ناجي: لغة الشارع تتطور.. ومن غير العادل أن يحرم منها الكاتب والمبدع إن كان هناك ألفاظًا تسبب "الإعياء" فليعدوا بها كشوفًا ربما تكون محاكمة الروائى أحمد ناجى، ورئيس تحرير صحيفة أخبار الأدب طارق الطاهر، على خلفية الفصل الخامس من رواية ناجي "استخدام الحياة"، واحدة من المعارك التاريخية الفاصلة فى حياة مصر الثقافية، إذ تتحول ساحة المحكمة بشكل درامى إلى مواجهة بين شهادات 3 قامات ثقافية، وهم "الروائى صنع الله إبراهيم، ووزير الثقافة الأسبق والناقد الدكتور جابر عصفور، ورئيس اتحاد الكتاب الأسبق الكاتب محمد سلماوى"، وفي الجهة الأخرى يقف مدعو حماية الأخلاق والفضيلة فى المجتمع. وعلى مستوى الشكل العام تختلف قضية ناجى عن الصراعات الشهيرة التى خاضها طه حسين، أو نصر حامد أبو زيد، حيث أن هذين اصطدما مع "الثوابت الدينية والسياسية"، كما يرى أحمد ناجي، الذي أكد أن قضيته ليست سياسية أو دينية، أو تمثل تحديًا للمجتمع، فمن يريد الاصطدام غالبا ما يتكلم عن الأقصى وما شابه، أما هذه فتعتبر "قضية حرية استخدام اللغة والإبداع من الأساس"، على حد قوله. ويضيف ناجى "الإنترنت صار ينتج مستوى جديد من اللغة، به مساحات عالية جدا من الحرية، كذلك تتطور لغة الشارع، هذا المزيج صار متماسكا وقويا بدرجة يصعب معها تجاهله، ومن غير العادل أن يحرم منه الكاتب والمبدع، فلا يمكن لروائى مخلص يحكى عن الواقع ألا يستخدمه، وهذه جدلية كبيرة، ربما حان الوقت لمناقشتها وحسمها". ويتابع "إن كان هناك ألفاظا تسبب "الإعياء" كما يدّعى صاحب البلاغ، فليعدوا بها كشوفا، وليطلعونا عليها قبل أن ننشر كتبنا". وقدم دفاع ناجى إلى هيئة المحكمة - اليوم السبت - فى معرض دفاعه عن الرواية كتبا من إصدارات الهيئة العامة المصرية للكتاب، بالإضافة إلى كتب التراث الدينى والأدبى التى استخدمت نفس المفردات المتهمة فى رواية ناجى بأنها "خادشة للحياء العام"، ومن بين هذه الكتب ما يُدرس فى الأزهر لطلبة المدارس. ويقول ناجى "نأمل أن شهادات شخصيات بهذا الثقل الثقافى فى ساحة المحكمة، وحملات التضامن، قد تجعل المحكمة تتعامل مع النص باعتباره نص روائى". المعركة الدامية بين الحرية والظلام ليست في حسابات ناجى وهو ذاهب لأولى جلسات محاكمته، فهو يرى أن "مثل هذا الغول الظلامى والرجعى لم يعد موجودا، فلو أن أحداث محاكمته حدثت قبل 3 سنوات كان الأمر ليصبح مختلفا، وكان من الممكن تخمين الجبهة الثانية التى تقف خلف البلاغ المقدم ضده، أما الآن فبغياب كل القوى الدافعة المحافظة التى كانت تتحرش بالمبدعين، فالأمر لا يعدو كونه مجرد تحرك فردى لشخص يرى نفسه حاميًا للفضيلة". ويصف ناجى تحرك خصمه ب"الميوعة"، إذ أنه "ليس هناك ثقل مجتمعى خلف هذا البلاغ، المجتمع به من يكتبون على الجدران بنفس اللغة، ومن يقولون هذا الكلام ليلًا نهارًا، وأكاد أجزم أن أي أنثى تمشى فى الشارع لمدة ساعة تسمع ما هو أسوأ من ذلك بكثير" يقول الروائي متندرًا. وكانت نيابة بولاق أبو العلا قد أمرت بإحالة ناجي وطاهر للمحاكمة الجنائية، "لنشر المتهم الأول مقالاً جنسياً بقصد العرض والتوزيع، وإخلال الثاني بواجب الإشراف على المقال محل الاتهام". وكتبت النيابة فى قرار الإحالة أنّ "الاتهام ثابت على المتهمَيْن وكافٍ لتقديمهما إلى المحكمة الجنائية بسبب ما قام به المتهم (أحمد ناجي) عند نشره مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية، ولذَّة زائلة، وأجّر عقله وقلمه لتوجه خبيث، حمل انتهاكاً لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق والإغراء بالعهر خروجاً على عاطفة الحياء". وأضافت "خرج المتهم عن المُثل العامة المصطلح عليها فولدت سفاحاً مشاهد صوّرت اجتماع الجنسين جهرة، وما لبث أن نشر سموم قلمه برواية أو مقال حتى وقعت تحت أيدي القاصي قبل الداني، والقاصر والبالغ، فأضحى كالذباب لا يرى إلا القاذورات، فيسلط عليها الأضواء والكاميرات حتى عمّت الفوضى وانتشرت النار في الهشيم". على صعيد آخر، فقد أثارت قضية ناجى و"استخدام الحياة" موجات واسعة من التضامن، بدأت بهاشتاج "لماذا يذهب الكلام على تويتر وفيسبوك للمحكمة"، كما أصدر حزب "العيش والحرية" بيانًا قال فيه إن "ما يُسمّى بالذوق العام ما هو إلا خدعة كبيرة وحجة سخيفة، لمحاوله تسييد نمط جمالي محدّد على كل المبدعين، وتوحيد صارم لذائقة كل الناس". وأضاف البيان أنّ "خطورة ذلك المنحى الاستبدادي لا تتوقّف عند إمكانيّة قتل كل أشكال الإبداع، بل إفساد الفضاء العام الجمالي ذاته، فلا سبيل لازدهار أيّ فنون أو آداب خارج إطار الحرية التامة وعدم التدخل من قبل أي سلطة، ايّاً كانت الحجة". وبدأ عدد من المثقفين جمع توقيعات، ليس فقط للتضامن مع أحمد ناجي، ولكن لاعتبارهم شركاءً له فيما تعتبره النيابة العامة "جريمة". ومن جانبه، قال الناشر المصرى محمد هاشم "فعلناها سابقا فى أزمة الروايات الثلاث، هل يمكن أن يسجن القاضى 1000 شخص لأنهم نشروا فصلا من الرواية؟". هاشتاج التضامن مع ناجى استقطب عددًا من مشاهير الفكر والإعلام، ومنهم "باسم يوسف"، الذى كتب عبر حسابه على تويتر أمس "ما يحدث لأحمد ناجي هو فاشية باسم الدين والأخلاق، في 2015 يخضع الكتّاب لقضايا الحسبة، ويحاكمون بسبب تهم مبهمة مثل "خدش حياء" شخص ما". ويقول ناجى "حملة التضامن ليست مع شخصي، لكنها مع حرية الإبداع بالأساس، فأغلب المتضامنين معي هم أشخاص لهم صلة بالإبداع بصورة ما، وأتمنى ألا تقف عند هذا الحد، بل أن تصير حملة من أجل تغيير الوضع القائم، وأن نخرج بموقف هجومى، لا أن نظل مكتوفى الأيدى على الوضع القديم، لا يجمعنا سوى قضية جديدة لكاتب آخر".