ما بعد مشرف احتمالات المشهد الباكستاني نصوح المجالي تبدو الفرصة مهيأة لخصوم الرئيس الباكستاني المستقيل مشرف لالتقاط انفاسهم، واعادة حساباتهم، فالائتلاف الحاكم في باكستان بين حزب الشعب وحزب الرابطة الاسلامية، كان موضوعه مواجهة الرئيس مشرف وانهاء عهده، اما بعد هذه المرحلة فهناك احتمال العودة للتنافس والصراع المكشوف على مكاسب السلطة. فالتحالف الثأري الذي اطاح بمشرف يخفي وراءه مرارات وثارات سياسية عميقة، بين حزب الشعب الذي فقد قيادته الحقيقية، عند اغتيال بناظير بوتو، وبين حزب الرابطة الاسلامية الذي قام زعيمه نواز شريف ابان حكمه بسجن آصف سرداري زوج بناظير بوتو وزعيم حزب الشعب الحالي عدة سنوات بتهمة الفساد كما قام بنفي بناظير بوتو لخارج باكستان. تبدو اللحظة مناسبة لنواز شريف الذي اطيح به عام 1999 بانقلاب قاده رئيس اركان مشرف انذاك، للعودة القوية للحكم وربما الوصول الى رئاسة البلاد. لكن هذا الامر مرهون بقرار جماعي غير سهل يتخذ على صعيد الجمعية العامة ومجلس الشيوخ وبرلمانات الاقاليم الاربعة في باكستان، البنجاب والسند والحدود وبلوشستان، وقد يكون من المصلحة اختيار رئيس حيادي في المرحلة المقبلة وتقليص صلاحيات الرئاسة لصالح رئاسة الوزراء. من السهل القول ان الائتلاف الحاكم في باكستان اطاح بالرئيس مشرف، ولكن نهاية مشرف حكمها ايضاً متغيرات ومواقف وضغوط اميركية متوالية اضعفت موقف مشرف في الساحة الباكستانية فضلاً عن اضطرار مشرف للرضوخ لمتطلبات السياسة الاميركية، للحفاظ على سلامة الباكستان وعدم عزلها دولياً، وخاصة في مسألة التخلي عن طالبان اثر احداث الحادي عشر من سبتمبر وانتهاج مشرف سياسة حازمة لمحاربة الارهاب والتصدي للجماعات الاسلامية المتطرفة، وفق ما تراه الولاياتالمتحدة. لقد خلق هذا الخيار لمشرف اعداء شرسين في الساحة الباكستانية كما اتسم عهده بالعنف الدموي بدءاً من القتال في مناطق القبائل الحدودية الذي استهدف قوى اسلامية الى مجزرة الجامع الاحمر، والتفجيرات الانتحارية المتوالية في شوارع مدن باكستان الى اغتيال بناظير بوتو، لو لم يستجب بوتو للضغوط الاميركية بعد الحادي عشر من سبتمبر لوضع باكستان في مواجهة الولاياتالمتحدة، بدل ان تكون معيناً له في صراعه مع الهند. والمحطة الثانية التي وضعت اول مسمار في نعش حكم مشرف هي تخليه بضغوط اميركية عن عدة خيارات مهمة اتخذها مشرف، اولها التخلي عن منصب رئيس الاركان والاكتفاء بالرئاسة، والثاني التباس دوره في مقتل بناظير بوتو وتردده في قبولها كشريك في الحكم، فقد ضغطت الولاياتالمتحدة لاعادة بوتو للواجهة السياسية لتعزيز الحكم المدني الديمقراطي في عهد الرئيس مشرف لكن الامور سارت باتجاه دموي، جعل حزب الشعب الباكستاني يقف في صف اعداء مشرف. اضافة الى الضغوط التي وجهتها واشنطن لمشرف لانهاء حالة الطوارئ التي اعلنها بعد مقتل بناظير بوتو قبيل الانتخابات الباكستانية والضغط لاجراء الانتخابات في موعدها، كل هذه العوامل شكلت تداعيات في الموقف الاميركي تجاه مشرف وتراجعاً عن الدعم المطلق له وعداً تنازلياً في السياسة الاميركية لانهاء مشرف واختيار بديل له من القوى المدنية في باكستان، فللسياسة الاميركية سياسات ومصالح استراتيجية وادوات لتنفيذها، ويمكن استبدال الادوات اذا تحولت الى عبء على مصالحها الاستراتيجية لما هو الحال مع مشرف، وكما حدث من قبل مع شاه ايران، فلم يكن الانحياز لحكم العسكر في باكستان يستقيم مع دعوة واشنطن لتدعيم الخيار الديمقراطي في باكستان. والسؤال الاهم، كيف سيتصرف الحكم المدني القادم في باكستان ازاء الاهداف الاستراتيجية الثابتة للولايات المتحدة في باكستان، مع الاخذ بالاعتبار ان لا غنى لباكستان عن دعم واشنطن. والى أي مدى ستتغير سياسات باكستان تجاه ما تراه واشنطن ضرورياً، وبخاصة تجاه احكام الرقابة على سلاح باكستان النووي ومحاربة الارهاب، التي تعني حكماً محاربة قوى اسلامية شديدة البأس على الساحة الباكستانية وتطبيع العلاقات مع الهند بالطرق السلمية. الاختلاف الوحيد المحتمل ان تقلل واشنطن من التدخل المباشر في الشؤون الداخلية في الباكستان، وان تبقى على نفس المسافة من الاحزاب الباكستانية المتصارعة على الحكم في باكستان بدون تدخل فج لصالح طرف ضد الاخر وبدون فرض توجهات محددة ومثيرة تجاه بعض القضايا الداخلية، كما حدث عندما فرض مشرف سياسة حازمة تجاه المدارس الدينية في الباكستان. قد يجد الحكم الجديد نفسه، على خطى مشرف في كثير مما كان موضع انتقاد وهجوم على عهد مشرف، وقد تشهد الساحة الباكستانية صراعات سياسية حادة تعيد باكستان للازمات الداخلية. تبقى المعضلة الاساسية، كيف ستواجه باكستان قضيتين مهمتين، الاولى الحرب على الارهاب واثارها والتي ادت الى اقتتال مستمر بين الجيش وقوى قبيلة حدودية ما زالت على موقفها، واثارة قوى اسلامية ضد الحكم في باكستان وكيف ستعالج الحكومة المدنية الجديدة الاقتصاد الباكستاني الذي يعاني من مشكلات كبيرة وبطالة مستحكمة، وتراجع مستمر بسبب عدم الاستقرار الامني والسياسي. فالفشل في معالجة هذه الملفات، اذا اقترن بصراع سياسي يزيد من الفوضى الحاصلة في باكستان، قد ينذر بعودة العسكر مرة اخرى للواجهة، اذا غرقت القوى الحزبية في باكستان في خلافاتها وعجزت عن معالجة الملفات الساخنة المهمة. عن صحيفة الرأي الاردنية 21/8/2008