قتل خالد سعيد وتعذيب عماد الكبير وسحل حمادة صابر.. شاهد عيان على تجاوزات الشرطة انتهاكات بالجملة يقترفها بعض عناصر وزارة الداخلية داخل أقسام الشرطة، ضرب وتعذيب وانتهاك للقانون، وقبلها آدمية المواطنين، دون رقيب أو حسيب، فنادرًا ما يتم تقديم ضابط أو أمين شرطة للنيابة، أو يحال للجنايات، حتى في قضايا القتل، والأغرب أنه إذا حدث وتم التحقيق في الواقعة، فإنه يتم سجن صغار الضباط والأمناء دون المساس بمديري الأمن، والقيادات التي تعد المسؤول الأول عما يحدث داخل أماكن نفوذهم. توحُّش الداخلية خلال فترة حكم المخلوع حسني مبارك، توحَّشت الداخلية، وتحولت إلى عزبة تدار بواسطة ضباط الشرطة، حتى إن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي كانت تتحكم تقاريره في الإطاحة بوزراء وشخصيات سياسية بل في علاقات مصر بدول أخرى. وانعكس تفشي الفساد والبلطجة بوزارة الداخلية حينها، بشكل سلبي على الحريات العامة، وخير دليل على ذلك ما حدث مع خالد سعيد الذي لقي حتفه على يد مخبري شرطة بالإسكندرية، يوم 6 يونيو 2010، وكان حينها في الثامنة والعشرين من العمر. حيث أراد الشرطيان اللذان ارتديا ملابس مدنية وقت وقوع الجريمة تفتيش خالد، بما اعتقدا أنه سلطة مخولة لهما بموجب قانون الطوارئ، فعند دخول "سعيد" إلى مقهى إنترنت بالقرب من منزله هاجمه شخصان؛ أمسك به أحدهما وقيد حركته من الخلف والآخر من الأمام وعندما حاول تخليص نفسه منهما ضرباه وصدما رأسه برف رخامي داخل المحل، وعندها حضر صاحب المكان وطالبهما بالتوقف والخروج فورًا، وأخذا خالد سعيد معهما إلى مدخل عمارة مجاورة وضرباه حتى الموت أمام عديد من شهود العيان في منطقة سيدي جابر. وأثار مقتل خالد سعيد موجة غضب شعبية في مصر وردود أفعال من منظمات حقوقية عالمية، تلتها سلسلة احتجاجات سلمية في الشارع في الإسكندرية والقاهرة نظّمها نشطاء حقوق الإنسان الذين اتهموا الشرطة المصرية باستمرار ممارستها التعذيب في ظل حالة الطوارئ. وتأتي عملية قتل خالد سعيد ضمن سلسلة من الأحداث اللا إنسانية التي تحدث داخل الوزارة المعنية بالشؤون الأمنية، فقد سبق ذلك احتجاز وتعذيب شاب يدعى عماد الكبير في 18 يناير 2006، حيث قام رجال الشرطة بضربه وتقييد يديه وساقيه وهتك عرضه بعصا بينما كان أحدهم يصور المشهد بهاتفه المحمول، ويظهر التسجيل عماد أثناء اغتصابه، وهو يصرخ ويتوسل إليهم طالبًا الرحمة، بينما قالت الداخلية وقتها إن "الكبير" تم القبض عليه واحتجازه بسبب "مقاومة السلطات" والاعتداء على موظف في أثناء تأدية عمله. يستمر التوحُّش في 1 فبراير 2013 اهتزت مشاعر ملايين المصريين، حين طالعوا على شاشات الفضائيات جريمة سحل و"هتك عرض" المواطن حمادة صابر، الذي تعذب على أيدي بعض جنود وضباط الأمن المركزي، بأحد الشوارع الجانبية لقصر الاتحادية. بينما شهد قسم شرطة المطرية واقعة مقتل المحامى إمام محمود إمام عفيفى، 63 سنة، متأثرًا بإصابته بنزيف داخلى بالمخ، بعدم تعرضه للتعذيب فى قسم شرطة المطرية، خاصة أنها جاءت بعد شهر ونصف الشهر من مقتل المحامى كريم حمدى داخل قسم المطرية، وهى القضية التى أحيلت لمحكمة الجنايات منذ أيام، ومتهم فيها ضابطا الأمن الوطنى. شبيب يفجر غضب الصعايدة بينما شهدت منطقة العوامية بالأقصر مقتل طلعت شبيب الرشيدي "47 عاما" داخل قسم الشرطة، وذلك بعد القبض عليه في أثناء وجوده في مقهى، حيث تم اقتياده إلى قسم الشرطة وتعذيبه، وبعدها بنصف الساعة تلقت عائلته نبأ نقله إلى مستشفى الأقصر الدولي جثة هامدة ودارت اشتباكات بين الأهالي والشرطة، قبل أن تتدخل قيادات الأمن وتقوم بنقل الضباط المدانين في الواقعة. الأمن قبل الحريات أحيانًا من جانبه قال أسعد هيكل، وكيل لجنة الحريات بنقابة المحامين، إن أحد أسباب هذه الظاهرة، هي الظروف الأمنية الداخلية وكذلك الظروف الخارجية المحيطة بالبلاد، والتي تؤدي إلى الحاجة الماسة إلى الأمن، وهو ما يؤثر بدوره بشكل سلبي على حقوق المواطنين وحرياتهم، ويصبح الحفاظ على الحقوق والحريات في المرتبة الثانية. واستكمل "هيكل": يعتقد البعض أنه في ظل هذه الظروف الحالية فإن التجاوزات تصبح قليلة الأهمية وبالتالي تأتي المعالجة ضعيفة سواء العقابية أو الإعلامية، في حين أن وزارة الداخلية لا توقع عقوبات رادعة على أفرادها، بل على العكس، تقوم بترقية هؤلاء المخالفين، إضافة إلى أن السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة هو الفساد، فالمعين في كلية الشرطة من أصحاب الوسائط وعلية القوم، وبالتالي هناك انفصال بينهم وبين الشعب ويتعاملون معه بكثير من الازدراء ويعتبرون المواطن العادي من دم آخر. وأضاف وكيل حريات المحامين، أن قيادات الداخلية تتحمل المسؤولية كاملة وراء ما يحدث، وأنه لا بد من وجود وزير سياسي وليس عسكريًّا ليتمكن من تطبيق السياسات الشعبية، مؤكدًا أن الرتب الكبرى تحولت إلى موظفين لتنفيذ الأوامر فقط. بينما قال اللواء محمد المنصوري، الخبير الأمني، إنه من الصعب أن تسمح وزارة الداخلية بتقديم قيادة شرطية للمحاكمة الجنائية، حيث يتم اعتبار ذلك بمثابة رسالة سلبية للضباط، الذين قد يخشون تطبيق القانون خوفًا من المحاكمات، وكذا يمكن أن يحدث تمرد في صفوف الشرطة، مشيرًا إلى أنه لا بد من توعية صغار الضباط ومد جسر من التواصل بين المواطنين والشرطة.