح أون" بفريقه المتميز والمتنوع، وقناة "الأخبار" التي تجمع عددا كبيرا من الإعلاميين المحترفين والمهنيين، وعمرو خفاجي وبرنامج "تلت التلاتة"، وهو يقدم وجبة إعلامية رصينة وهادئة بعيدا عن الصخب، ومهنية ومعلوماتية، من إعلامي مهني وسياسى وفاهم، وناصر القفاص وبرنامجه المميز عن البرلمان بخبرته الصحفية الكبيرة. قناة "أون تي في" حجزت موقعها على الشاشة، وتقدمت الصفوف لتحتل المرتبة الأولى في ترتيب القنوات على الريسيفر للمتابعين للأخبار، لأنها أيضا كانت مميزة في تغطياتها الإخبارية الحية من موقع الحدث. أديرت القناة بمساحة من الحرية عالية، واستطاع المهندس نجيب بممارسته للصحافة عن طريق شراكته في "المصري اليوم"، وفطن لفكرة فصل الإدارة عن الملكية، مع وضع سياسة تحريرية متفق عليها، مورست ضده ضغوط شديدة في فترة الإخوان، حتى إنه ادعى أنه باعها، أو بمعنى أصح باعها بشكل صوري، واستردها بعد الثلاثين من يونيو، ولكن هذه المرة يبدو أن البيع ليس صوريا، وقد صرح في الفترة الماضية بتصريحات، يفهم من خلالها أن الضغوط أصبحت فوق المعتاد، والتي على أثرها أطيح بالحسيني في مشهد غريب وغير مفهوم وغير موضح، فرغم تصريحات كثيرة عن إبعاد الحسيني، نفى الحسيني نفسه، ولكن كان الإبعاد هو الأصح، ويبدو أن الحسيني نفسه لم يعلم بالحقيقة التي عرفها الجميع، ما عدا هو. بعد أبو هشيمة لا ندري ماذا سيحدث: هل ستستمر ليليان داوود؟ هل سيستمر خالد تليمة في "صباح أون" وخاصة أنه من مؤيدي (تيران وصنافير مصرية)؟ أبو هشيمة يملك حزب مستقبل وطن، وهو محسوب على الدولة، اعترفت الدولة بذلك أم لم تعترف، مش مهم، اعترف الحزب بذلك أم لم يعترف مش مهم. ما علاقة الحديد بالسياسة؟ لا أدري، ففى النظام السابق كان أحمد عز والآن أبو هشيمة. ما علاقة الأسياخ بالسياسة؟ هل تمثل الأسياخ القضبان التي يقف وراءها الشباب المسجون؟ هل تمثل الأسياخ تهديدا لمن يعارض وتلويحا بأمور كثيرة؟ هل يشير الحديد إلى صلابة السياسة وخشونتها؟ زواج السلطة بالمال يبدو أنه مستمر، مع تغيير الأزواج، مع تغير الزوجة يتغير الزوج، هل ستتحول "أون تي في" إلى بوق للدولة؟ هل سيكون مؤشر المرور للمذيعين من خلال موافقتهم المبدئية على تيران سعودية؟ هل ستزداد الخطوط الحمراء؟ هل سينخفض سقف الحرية؟ هل سيمنع ضيوف بالاسم من المعارضين؟ هل ستوضع قائمة سوداء وقائمة بيضاء؟ هل سنرى مصطفى بكري وأسامة هيكل واللواء المقرحي ضيوفا، بدلا من علاء الأسواني وعمار علي حسن، والدكتور حازم حسني، هذا ما ستثبته الأيام القادمة. ذكّرني هذا بصفقة جريدة «الدستور» عندما تقدم لشرائها في أثناء النظام السابق السيد البدوي، على أن يبقى إبراهيم عيسى رئيسا للتحرير، ولكنه أطيح به لاحقا في لعبة مكشوفة، وقد سرّب إبراهيم عيسى سرًّا بعد الثورة بأن عمر سليمان قال له: «كنا ننتظر كل أربعاء لنشتري (الدستور) ونقول يا ترى إبراهيم عامل لنا مصيبة إيه النهارده». إلى أن فقد النظام القدرة على التحمل، فلجأ إلى إغلاقها مرة، وفي المرة الثانية لعب النظام لعبة جديدة وهي شرائها، ويبدو أن لعبة الضغوط مع نجيب، كان مردودها سلبيا والاستجابة كانت ضعيفة، فالحل هو البيع، فهل سيكون دور أبو هشيمة هو نفس الدور الذي لعبه السيد البدوي مع إبراهيم عيسى؟.. حنشوف. فالسياسة في مصر أصبحت لعبة مسلية، وخاصة عندما يظن النظام أنه أذكي إخواته، وكل ألاعيبه مكشوفة، أو بمعنى أصح عندما تكون قد قرأت الرواية وذاهبا لترى الفيلم، وتقيِّم قدرة المخرج على سبك الرواية. هل ما زال البعض يظن أن الزمن من الممكن أن يعود إلى الوراء؟ هل يظنون أن آلة الزمن هي آلة حقيقية وليست فانتازيا سينمائية؟ لكل زمن معادلاته، ولغته، ولغة هذا العصر ومعادلاته مختلفة، ومن لا يدرك ذلك، سيدركه بعد فوات الأوان.