يزِنّ ويرنّ فى أذنى سؤال افتراضى لم أعد أحتمل طنينه: ماذا لو لم يقم الرئيس الراحل أنور السادات صاحب الدهاء السياسى بتسليم الولاياتالمتحدةالأمريكية مفاتيح الصراع فى الشرق الأوسط؟ هل كانت أمريكا ستستطيع الوقوف بجانب الإخوان حتى تزفّهم على أعتاب قصر الحكم؟ وكما يلحّ السؤال تلحّ الإجابة بأن أكبر خطأ وقع فيه الرئيس أنور السادات هو أنه سلّم مصر لأمريكا تسليم مفتاح، سواء من خلال البنود الخاصة بالمعونة العسكرية الخاصة بتدريب وتسليح الجيش فى معاهدة السلام مع إسرئيل، أو بعد ذلك مع رحلة الشقاء والذل فى صندوق النقد الدولى على أيدى خلفه مبارك الذى سار على الدرب بامتياز وجدارة حتى سلمنا هو الآخر للإخوان المسلمين الذين حسّنوا وجوّدوا لإثبات حسن الولاء لمن أتى بهم. لماذا ينبغى دائما أن يكون لنا كفيل أجنبى يفكر معنا ويدبِّر لنا ويدرِّبنا ويسلِّحنا ثم يقرِّر هو فى الغالب ونعلن نحن القرار فقط؟ هل ما زال يخفى على أحد أن إسرائيل هى أهم صفحة فى الكتاب الأمريكى، وأن الترتيبات الأمنية الأمريكية بالمنطقة تضع تل أبيب على قمة الأولويات، وأن كل الحلفاء فى المنطقة يتغيرون لكن الحليف الإسرائيلى راسخ فى موقعه؟! ألا يعلم من يحكمون أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تحتفظ بحليف منذ شاه إيران مرورا بصدام حسين ثم مبارك وغيرهم؟! إن الغارتين الأخيرتين على سوريا أكدتا نجاح الولاياتالمتحدة فى تحقيق ما خططت له من وضع نظام أمنى إقليمى لمنطقة الشرق الأوسط تكون فيه الشرطى المنظم لحركته، وأهم ملامحه عدم انتقاد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الخاصة والاستراتيجية، وأن تغضّ كل الدول المحيطة بإسرائيل الطرف عما تفعله. ألا يعى الساسة العرب حتى الآن أن غياب الأمن والانهيارَ الاقتصادى مقصودان لتبرير الهيمنة؟! ألا يعرف الحكام أن أمريكا اعترفت صراحة وبلا مواربة إبان غزوها العراق بأنها ستنفرد وحدها بحكم وإدارة العراق وأن كعكة الإعمار والبترول -ما عدا الفتات- ستكون لها وحدها، وأن المخطط أكبر بكثير من العراق وسيشمل العالم كله؟! يشير إلى ذلك المرحوم المشير أبو غزالة وزير الدفاع الأسبق فى كتابه «الولاياتالمتحدة، العراق، والدمار الشامل»، ويذكر أن الاختيار فى الهدف التالى بعد العراق سيكون بين سوريا وإيران، وربما تفلت إيران من هذا الاستهداف لأن هناك تقارير تؤكد أنها تطور أسلحتها النووية»، وقد نفذت تهديدها لسوريا، ولكن النهاية هذه المرة ستكون بأيدى أبنائها. نعيد ونزيد فى الموال بأن «المتغطى بأمريكا عريان»، ولكن من يسمع ومن يفهم ومن يعقل؟ إذن ارجعوا إلى باكستان حليفة أمريكا عندما أرسلت بناظير بوتو قبل شهرين من اغتيالها عام 2008 تطلب النجدة من أمريكا وتأمينها لأنها تخشى اغتيالها، وهذا ما كشفته وثائق «ويكيليكس»، ولكن أمريكا تجاهلت الطلب وحدث ما حدث من اغتيال بوتو بعدها بشهرين». ضحكت حتى البكاء، لأنى تذكرت الديمقرطية التى ينعم بها إخواننا فى العراق، عندما قرأت ما قاله تشاك هاجل وزير الدفاع الأمريكى، من أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستعمل على الترويج للإصلاح الديمقراطى رغم إدراكها لحدود قوتها، مشيرا إلى «التحديات التى تواجهها المنطقة من تحدٍّ نووى إيرانى، وانعدام للاستقرار فى سوريا والتهديدات التى تأتى من تنظيم القاعدة، مما يوجب المواجهة بتحالفات الدول ذات المصالح المشتركة بما فيها إسرائيل»، وسلِّم لى بشدة على المصالح المشتركة. بلغ التدخل فى الشأن المصرى ذروته حينما تَباهَت جريدة «الواشنطن بوست» بالضغوط التى مارستها الإدارة الأمريكية على المجلس العسكرى لإعلان فوز مرشح الإخوان المسلمين بالرئاسة فى افتتاحيتها فى 25 يونيو الماضى، وكتب أحد كتابهم المشاهير فى ديسمبر الماضى «لنكُن أمناءَ، لقد كانت إدراة أوباما هى من مكَّن لمرسى بشكل أساسى»، وفى نادى «روتارى الإسكندرية» مطلع هذا الشهر أرادت آن باترسون السفيرة الأمريكية توصيل رسالة ضمنية إلى الجيش قالت فيها: «إن التدخل العسكرى ليس الحل كما يدَّعى البعض، والجيش والشعب لن يقبلا بذلك كنتيجة، وإن عودة الجيش للسياسة لن يكون مرحبا بها فى واشنطن». خلاصة القول للشباب لا الحكام، لأنهم تلهيهم الكراسى، أما الشباب فصامد حر يريد العزة والكرامة لوطنه، يكافح ليحكم مصر من لا يسلم قيادها لأى قوة مهما كانت، فأمريكا تفرق بيننا وتستعملنا فى حروب بعضنا ضد بعض لتحقيق مصالحها فى المنطقة. أردد من شعر شوقى: يا رب أمرك فى الممالك نافذٌ/ والحكم حكمك فى الدم المسفوكِ إن شئتَ أهرِقْهُ وإن شئت احْمِهِ/ هو لم يكن لسواك بالمملوك