جاء تأهل الفريقان الألمانيان بايرن ميونيخ و بروسيا دورتموند لنهائي بطولة دوري الأندية الأوروبية الأبطال «التشامبيونز ليج» على حساب الأسبانيين برشلونة و ريال مدريد، ليلتقيا في نهائي ألماني بنسبة 100 في المائة في 25 مايو الحالي على استاد ويمبلي بلندن ليكون بمثابة إعلان عن تسليم قيادة كرة القدم الأوروبية من الأندية الأسبانية إلى الأندية الألمانية . فلم يكن تأهل البايرعلى حساب البارسا بفوزين كاسحين 4/0 في مباراة الذهاب ثم 3\0 في عقر دار البارسا في مبارة العودة و تأهل بروسيا دورتموند على حساب الريال بنتيجة المباراتين 4/ 3 بعد فوز ساحق 4 / 1 على الأراضي الألمانية على سبيل المصادفة أو نتاج ضربة حظ بل هو حصيلة دروس مستفادة على رأسها التعلم من الفشل الذي مرت به الكرة الألمانية خلال السنوات الأخيرة لا سيما تحويل خيبة الأمل الناجمة عن الفشل في إحراز كأس العالم على الأراضي الألمانية في عام 2006 إلى حافز للوصول إلى قمة الكرة الأوروبية تمهيدا لقيادة الكرة العالمية خلفا لأسبانيا بطلة كأس العالم 2010 و بطولة أوروبا مرتين «2008 و 2012 ». فباستثناء الوصول لنهائي مونديال 2002 والحصول على مركز الوصيف بعد الهزيمة من البرازيل صفر/ 2 كان الفشل المتتالي للمنتخب الألماني بدء من الخروج من دور الثمانية من كأس العالم 1998 و مرورا بالفشل في تخطي دوري المجموعات في بطولة أوروبا يورو 2000 و عدم نجاح الأندية الألمانية في إحراز أي بطولة على مستوى الأندية الأوروبية منذ 2001 بمثابة العامل الرئيسي الذي دفع المسئولين عن الكرة الألمانية لإجراء إعادة هيكلة للكرة الألمانية التي كان البعض يصفها بالكرة القديمة و الفقيرة . و يعكس مانشيت صحيفة «سود دويتش زيتونج» الألمانية صبيحة الفوزين الكاسحين لبايرن ميونيخ و بروسيا دورتموند على برشلونة و ريال مدريد مدى التحول الذي حققته الكرة الألمانية خلال السنوات العشر الأخيرة . وتقول سود دويتش زيتونج بدهشة: كيف تحققت المعجزة في بلد لم يكن يعرف منذ 10 سنوات سوى إتقان إرسال الضربات الركنية و تسديد الكرات الثابتة ؟ . و الإجابة على هذا التساؤل تكمن في إعادة هيكلة كرة القدم الألمانية من خلال تطويرالجانب الفني بالاستفادة من التجربة الأسبانية على وجه الخصوص فضلا عن عوامل النجاح المتوافرة لكرة القدم الألمانية من جماهير غفيرة ملتزمة و اقتصاد قوي كان له تأثيره الإيجابي على كرة القدم بعد أن تحولت إلى صناعة حقيقية بالمليارات . فمن يتابع الكرة الألمانية في الوقت الحالي سيجد أن مواصفات الجيل الجديد من اللاعبين الألمان قد تغيرت عما مضى فلم يعد الاهتمام منصب فقط على القوة البدنية بل أصبح الاهتمام بالجانب الفني و المهاري و الخططي أكثر بكثير من التكوين البدني بعد أن كان اللاعب الألماني يشتهر بأنه ماكينة ألمانية قوية تعتمد على اللياقة البدنية العالية و القوة البدنية الرهيبة. ولا أدل على ذلك من أطوال اللاعبين الألمان من الجيل الجديد تراجعت بالقياس بالماضي فبعد أن كان اللاعب الألماني عادة ما يقترب من ال 190 سنتيمترا أصبح اللاعبين الجدد أقل طولا و قوة لكنهم أكثر فنا و مهارة و حرفنة و خفة و رشاقة قياسا بسابقيهم . فماريو جوتز الذي اشتراه مؤخرا بايرن ميونيخ من بروسيا دورتموند ب 37 مليون يورو لا يزيد طوله على سبيل المثال عن 76ر1 متر في حين يبلغ طول كل من ماركو رويس و الكاي جوندوجان 80ر1 متر. و قد كان من نتاج قناعة المدربين الألمان بضرورة الاهتمام بالجانب الفني و المهاري مع رفع معدلات اللياقة البدنية إلى تغيير طرق اللعب الألمانية لدرجة أن جورجن كلوب المدير الفني لبروسيا دورتموند أخترع طريقة لعب جديدة أصبحت منهاجا لمعظم الفرق الألمانية بما فيها بايرن ميونيخ و هي طريقة تقوم على تمرير الكرة رأسيا إلى الأمام من لمسة واحدة في أغلب الأحيان للوصول إلى مرمى الخصوم من أقصر الطرق على أن يلجأ اللاعب المهاري للحلول الفردية عندما يلجأ الخصوم إلى ممارسة الضغط بدون كرة و إغلاق المساحات . و يعد نادي بايرن ميونيخ بمثابة قاطرة الكرة الألمانية سواء من خلال مساعدة الأندية الألمانية المتعثرة أو الارتقاء بالمستوى بضم أفضل العناصر من الدول الأخرى أو من خلال جماهيره الغفيرة بحضورها القوي و التزامها النموزجي . و لا أدل من ذلك من أن أولي أونيس رئيس مجلس مراقبة بايرن ميونيخ كشف عن أن ناديه ساعد بروسيا دورتموند بنحو 2 مليون يورو في عام 2005 لإنقاذه من الإفلاس. و برر أونيس ذلك بأن بايرن ميونيخ لن يكون قويا إلا إذا وجد منافسة قوية من الأندية الألمانية. و بالفعل فقد ساهمت هذه المساعدة في إصلاح أوضاع بروسيا دورتموند المالية حتى تمكن من إحراز بطولة الدوري الألماني الموسمين الماضيين قبل أن يتمكن الباير هذا الموسم من استعادة اللقب قبل انتهاء منافساته بستة أسابيع . أما رئيس مجلس إدارة بايرن ميونيخ،كارل هانزرومنيجه فيرى في قيام بايرن ميونيخ بشراء لاعبين بأرقام عالية من الأندية الألمانية الأخرى مثل شراء ماريو جوتز «20 سنة» من بروسيا دورتموند مؤخرا بمثابة تدعيم لهذه الأندية لكي تبحث بهذه الأموال عن مواهب شابة جديدة تزيد بها من عائداتها و تثري بها الكرة الألمانية بأجيال جديدة من الموهوبين . كما يتميز بايرن ميونيخ أيضا في مجال إثراء الكرة الألمانية بالمواهب العالمية من خلال ضم لاعبين أجانب على أعلى مستوى مثل الفرنسي فرانك ريبيري و الهولندي أرجن روبين و الأسباني خافي مارتينيز . و قد انتهج بروسيا دورتموند نفس النهج و لا أدل على ذلك من ضمه للبولندي روبرت ليفاندوفسكي صاحب الرباعية الشهيرة في مرمى ريال مدريد . ويعد الدوري الألماني من أهم عوامل نجاح الكرة الألمانية بعد أن أصبح عامل جذب للمواهب الألمانية نظرا للرواتب الجيدة التي يوفرها للاعبين و الأهم من ذلك أن هذه الرواتب يتم صرفها بصفة منتظمة و من دون تأخيرات. فباستثناء مسعود أوزيل و سامي خضيرة الذين انتقلا للعب في صفوف ريال مدريد و لوكاس بودولسكي الذي انتقل للأرسنال فان الدوري الألماني تمكن من الإبقاء على جميع المواهب الألمانية في بيتها . و تعد الجماهير الألمانية بالتزامها و تحضرها بمثابة العامل الرئيسي في نجاح منظومة كرة القدم الألمانية فنسبة حضور الجماهير الألمانية للمباريات هل الأعلى في العالم بمتوسط بلغ 45 ألف مشاهد مقابل 28 ألف مشاهد فقط في أسبانيا . و أخيرا يعد الدفع بالناشئين الموهوبين في صفوف الفرق الألمانية من العوامل الرئيسية في تفوق الفرق الألمانية . و قد تميز بروسيا دورتموند على وجه الخصوص في مجال النهوض بالكرة الألمانية بجيل جديد من الشباب بتمتع بالمهارة و الرشاقة و السرعة و على رأسه هؤلاء اللاعبين الشباب جوتز «20 سنة» و جوندوجان « 22 سنة » و ماركو رويس و سفن بندر« 23 سنة» . ويبقى السؤال المهم و هو هل نجحت بالفعل الأندية الألمانية من سحب البساط من تحت أقدام الأندية الأسبانية الرهيبة بقيادة برشلونة و ريال مدريد أم أن نتيجة التشامبيونز ليج هذا العام هي نتيجة خادعة ، سرعان ما تعود الأمور إلى نصابها كما حدث مع الأندية الإنجليزية التي فشلت هذا العام حتى في الوصول إلى المربع الذهبي بعد أن كان تشيلسي قد فاز في الموسم الماضي بالتشامبيونز ليج بالتفوق في المباراة النهائية على بايرن ميونيخ ؟ .