يحلمون بالكثير، لكن معاناتهم أكثر وأكثر، وسط أعباء مجتمع تجاهلهم رغم أنهم بذرة البناء والتشييد للقصور والمساكن الفاخرة، حملوا أعباءهم بداخلهم، وكل أملهم أن يعودوا لأبنائهم فى آخر اليوم وفى جيبهم قوت يومهم، إنهم عمال اليومية أو «الفواعلية»، هكذا مُسماهم لم يخجلوا منه يومًا، يعيشون على الرضا والقناعة، يتقبلوا أحلك الظروف تحت وطأة وسيف الحياة التى لا تترك قلوبهم ولا ترحم رقابهم. «الفواعلية» أو عمال اليومية، يفترشون الأرصفة فى الشوارع والميادين، انتظارًا لقدوم لقمة العيش، التى ربما تغيب عنهم لأيام عدة، ملابسهم مهلهلة وقلوبهم صابرة على تحمل المشاق يومًا بعد يوم. يتجولون مع بزوغ فجر كل يوم، وفى يدهم «عدة الشغل» فى انتظار الفرج. «التحرير» تشارك عمال اليومية معاناتهم وأوجاعهم، وتلتقى بهم فى ميدان المطرية وعزبة العقاد والليمون، استمعت لشكواهم، ومعاناتهم.. يحكى فرغلى مجاهد، 28 عامًا، قادم من محافظة أسيوط، مدينة منفلوط منذ خمس سنوات، قصته وعمله باليومية «إحنا بنروح نكسر عندك أو عند غيرك بالعدة اللى معانا دى... بس مافيش شغل زى الأول.. الحاجة غالية يا بيه ومولعة.. كيلو اللحمة بقى ب80 جنيه والحال واقف والدنيا بايظة». فرغلى، متزوج ويعول أسرة مكونة من زوجة وبنت صغيرة لم تكمل عامها الثانى بعد، أشار إلى أنه يستيقظ فى السادسة من صباح كل يوم تقريبًا، ينتظر الزبون، وفى أغلب الأيام يظل منتظرًا للخامسة والسادسة مساءً، بدون الذهاب لعمل، وحينها يقرر أن يعاود لمسكنه الصغير بعزبة الليمون. «مابشتغلش نحاتين على طول.. ممكن نرفع نقلة رمل أو طوب.. بنطلعها من قلة الشغل»، هكذا يروى فرغلى الذى يعلق «إحنا اللى بيجيلنا ما بنقلش ليه لأ على أى شغل.. المهم إننا نروح آخر اليوم بفلوس فى جيبنا تكفى بيوتنا ومصاريفنا الشخصية من شاى وسجائر». ولفت فرغلى إلى أن عدة الشغل تبلغ قيمتها حوالى 300 جنيه، وهى عبارة عن مرزبة كبيرة وشاكوش صغير وحوالى 8 أو 10 مسامير، وتابع العامل قائلاً «حضرتك ممكن تلف اليوم كله من الصبح على رجليك عشان تدور على خبر، وإحنا برده كده ممكن نلف اليوم كله عشان نجيب الجنيه فى آخر اليوم.. ربنا يصلح الحال». وعاود فرغلى حديثه «فى ناس معاها شريعة وقانون وقاعدين معانا هنا فى الميدان بيدوروا على شغل زينا بالظبط، ولما بنطلع شغل .. يا دوب الواحد فينا بيجيب مصاريفه حوالى 70 أو 80 جنيه بنصرف حوالى 35 جنيه منهم فى اليوم». «الزبون هو اللى بييجى وعارف أماكنا كويس» هكذا يكمل محمد، مشيرًا «لو فى كهربائى شغال عند زبون أو سباك بيحتاجنا نكسر لهم».. واختتم «هى أرزاق يا باشا وربنا مقسمها». "أقل مرتب يخلى الواحد يعيش كويس مش مرتاح دلوقتى مايقلش عن ألفين ونصف" هكذا يصف حال البلد وغلاء الأسعار، موضحًا «اليوم اللى مابنشتغلش فيه بنصرف من يومية اليوم اللى قبله وكده والحمد لله ماشية ربنا معانا». وعن خلافاتهم مع أصحاب العمل الذاهبين معهم يقول محمد «إحنا بنتفق الأول على أجر الشغل قبل ما نروح مع الناس عشان فى ناس بترخم علينا وبتطمع فى أجرنا رغم عرقنا طول النهار»، وأشار إلى زملاء له سافروا للعمل ك«فواعلية» فى ليبيا وهناك كان صاحب العمل يطمع فى أجورهم ويقول لهم «سامحونى.. وفى النهاية لازم يسامحوه عشان ميطلبش لهم الشرطة ويتحبسوا».
واستطرد قائلًا «بس بصراحة بيعملوا معانا الواجب وزيادة من أكل وشرب»، وتابع «الشغل يومين فى ليبيا بقيمة شهر هنا فى مصر والله يا باشا بس الواحد محتاج أقل حاجة 10 آلاف جنيه عشان يقدر يسافر لهناك». إذا بحثت عن معنى وقيمة الرضا بالمكتوب فإنك حتمًا ستجدها فى هؤلاء العمال، فعند سؤال فرغلى عن غلاء الأسعار والمعيشة الصعبة علق قائلًا «ربنا بيسترها معانا والله فى كل وقت.. الحمد لله راضيين وبنقول الحمد لله على كل شىء ده نصيب.. بننام الساعة 10 أو أكتر شوية وبنصحى 5 الصبح». زناتى محب، 23 عامًا من منفلوط أيضًا، يقول «بقالى 3 سنين هنا فى الميدان باجى من 7 الصبح لغاية 7 بالليل والشغل مفيش وربنا عالم بالأحوال»، واتفق معه سعيد أبو حسيبة جابر، 35 عامًا بقوله «عندى 4 عيال أوديهم فيهم وهاصرف عليهم إزاى.. أديك شايفنا قاعدين من الصبح ومافيش شغل ولا حاجة».
محمد علم الدين، شاب فى السابعة والعشرين من عمره، يعلق «إحنا بنحدد تسعيرة موحدة لا تزيد على 80 جنيه، مابنقدرش نزودها رغم الحالة والضيق اللى إحنا فيه... إحنا بنحاول نبعت أى حاجة لعيالنا اللى متغربين عنهم». هانى جمال، شاب فى مقتبل عمره يقول «أنا باحاول أبعت أى شهرية لأهلى فى سوهاج.. بس مش قادر بقالى 6 شهور وزيادة مش عارف أزورهم، عايز أخطب وأشطب الشقة برده مش عارف»، وأشار«والله يا بيه فى ناس فى البلد دع عاملين سراير من الفلوس بيناموا عليها... فى المجمع الخامس والترحاب، قاصدًا مدينتى التجمع الخامس والرحاب». نافع شعبان من محافظة الفيوم، يحكى «أنا عندى 32 سنة وبقالى شغال باليومية فى مصر من 15 سنة عندى 3 عيال وأقسم بالله اللحمة محرمة علينا، ومحلب شافنا هنا من شهور فى ميدان المطرية ومعملناش حاجة وماحدش سأل فينا.. لو سافرنا بره البلد يبقى أحسن». وأضاف نافع «البلطجية ساعات بيضيقونا.. وشغلانتنا متعبة بس مش لقينها خالص نعمل إيه.. بس الحمد لله ده رزق وبتاع ربنا» عيد أحمد، شاب فى الثالثة والعشرين من عمره، حاصل على ليسانس حقوق من جامعة بنى سويف، يقول «بقالى سنة شغال نحات وفواعلى، معايا عدتى وبحاول أدور على شغل عند أى زبون أتفق معاه، وشرح أنه حصل على بعض الدورات فى الكمبيوتر واللغة الإنجليزية وICDL، بغية الحصول على عمل لكن دون جدوى». «المحاماة آخر حاجة بافكر فيها» بتلك الكلمات قطع عيد، مؤكدًا أنه بحث عن محامٍ للعمل بمكتبه إلا أنه وجد المهنة فى بداياتها صعبة للغاية ولن تحقق له المطلوب، فوالده توفى وترك له أربعة أشقاء منهم ثلاث إناث، سافر وتغرب فى سبيل الإنفاق على تعليهم حتى دخلت شقيقته الصغرى كلية الحقوق، وكل أمله أن يراها محامية كبيرة، ودخلت شقيقته الثانية الثانوية العامة، وهو وحده من يتكفل نفقاتهم.