لم تترك مها مكاوي، زوجة الناشط السياسي أشرف شحاتة، المختفي قسريًا منذ 13 يناير 2014، بابًا إلا وطرقته، بدءًا من أقسام الشرطة مرورًا بالمستشفيات وساحات القضاء ومراكز حقوق الإنسان، وصولاً إلى السجون؛ بحثًا عن زوجها، وآملا في معرفة مكان تواجده. بذلت الزوجة قصارى جهدها، محاولة الخروج من شبح الكابوس الذي تعيش بداخله، بعد أن خرج زوجها في صباح ذلك اليوم، لمباشرة عمله في المدرسة التي يمتلكها بطريق كرداسة، ولم يعد. وبعد محاولات عديدة من البحث والاستفسار قرابة عامين، باءت جميعها بالفشل، تنفست "مها مكاوي" الصعداء، أمس الأحد، بعد أن ظهر اسم زوجها داخل سجن الزقازيق، وفقًا للحصر الذي نشره المجلس القومي لحقوق الإنسان بالحالات الواردة إليه من وزارة الداخلية، والذي بلغ عددهم 121. وتضمن الحصر أماكن حبس 99 متهمًا على ذمة قضايا مختلفة في السجون وأقسام الشرطة، و15 حالة تم إخلاء سبيلهم، و3 هاربين على ذمة قضايا، وحالة هروب من أسرتها، و3 حالات تعرف المجلس على مصيرهم من خلال ذويهم، ولم يتلقوا ردًا من الداخلية عليهم. رحلة البحث عن شحاتة - محامي حر- بدأت منذ لحظة اختفائه، حيث تقدمت مها مكاوي، أحد الأعضاء المؤسسين بحزب الدستور، في اليوم التالي، ببلاغ لمركز شرطة كرداسة بالجيزة، يحمل رقم 115 إداري جيزة، باختفاء زوجها، ومنذ تلك اللحظة، تعيش أسرة شحاتة حياة بائسة حيث يقطنون بشقة بالهرم، لا يهنأون بالطعام والشراب طوال عامين من اختفاء رب الأسرة. لم تتوقف بلاغات الزوجة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، وآخرى للنائب العام، وطلبات لنقابة المحامين؛ للكشف عن مكان زوجها، فضلًا عن خطابات للوزراء ولرئيس الحكومة السابق حازم الببلاوي، ليأتي الرد بالتجاهل تارة، وتارة أخرى: "لانعرف شيئًا ومش موجود عندنا". مناشدات واستغاثات أطلقتها "مها" طوال العامين الماضيين، وصلت أقصاها لرئيس الدولة، حينما ناشدته في أكثر من وسيلة إعلامية قائلة «بطالب رئيس الجمهورية، ووزير الداخلية بالكشف عن مكان أشرف، وبتمنى مقابلتهم، يمكن أعرف ليه مختفي وولاده محرومين منه؟ بيتقال لنا (أشرف شحاتة خط أحمر)، ليه؟ إيه جريمته؟ قلبي بيقولي إنه بخير»، وكالعادة لا يسمع صدى رسائلها أحد، لترتطم كلماتها بعرض الحائط دون جدوى. ولجأت الزوجة إلى أكثر من وسيلة إعلامية؛ لإنقاذ زوجها، مؤكدة أن زوجها اختفى يوم إجازة مولد النبي، أثناء تواجده في المدرسة مع بعض الأشخاص؛ لإنهاء أمور متعلقة بالتراخيص. حزب الدستور، الذى ينتمي إليه شحاتة، حاول تصعيد الموقف بتحميل وزارة الداخلية المسؤولية عن اختفاء أشرف قسريًا، مؤكدًا فى بيان رسمي له، أن هذا الفعل يعد جريمة معادية للإنسانية، ومخالفة للدستور والقوانين والمعاهدات الدولية، ولا يمكن أن تسقط بالتقادم، وسيظل مرتكبها عُرضة للملاحقة القانونية مهما طال الزمن أو قصر، محذرًا وزارة الداخلية من الاستمرار في عدم الإفصاح عن مكانه أو إطلاق سراحه. وذكر الحزب في بيانه: "حينما تضيق السبل، ويزداد الظلم الواقع على شخص ما، لا يمكن قياس ردة فعله، والتي بالطبع ستكون في اتجاه عكسي لمن يقومون بارتكاب هذا الفعل". وأشار الحزب إلى أن الاستمرار في الدفاع عن أشرف شحاتة ليس من منطلق سياسي فقط، كونه أحد أعضاء الحزب، لكن لمنظور إنساني شامل لكل من يقع عليه مثل تلك الممارسات، فزوجته مكلومة وأبناؤه في ربيع عمرهم، يعيشون أوقات عصيبة، لا يتحملها أي فرد مهما كانت قدراته. وطالب الحزب الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل لكشف مكان أشرف شحاتة، بقوله: "لا يمكن أن يكون محتوى حديثكم بشكل مستمر هو رفع الظلم، ومواجهة الأفعال الخارجة عن القانون، وقضية مثل أشرف وغيره الكثير، لا تزال معلقة رغم كم المناشدات التي تمت من قبل، فأي عدل ذلك الذي تتحدثون عنه؟!. وأضاف الحزب، موجهًا حديثه لوزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، أن مثل تلك الممارسات كانت سببًا رئيسيًا لاشتعال الغضب الشعبي، وتحرك الجماهير الغفيرة في ثورة 25 يناير، فلماذا الإصرار على فعل لا يزيد من الأمر إلا احتقانًا؟". وقرر حزب الدستور، تدشين حملة موسعة لجمع توقيعات من قياداته وأعضائه، وإضافة إلى قيادات تحالف التيار الديمقراطي، الذي يضم "الدستور- التحالف الشعبي- التيار الشعبي - مصر الحرية - الكرامة"؛ لمطالبة رئيس الجمهورية بالتدخل والكشف عن مكان أشرف شحاتة. حالة أشرف ليست الوحيدة، فطبقًا لتقرير حملة "الحرية للجدعان"، وصلت حالات الاختفاء في الفترة من أبريل الماضي وحتى الأسبوع الأول من يونيو 2015، 163 حالة من بينهم حالتا وفاة. لم تتوقف حملات رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ أملاً في إعادة الأب لأبنائه عمر الطالب في الجامعة الأمريكية وعلي ومها الطالبين بالمرحلة الإعدادية، حيث دشنت زوجته "هاشتاج" تحت عنوان "أشرف شحاته فين؟". وجاء إعلان اسم أشرف شحاتة ضمن المحتجزين بسجن الزقازيق، بمثابة بارقة أمل لزوجته؛ أملاً في عودته لأسرته من جديد، مستعيدة روحها التي كادت أن تفقدها. ولكن حتى اللحظة الراهنة، لا يعلم أحد مصير أشرف شحاتة، وما إذا كانت ستسمح الداخلية بعودة الأب لأحضان زوجته وأبنائه من جديد؟.