"الإسراء والمعراج".. حدث ضخم من أحداث الدعوة الإسلامية، سبقته البعثة وجاء بعد الهجرة، ومن معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي أعجزت أعداء الله في كل وقت وكل حين. اختلف العلماء متى كان، فقيل إنَّها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ولم تعين السنة، وقيل إنَّها قبل الهجرة بسنة فتكون في ربيع الأول ولم تعين الليلة، وقيل قبل الهجرة ب16 شهرًا فتكون في ذي القعدة، وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بخمس، وقيل بست. ما أجمع عليه أئمة النقل أنَّ الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة، ويؤكد علماء المسلمين أنَّ هذه الرحلة تمت بالروح والجسد معًا وإلا لما حصل لها الإنكار المبالغ فيه من قبيلة قريش، وأنَّ هذه الرحلة تجاوزت حدود الزمان والمكان. "الإسراء" رحلة أرسل الله عز وجل بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على البراق مع جبريل ليلاً من بلده مكة "المسجد الحرام" إلى بيت المقدس في فلسطين، وهي رحلة استهجنت قبيلة قريش حدوثها لدرجة أنَّ بعضهم صار يصفق ويصفر مستهزئًا، ولكن النبي محمد أصرَّ على تأكيدها، وانتقل بعد ذلك من القدس في رحلة سماوية بصحبة جبريل على دابة تسمى "البراق"، وهي في التعبير الإسلامي عرج به إلى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى أي إلى أقصى مكان يمكن الوصول إليه في السماء وعاد بعد ذلك في نفس الليلة. يقول الله تعالى في سورة الإسراء "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". "الإسراء" هي تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تمَّ بقدرة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال. أمَّا "المعراج" فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثمَّ الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، فيقول تعالى في سورة النجم "وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18). وقيل إنَّ الحكمة في المعراج أنَّ الله تعالى أراد أن يشرف بأنوار محمد صلى الله عليه وسلم السماوات كما شرف ببركاته الأرضين فسرى به إلى المعراج. حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة، وكان زمنها قبل الهجرة بسنة، إلا أنَّه أثير حول الإسراء والمعراج جدل طويل وتساؤلات عدة، فيما إذا كانت قد تمَّت هذه الرحلة بالرُّوح والجسد، أم بالروح فقط؟ ومتى وكيف تمت؟ وعلى الرغم من أنَّ " الإسراء والمعراج" حدثا في نفس الليلة "ليلة السابع والعشرين من شهر رجب قبل الهجرة بعام واحد"، فإنَّ موضعي ورودهما في القرآن الكريم لم يترادفا، بل ذكر الإسراء أولاً "في سورة الإسراء"، وتأخَّر الحديث عن المعراج إلى "سورة النجم" التي وضعت بعد "سورة الإسراء" في ترتيب سور القرآن. قد تكون الحكمة في هذا هي جعل الإسراء "وهو الرحلة الأرضية" مقدمة للإخبار بالمعراج، وهي الرحلة العلوية التي ذهل الناس عندما أخبروا بها، فارتد عن الإسلام وقتها ضعاف الإيمان، بينما ظل على الإيمان أقوياؤه. الإسراء بالروح أم الجسد انقسم رأي العلماء والسلف إلى ثلاثة، فمنهم من يقول إنَّ الإسراء والمعراج كان بالروح، ومنهم من يقول كان بالجسد، ومنهم من يقول كان بالروح والجسد، وهذا ما ذهب إليه معظم السلف والمسلمين في اليقظة. الإسراء نصَّ عليه القرآن في "سورة الإسراء"، وجاءت أحاديث كثيرة تدل عليه، وقد ذكر الطبري وابن كثير والبغوي في تفاسيرهم كثيرًا منها، وذهب إلى القول بكونه أسري بجسده صلى الله عليه وسلم يقظةً "ليلة الإسراء"، وعرج به إلى السماء جمهور أهل العلم، ورجحه كثيرٌ من أعلام المفسرين وعلى رأسهم الطبري وابن العربي وابن كثير والبغوي والبيضاوي. ويكفي أنَّ الإسراء والمعراج كان بجسده الشريف لقوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى"، وقوله تعالى: "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى". الموضع الذي كان منه الإسراء موضع الإسراء محل خلاف بين العلماء، فمنهم من قال أسري به صلى الله عليه وسلم من بيته، وقيل من بيت "أم هانئ"، ومن هذين القولين: الحرم كله، والمراد بالمسجد الحرام في الآية هو المسجد نفسه، ودار أم هانئ بنت أبي طالب وأخت علي رضي الله عنه، تلك الدار التي أضيفت إلى مساحة المسجد وصار محلها عند باب الوداع، وتبعد 40 مترًا من الكعبة المشرفة. المعراج هذه الرحلة هي الصعود أو "آلة الصعود" من سطح الأرض إلى طبقات الجو العليا، إلى حيث الاختراق والنفاذ من أقطار الأرض وغيرها من الكواكب والنجوم، إلى حيث لا يعلم الإنسان حتى الآن. وبقراءة آيات المعراج الواردة في القرآن الكريم، وهي الآيات التي لم تذكر "المعراج" صراحة، بل يفهم منها: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10). وبعد أن تمت رحلة الإسراء والمعراج، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موطنه وبيته بمكة، حكى للناس ما حدث، وكان ضمن ما قاله إنَّ "براقًا" جاءه وأمر أن يركبه، وهذا البراق هو الوسيلة التي نقلته في رحلته الأرضية من مكة إلى القدس. وأفاد أهل الاختصاص في اللغة العربية بأنَّ البراق دابة أصغر من البغل وأكبر من الحمار، وقال بعض شراح أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إنَّ البراق مشتق من البريق، ولونه أبيض، أو هو من "البراق"، وسمي كذلك لشدة لمعانه وصفائه وتلألئه أو توهجه، وبالتالي فمن غير المستبعد أن يكون البراق هو البرق الذي حمل الرسول صلى الله عليه وسلم وسار بسرعة الضوء من مكة إلى القدس في الذهاب والإياب، وتبقى المعجزة في استعمال هذه الظاهرة الطبيعية كامنة في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم من آثارها المدمرة والوقاية من أضرارها.