في ظل انشغال العالم بمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، حول التنظيم الجهادي "إمارته" في منطقة سرت الليبية إلى "قاعدة خلفية" يجند فيها مئات المقاتلين الأجانب ويدربهم على تنفيذ هجمات في الخارج، بحسب مسؤولين وخبراء. داعش في سرت ويقول الخبير في الشؤون الليبية في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ماتييا توالدو، إن "القيادة المركزية" لهذا التنظيم "استثمرت في ليبيا منذ وقت طويل، والآن بات المقاتلون الأجانب يتدفقون على سرت بدل التوجه الى سوريا". ويضيف أن معقل التنظيم في ليبيا "يتحول الى مركز الاستقطاب الرئيسي للمتشددين في المنطقة". وتمكن تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق من دخول مدينة سرت، مسقط رأس معمر القذافي والواقعة على بعد 450 كلم شرق طرابلس في فبراير الماضي، قبل أن يفرض سيطرته التامة عليها في يونيو، إثر معارك خاضها مع قوات "فجر ليبيا" الموالية لحكومة طرابلس غير المعترف بها دوليا. واستغل الجهاديون الفوضى والاقتتال السائد في البلاد بين سلطات طرابلس التي تسيطر قوات موالية لها على معظم الغرب الليبي والقوات المستقرة في الشرق والمعترف بها دوليا، لتحويل سرت إلى معقل لهم. ويقول المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الليبي، الرائد محمد الحجازي "أصبحت سرت مقر قيادة وتحكم لأعضاء التنظيم، يجري فيها تدريب المقاتلين الجدد ونشر الفكر الداعشي". وذكرت دراسة نشرتها مؤسسة "فيريسك مايبلكروفت" التي تقدم استشارات أمنية، أن تنظيم الدولة الإسلامية "يدرك أن الفوضى في ليبيا توفر له فرصة تعزيز" قدراته، معتبرة أن التنظيم "يستطيع المحافظة على وجود مهم له في ليبيا، يدعم فروعه في المنطقة كلها، طالما أن الحرب في هذا البلد قائمة". سرت تحت سيطرة داعش ويقول مسؤول في المجلس المحلي لسرت يقيم في مدينة مصراتة التي تبعد نحو مئتي كلم شرق طرابلس "كل شيء تغير في سرت. مسلحو داعش يتجولون فيها وكانها مدينتهم منذ وقت بعيد، الصلاة مفروضة على الجميع، الأحكام الشرعية بدات تطبق فيها، والنساء لا يخرجن إلا للضرورة". ويضيف "تمر على نقطة تفتيش فيلقي عليك التحية ملثم سوداني. وعلى بعد أمتار، تصادف مسلحا تونسيا، أو خليجيا، كل هذا يجري والحكومة في طرابلس، وكذلك الحكومة في الشرق، تتجنبان خوض معركة تحرير هذه المدينة المنبوذة منذ نهاية الثورة"، في إشارة الى كونها مسقط رأس القذافي الذي قتل في 2011. ونشرالتنظيم مؤخرا صورا وتسجيلات من سرت لمحلات تبيع الحلويات واللحوم، في محاولة لإظهار وتيرة حياة طبيعية في المدينة، بينما نشر أيضا أشرطة فيديو تظهر أقدام عناصره على بتر يد شخص عقابا، ساعيا من خلالها لتاكيد سطوته. تحذيرات حذر مراقبون من خطورة الوضع في الأراضي الليبية، عقب تزايد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الكثير من مقاليد الحياة في مدينة سرت، وسط أنباء عن إعلانها عاصمة للتنظيم بشمال أفريقيا. واعتبرت مصادر أمنية أن توسع داعش في ليبيا، ليس بحثا عن وطن بديل أو هروبا من ضربات عسكرية تشبه ما يتعرض له التنظيم في سوريا والعراق، إنما محاولة لترسيخ أقدامه في هذه المنطقة، وإيجاد بديل بعد تكثيف الضربات في سوريا والعراق. وقالت إن المعركة التي تستعدّ لها أطراف إقليمية بشأن داعش ليبيا قد تكون بعيدة في الوقت الراهن، لأن تعقيداتها كبيرة، وبحاجة أولا لفك كثير من الشفرات العسكرية والسياسية والاقتصادية. وكان طارق الخراز، الناطق باسم وزارة الداخلية الليبية، أعلن مساء الاثنين الماضي، أن مدينة سرت أصبحت خارج نطاق السيطرة الليبية، بعد تدفق المزيد من المتشددين العرب والأجانب عليها. وأوضح، في تصريحات إعلامية، أن سرت أصبحت خارج نطاق السلطة الشرعية، وتنظيم داعش قام بتوزيع حلوى في الشوارع احتفالا بسيطرته على هذه المدينة. ويقدر مسؤول في وزارة الخارجية الليبية، أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم في سرت حاليا "ببضعة الآف"، لا أنه يعبر عن خشيته "من ازدياد هذه الأعداد في ظل الضغط الذي يتعرض له التنظيم في سوريا والعراق". ويسعى التنظيم الذي يقاتل ايضا القوات الحكومية في بنغازي (الف كلم شرق طرابلس) وفي محيط درنة في اقصى الشرق الليبي، الى توسيع حدود "إمارته" المتوسطية عبر التمدد نحو مدن قريبة. وبعيد سيطرته على بلدة النوفلية التي تبعد نحو 120 كلم الى الشرق من سرت، بدأ يستهدف مدينة إجدابيا على بعد 350 كلم في منتصف الطريق بين سرت وبنغازي والواقعة ضمن منطقة الهلال النفطي. قللق دولي ورغم تمدد تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا، لا يزال المجتمع الدولي يحصر الجزء الاكبر من جهوده في مكافحة هذا التنظيم في سوريا والعراق. ففي روما، أعلن وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني، الأربعاء، عن عقد مؤتمر دولي حول ليبيا في في روما بغية تفادي "تفتت كلي للبلاد ووقف زحف" تنظيم الدولة الإسلامية. وقال جنتيلوني "نستطيع حتى الآن تفادي الانهيار التام للبلاد ووقف تقدم داعش". ومن جانبه، أكد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، الجمعة، وجوب "محاربة وسحق" تنظيم الدولة الإسلامية "في سوريا والعراق وغدا على الأرجح في ليبيا" حيث قام الطيران الفرنسي الشهر الماضي بطلعات استكشافية. وقال فالس "اليوم "نحن في حرب ولدينا عدو هو داعش علينا محاربته لان لدينا مئات بل آلاف من الشباب الذين سقطوا في هذا التطرف". وأشار إلى أن "التهديد الإرهابي" ما زال قائما بعد شهر على اعتداءات 13 نوفمبر، التي اسفرت عن مقتل 130 شخصا وجرح مئات آخرين. وقال فالس في الأول من ديسمبر "هناك اليوم بلا شك مقاتلون موجودون في سوريا والعراق يذهبون إلى ليبيا. إذن، ليبيا هي بلا جدال الملف الأبرز للأشهر المقبلة". وكان الجيش الفرنسي قام بطلعات استطلاع فوق ليبيا الشهر الماضي وخصوصا فوق معقل التنظيم في سرت ويعتزم تنفيذ طلعات أخرى بحسب معلومات نشرتها الرئاسة الفرنسية الأسبوع الماضي. وانطلقت الطائرات من الحاملة شارل ديجول التي أبحرت من تولون (جنوبفرنسا) في 18 نوفمبر، ونفذت أول مهمة استطلاعية واستخبارية لها في المنطقة في 20 و21 نوفمبر. ويتخوف الغربيون من تصاعد نفوذ تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا، ما يهدد أوروبا وافريقيا بشكل مباشر لكنهم يستبعدون حاليا أي تدخل في هذا البلد. وللجيش الفرنسي قاعدة متقدمة قرب ليبيا في اقصى شرق النيجر يراقب منها تحركات الجهاديين بين ليبيا وجنوب منطقة الساحل. وكان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أكد نهاية الشهر الماضي أن عدم التوصل إلى اتفاق بين الليبيين "سيعني انتصار داعش"، تلميحا له بأنه سيتم استهداف الجماعات المسلحة في ليبيا. وشدد على أن الفصائل المسلحة الرئيسية في ليبيا تحكم على نفسها بالانتحار، إذا لم تتوقف عن قتال بعضها البعض، وتواجه تنظيم داعش الذي يتنامى وجوده في البلاد. وفي حديث أوضح لو دريان أن "تنظيم داعش موجود في ليبيا، لأنه قادر على استغلال المشاحنات الداخلية، إذا وحدنا هذه القوى فلن يكون للتنظيم وجود"، معتبراً أن هذه حالة طارئة، تونس قريبة ومصر قريبة والجزائر معنية بشكل مباشر والنيجر وتشاد، هذه الدول بحاجة إلى تنظيم منتدى بدعم منظمات دولية والأمم المتحدة.