لا تقول الأخبار والتقارير المنشورة عن التحقيقات التى أجريت حول بلاغ "خدش الحياء" الذى تقدم به مواطن شريف مرهف الحس ضد رواية الكاتب أحمد ناجى، كيف قرأ الفصل المنشور من الرواية فى صحيفة "أخبار الأدب". لا أقصد وضعية جلوسه أثناء القراءة مثلا، وإنما كيف وصلت "أخبار الأدب" ليديه أو الصفحات التى احتوت على الفصل "المثير" من الرواية. هل المواطن الشريف من عشاق "أخبار الأدب" المنتظمين فى شرائها، ويمكن اعتباره واحدا من عدد ليس كثيرًا يحرص أسبوعيا على اقتناء أعدادها الغارقة فى التخصص؟
حسنًا إذا كان قد ذهب بنفسه لبائع الصحف واشترى النسخة، فإما أن لديه معرفة متخصصة أو شبه متخصصة، أو ذائقة ما نحو المحتوى الذى تنشره الصحيفة، وبالتالى لا يكون المنشور أيًّا كانت درجة "سخونته" غريبا عليه، ويكون ادعاؤه بأن ما تم نشره خدش حياءه، مردود عليه باعتياده على تعاطى محتوى الصحيفة الأدبية، وسعيه بإرادته لاقتناء أعدادها. ربما لا يكون من متابعى الصحيفة إذن، فالحديث عن الأعراض التى أصابته نفسيا وجسديا من قراءة نص ناجى، تعنى أن حياءه شديد الحساسية ويتأثر سلبا بأى كلمة، لذلك قد يكون عدد الصحيفة هبط عليه من السماء، أو وضعه على ساقيه فى الأتوبيس بائع جائل كان يوزع نسخا مجانية من الصحيفة المتخصصة دعمًا للأدب، أو ترويجا لما فى الصحيفة من نصوص خادشة، أو اشترى طعاما من عربة فول، وبينما يفض الساندويتشات الملفوفة بورق جرائد وجد نص ناجى يخدش حياءه مباشرة وبتعمد واضح، حتى إن الأعراض النفسية والجسدية ظهرت عليه، وبدا للعامة فى الشارع حياؤه المخدوش ظاهرا تمامًا، حتى إنه وهو فى حالة الدوار الأولى والشعور بالغثيان والقرف والرغبة في القيء كان يثير تساؤلات المارة، لكن العارفين فى أمور هذه الأعراض كانوا يوضحون للناس أنهم أمام حالة خدش حياء مكتملة الأركان، دون سعى أو إرادة للمخدوش، لا فى الموافقة على الخدش، ولا حتى فى الاستمتاع به باعتباره أمرا واقعا. كل تلك احتمالات لا أعرف دقتها، وربما تجيب عنها التحقيقات التفصيلية، ونعرف، هل اشترى المواطن بنفسه نسخة "أخبار الأدب"، لأنه "متعود" على شرائها، فسعى بنفسه عامدا متعمدا لخدش حيائه بنفسه، مع علمه بحساسية حيائه الذى لا يتحمل الخدش أو المغامرة المحتملة بممارسات تحمل شبهات الخدش؟ أم هبط عليه نص ناجى فى الصحيفة كالقدر الذى لا راد له، فيصبح ضحية من ألقى الصحيفة فى طريقه؟ لا أعرف تفسيرا طبيا حتى الآن لما أصاب المواطن من قراءة نص أدبي "ساخن"، ولماذا تتباين ردود أفعال الناس فى التعاطى مع نصوص تحكى أستغفر الله العظيم عن رجل وامرأة والشيطان ثالثهما، دون أن تستتر بإظلام الصفحات كالأفلام القديمة، فيفهم القارئ أن شيئا جللا حدث لحظة الإظلام مع صوت ريح تعبث بالشبابيك، سوى أن الحياء أنواع، فيه التقليدى الجامد الذى يصمد أمام محاولات الخدش، ويباعد صاحبه بينه وبين أى مناخ أو مغامرات قد تسمح بخدشه قبل فوات الأوان، وفيه المطاطي الذى تعاطى مع مثل هذه النصوص باستمتاع فى السر ويبحث عنها، ثم يخرج فى العلن ليرثى الأخلاق، وفيه الحساس جدا الذى ينهار فورا. بحسب ما سجله المواطن فى تحقيقات النيابة، فربما يكون حياؤه من النوع الأخير الحساس جدا، فالأعراض النفسية والجسدية التى قال إنها أصابته فورا بمجرد أن قرأ النص، تقول ذلك، وربما إذا ثبت أنه كان يعرف طبيعة حيائه، وهناك أطباء مثلا سبق وحذروه من رهافة حيائه، لتأكد أنه صاحب الخطأ الرئيسى حين غامر بحيائه هذه المغامرة التى فعلت فيه هذا المُصاب الجلل. حياء المواطن كما نعرف مثل عود الكبريت، والقضية أكبر من طرح المثقفين الساذج عن حرية التعبير والإبداع، ولا عن طرح الرافضين لحبس ناجى من باب اتركوه مغمورا واتركوا "أخبار الأدب" محدودة التوزيع بدلا من هذه البروباجندا الدعائية، المسألة تتعلق بخدش حياء مواطن، طبيعة حيائه الحساسة جدا التى تنهار أمام أى نص مكتوب، لأنها تسمح لخياله هو وليس خيال الكاتب أن يطلق العنان فيحقق مزيدا من الاستباحة لهذا الحياء، وهى قضية فى مجتمعاتنا تستحق أن يراق لأجلها الدم، لكن الرجل المرهف اكتفى أن قضى سهرة فى البيت يكتب عريضة بلاغ، ربما كان يشاهد وقتها برنامج "توك شو" شهير يعرض مشاهدا مصورة من حياة خاصة لرجل شهير، ثم خرج فى الصباح فسمع مواطنين يتبادلون التحيات الصباحية عبر ذكر مكثف للأعضاء التناسلية لأمهاتهم لا تتعجب هناك حياءات لا تخدشها إلا الكلمة المكتوبة- ثم اختار بقصد نيابة بعينها -ليست النيابة التابع لها منزله- وإنما التى قال إن واقعة خدش الحياء بتداعياتها حدثت فى نطاقها، ليجد فى النيابة من يتبنى حق حيائه المهدر، ويُصر على عقاب الجانى الخادش الأثيم. هنا لا بد أن يكون هناك دور لوزارة الشؤون الاجتماعية، فإذا كان ناجى قد نال جزاءه وقد يقضى عامين فى الحبس، بالشكل الذى يردعه عن خدش حياء آخرين، لكن ماذا عن ضحاياه السابقين؟ هل ستتركهم الدولة هكذا دون احتواء وتأهيل؟ هل سيتركهم الإعلام يُعيرون فى مناطقهم باعتبارهم "مخدوشين"؟ هل "اللى انخدش.. ممكن يتصلح" بحبس ناجى فقط؟ أم أن البرلمان والمجتمع المدنى والحكومة مطلوب منهم وضع اليد فى يد القضاء للبحث عن حلول "لترقيع" كل حياء مخدوش، حتى يستطيع صاحبه أن يمارس حياته فى المجتمع من جديد دون مزيد من الخسائر؟!