لم تكد تنهض السياحة في مصر، من جديد، حتى أصيبت بعدة كبوات، بعد أن اجتاحتها موجة من الضربات العنيفة، تمثلت في عدد من الحوداث الإرهابية المتتالية، التي خلفت تأثيرًا سيئًا في أغلب القطاعات السياحية، مما أدى إلى أزمة اقتصادية يعايشها كل من يعملون بالمجال، من الحرفيين وصولًا إلى أصحاب الشركات السياحية. حادثة "الواحات" التي راح ضحيتها عدد من القتلى المكسيكين في 13 سبتمبر الماضي، مثلت بداية نذير الشؤم، للعاملين بالقطاع السياحي، فشهدت السياحة بعدها تراجعًا في معدلاتها، حتى جاء حادث الطائرة الروسية في سيناء، كسقوط للسياحة في مصر، مسببًا أزمة كبيرة، خاصة بعد إجلاء بعض الدول الأجنبية رعاياها في مصر، ومنع الرحلات القادمة إليها. الأحداث الأخيرة التي رافقها تراجع في أعداد السياح، سببت انخفاض في العائد المادي للعاملين في القطاع السياحي، مما نتج عنها ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، فالاعتماد على السياحة الداخلية غير مجدي ماديًا، بسبب اعتمادها على العملات المحلية، لتصبح أي محاولة لتعويض السياحة الخارجية، بالداخلية ذات نتيجة غير مربحة. حرفيو وبائعو "خان الخليلي": تعبنا من القعدة من غير شغل "خان الخليلي" كان دائمًا الجاذب الأبرز للسياح الأجانب في مصر، فظل على الدوام المقصد الأول لهم، ممثلين بذلك مصدر الدخل الرئيسي لباعة وحرفي الشارع وأصحاب المحلات التجارية به، إلا أنه عند تجولك داخل أزقته الآن، لا تجد أي مظهر من مظاهر السياحة، فلا وجود لمشترين أو سياح، وكأن الشارع فقد جزء من روحه، كما أِشار قاطنيه. "هي فين السياحة دي؟" هكذا بدأ البائع الأربعيني سعد محمد حديثه متعجبًا من الحال الذي وصلوا إليه، فيحكى أنه كان يبيع أكثر من ضعف ما يقوم ببيعه الآن، قائلًا: "أصلًا مفيش بيع من الأساس" ويحكي "سعد" أنه منذ وقت تحطم الطائرة الروسية انخفض عدد السياح في المنطقة بشكل ملحوظ، فلا وجود لأي سائح أوروبي إلا نادرًا، "فمنذ وقوع الحوادث الأخيرة والسوق ضاع في مصر" يقولها بحسرة، وفقًا لتعبيره. تأثير ما حدث على السياحة لم يقتصر عند محمد حافظ صاحب محل أنتيكات، على الفترة الأخيرة فقط، بل كما يروي فإن الحال كما هو عليه منذ فترة ما بعد ثورة 25 يناير، حيث شهدت مصر انخفاضًا ملحوظًا في أعداد السياح، مضيفًا "مبقاش في مستهلك للحاجة والبضاعة زي ماهي" "أنا مابعملش حاجة طول اليوم غير إني أِشيل التراب من على البضاعة إللي ماحدش بيشتريها" هكذا يقول محمد عن تأثير قلة السياح من زبائنه، متذكرًا كيف كان الشارع مزدحمًا في الماضي لا يخلو من الأجانب، "ماكنتش تلاحق عليهم من كترهم". بصيص من الأمل تمثل لبائعي الشارع وحرفيه، عند عودة السياحة إلى رواجها مرة أخرى، هذا العام، إلا أن الإرهاب اقتنص منهم الفرحة سريعًا، فالحال عاد أسوأ من قبل، فاقتصار جنسيات السائحين المتواجدين على دول شرق آسيا لا يُدخِّل أي ربح على أصحاب الشارع كما يحكون، فيقول جمال علي صاحب بزار سياحي: إن "الزيون يريد أن يأخد البضاعة بأقل من ربع ثمنها، مما لا يعود عليه بأي ربح". ويحكي "جمال" أنه يضطر أحيانًا إلى بيع بضاعته بنفس سعر الجملة، فيقول " كدا أنا مابكسبش أي حاجة، مضيفًا أن أغلب المحلات في المنطقة "مديونة" بسبب فواتير الكهرباء غير المدفوعة، وغيرها من احتياجات المحل. واضطر أصحاب بعض المحلات إلى تسريح العمالة بسبب عدم قدرتهم على دفع مرتباتهم، كما يحكى سليمان محمد، فيقول: "أنا مش لاقي مكسب لنفسي، هدفع أزاي لحد"، مضيفًا أن ذلك تسبب في البطالة للكثيرين، وزيادة أعداد العاطلين عن العمل. "إحنا دايمًا بنضطر ندفع ثمن أخطاء غيرنا، يعني غيرنا يقصر في شغله وإحنا إللي نشوف كل الضرر" هكذا يقول حسن السيوفي الذي اضطر إلى بيع سيارته وشقته، بسبب قلة حركة البيع والشراء في محله، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، ليختم حديثه قائلاً: "إحنا تعبنا من القعدة ووقف الحال". "مرشدو السياحة، وشركات الرحلات والطيران، والفنادق والمطاعم" أكثر المتضررين من الركود السياحي تعاني أغلب المناطق السياحية في مصر من انحسار سياحي، دفع أغلب العاملين بها إلى ترك المهنة، خاصة المرشدين السياحيين، ممن يعانون أكثر من غيرهم بسبب عدم وجود مهنة أخرى لكسب الرزق غيرها، ومع انخفاض أعداد السائحين، جلس أغلب مرشديهم في المنزل. محمد سليمان يعمل في مهنة الإرشاد السياحي منذ 15 عامًا، يحكي أنه منذ ما بعد ثورة 25 يناير، لم تعاني السياحة حالة ركود مثل الآن. "مرتباتنا اتخفضت للنص" هكذا يقول محمد عن اضطرار الشركات التي يعملون بها إلى تخفيض مرتباتهم، بسبب وجود عائد مادي يغطي مرتبات الموظفين. ويضيف "محمد" أن بعد حادثة الواحات، عانوا من انخفاض أعداد الأفواج السياحية الأجنبية، حتي كادت أن تختفي مع حادثة الطائرة الروسية، فيقول: إنه "رغم تقديم شركات السياحة عروض مغرية للسياح، إلا أن أعداد قليلة منهم تأتي، أغلبهم من السياح الصينيين". أما "علي الصالح" فبعد عمله كمرشد سياحي لفترة طويلة، قرر ترك المهنة، والبحث عن عمل آخر، يضمن له معيشة جيدة، وقال: "المهن بتاعتنا مفيهاش استقرار، أي حاجة تحصل ممكن تخليك من غير شغل وفي الشارع". لم يعانِ المرشدون السياحيون وحدهم، من الحالة التي وصلت إليها السياحة، فأصحاب الفنادق والمطاعم في المناطق السياحية، كان لهم نصيب كبير من الخسارة. تحكي "سلوي عطية مديرة أحد الفنادق السياحية" في الغردقة، أن اعتمادهم أصبح بشكل أكبر على السياحة الداخلية، والتي تتكفل بتغطية رواتب الموظفين، أما المكاسب التي تعود عليهم، قليلة جدًا مقارنة بالعائد المادي الناتج عن وجود سائحين أجانب. وتأمل "سلوي" رغم ذلك في عودة السياحة مرة أخرى إلى قوتها، قائلة: "حالة الركود بعد الثورة قدرنا نتخطاها، مش معقول مش هنقدر نعدي الفترة دي كمان". نفس الحال أصاب أصحاب المطاعم التي كانت تعتمد بشكل كلي على السائحين، فيقول وليد محمود: إنه "تعود على التعامل مع الأمر"، مضيفًا "بعمل حساب الأيام دي لأني عارف إنها هتيجي"، موضحًا أنه يعمل على تقليل إنتاجه في هذه الفترات، بما يتناسب مع حجم زبائنه. وتابع "محمد" أنه على ثقة بمرور هذه المرحلة سريعًا، وعودة السياح إلى مصر، حبًا بها وبشعبها. انخفاض ملحوظ في عدد الحجوزات والرحلات السياحية، شهدته الشركات أيضًا، لكونها من أكثر الفئات ارتباطًا بالضرر اللاحق بالسياحة، وبانخفاض معدلات وفود السياح القادمة إلى مصر، فيقول محمد عبد العليم صاحب شركة سياحية في شرم الشيخ: إن "نسبة الحجوزات قلت بشكل ملحوظ، بالنسبة لدول أوروبا، خاصة في الشهر الأخير، ليظل اعتمادهم بشكل أساسي على دول أفريقيا وشرق أسيا"، مضيفًا أن رحلات السياحة الداخلية رغم انتعاشها بشكل كبير هذه الأيام، إلا أنها لا تعوض الخسارة الناتجة عن فقدان أهم مصدر دخل لهم ممثلاً في السياحة الخارجية. الأمر ينطبق أيضًا على عادل حنفى صاحب شركة سفاري و"دايفينج"، والذي قلَّ مصدر دخله بشكل ملحوظ، مع ما حدث، فيقول: إنه "رغم تقديمه عروض كثيرة وتخفيضات، إلا أن الحال كما هو عليه، فخسارتهم تزيد يومًا بعد يوم". "مؤجري الخيول والجمال" يحاصرهم الأمن قبل ركود الاقتصاد بعربة يجرها الخيل، يقضون أغلب يومهم، غير مبالين بأشعة الشمس فوق رؤوسهم، في انتظار مرور سائح يستأجر العربة لدخول الأهرامات، والذي أصبح عدم وجوده بمثابة قطع رزق لهم. مؤجرو الجمال والخيول أكثر من يعانون من ضعف السياحة، بسبب اعتمادهم على "يومية" وليس دخلًا ثابتًا كل شهر، تلك اليومية التي أوشكت على الانقطاع، بسبب قلة وفود السائحين الأجانب في منطقة الهرم". "مفيش أي أجانب زي مانتوا شايفين كلهم مصريين".. هكذا قال أحد أصحاب عربات "الكرتة" عند مدخل الهرم، مضيفًا أن مكسبهم لا يكفي قوت يومهم، (يدوب اللي جاي علي قد أكل الحصان). ورغم معاناة مؤجرى الخيل، إلا أنهم أظهروا تخوفهم من إبداء آرائهم حول مايحدث، مفضلين الصمت عند سؤالهم، قلقًا من أي ضرر قد يلحق بهم، من قبل أفراد الأمن المنتشرين في المكان. وبسؤال أحد أفراد شرطة السياحة في منطقة الهرم، حول إمكانية التصوير في المكان، والتحدث مع أصحاب الجمال والخيول، أبدى اعتراضه، مبررًا ذلك بأن الإعلام لا يظهر غير السلبيات، وهو ما لا يريد أن ترصده الكاميرا. أحد مفتشي الأثار في المنطقة رفض ذكر أسمه، قال: إن "البيروقراطية التي يتعامل بها المسؤولون في المكان، هي ما أوصلته إلى هذا الحال، من تردي حال السياحة، وأحوال العاملين بها". شعبة السياحة والطيران: يوجد ما يقرب من 65 مهنة مرتبطة بالسياحة بشكل غير مباشر قال عماري عبد العظيم رئيس شعبة السياحة والطيران في اتحاد الغرف التجارية: إن "هناك ما يقرب من 65 مهنة مرتبطة بالقطاع السياحي، بشكل غير مباشر، تتأثر بالتبعية مع الركود السياحي، بداية من بائع الورد وحتى سائق التاكسي، وغيرها من الحرف المنتشرة في المناطق السياحية، مما أدى إلى حدوث حالة ركود اقتصادي، مضيفًا أن أكثر الفئات المتأثرة هي فئة المرشدين السياحيين. وأشار "عماري" أيضًا إلى أن نسبة السياح انخفضت بعد الأحداث الأخيرة بشكل ملحوظ، وهو ما يحاولون تعويضه، بإقامة عدة فعاليات ومعارض واحتفالات تعمل على تنشيط السياحة، ومحاولة إنعاشها من جديد. أما محمد القطان رئيس غرفة العاديات والسلع السياحية، فقال: إن "أكثر المهن تأثرًا بالسياحة هي الحرف اليدوية، التي يعتمد أصحابها بشكل أساسي على السياحة الخارجية، فالحرف كالأرابيسك والنحاس والزجاج المعشق والجلد، أغلب زبائنه من الأجانب". وأضاف "القطان" أن تلك المهن قاربت على الاندثار، مع انخفاض معدلات السياحة بشكل كبير، فلا يوجد لها زبون مصري إلا نادرًا، بسبب تفضيلهم المنتجات المستوردة. ويرى أن الحل لمعالجة تلك الأزمة، هو الترويج للسلع والمتجات الحرفية المصرية، عبر وسائل الإعلام، لتشجيعها داخل السوق المصرى، بشكل أكبر، عن طريق بث حملات إعلانية مختلفة تروج لها. * Panorama-5 * 27_Karkur_Talh[1] * TheTown-4 * Panorama-4 * Beaches-4 * Ocean-View-4 * Panorama-1 * 81396982 * 38_Karkur_Talh[1] * 9 * 7 * 8 * 6 * 1 * 4 * 2 * 5 * 3