السويد مملكة دستورية رأسمالية. لها توجه اشتراكى ديمقراطى يتضح فى قوانينها، ومؤسساتها التى تكفل تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، وحماية حقوق العمال، ومنع الاحتكار! هذه دولة هجين يحسبها الغافل لأول وهلة نتاجا طبيعيا لزواج، لم يحدث بعد، بين الرأسمالية والاشتراكية، بينما الحقيقة تؤكد أنها وجِدت بالتجربة والخطأ، ولم تنشأ وفقا لنظرية سياسية سبقت وجودها، ولكنها ظهرت كحلقة وسيطة تجمع صفاتها بين نظامين، ولم تنشأ بزواج مباشر بينهما. رغم أن وجودها فى حد ذاته يحمل أملاً فى إذابة جبال الجليد والكراهية بين كيانين لا يطيق أحدهما رائحة الآخر، لوجود تناقض موضوعى بينهما فى طريقة اقتسام البشر لفائض القيمة والثروة، وإباحة الحريات السياسية. من رابع المستحيلات أن يتزوج القندس من بطة لتنجب له كائنا يجمع بين صفاته كحيوان بر/مائى يشبه كلب البحر، وبين صفاتها كحيوانة بر/جوّية تطير بأجنحة يكسوها الريش. رغم ذلك يوجد فى الحياة الواقعية كائن حى برمائى له جناحان مرفرفان يكسوهما الفراء، لكنه يعجز عن الطيران بهما، يسمى خُلد الماء (بلاتيبوس)، وهو يمتلك منقارا برتقاليا كالبطة، وأقداما كالمجاديف، لها أغشية تربط بين أصابعه مثلها، وذيلا جلديا مفلطحا لقندس، كما أنه يبيض ولكنه يرضع صغاره كالثدييات بدلا من أن يحشر الطعام فى مناقيرهم، كما تفعل الطيور البياضة! إنه كائن يجمع بين صفات البط والقنادس دون أن يكون وجوده نتاجا لزواج حدث بينهما! يتشابه هذا الأمر إلى حد ما مع الحصان الأسطورى الإغريقى الأبيض المجنح ذى القرن المبروم، ومع الكائن الخرافى المدعو بعروس البحر، الذى لا يمكن بالتأكيد الحصول على صغاره من تزاوج يحدث بين إنسان وسمكة. مجرد تصور تبادل القبلات بين رجل وسمكة أو بين درفيل وامرأة يبعث على الضحك، فما بالك بتصور منظر علاقتهما الحميمة الكاملة؟! تخيل طفلا يجلس على الأرض فى حجرته ليصنع كائنا أسطوريا باستخدام أعضاء حيوانية بلاستيكية يمكن تركيبها فى بعضها البعض، ليصنع كائنا له أجنحة وقرونا وحوافر وزعانف. ترى هل تصرفت الطبيعة بطفولة وخيال جامح مثله عندما صنعت خلد الماء؟ لا أظن، ليست صدفة فى اعتقادى أن هناك دائما حلقات وسيطة يقع مكانها بين الأنواع المختلفة التى يستحيل حدوث زواج مثمر بينها. يحدث هذا الأمر على مستويات كثيرة مختلفة، ولا يتضح لنا فقط فى وجود كائنات برمائية تجمع بين صفات البحريات والبريات، أو حيوانات طائرة ثديية، أو ثدييات بحرية، ولكنه يثير دهشتنا بخليط عجيب من الاحتمالات تبرع الحياة فى إتحافنا به لإجبارنا على الإذعان لحتمية التنوع، وضرورة قبولنا لفكرة وجود الأبناء غير المباشرين، أو ربما الأجداد، الحاملين لصفات الأنواع المختلفة حتى ولو كانت هناك استحالة لتزاوج تلك الأنواع بطريقة طبيعية أو صناعية! من النماذج الحية العجيبة التى تؤكد تلك الفكرة بطريقة أكثر تعقيدا، وجود نوع من ديدان الأرض يمثل حلقة وسيطة بين الكائنات وحيدة الخلية، والحشرات، لأنه يتكاثر بالانقسام تارة، وبالتلقيح بين الذكر والأنثى تارة أخرى! يتكاثر بالانقسام البسيط فى الظروف الحياتية الصعبة التى تسبق مواسم الجفاف، وبالتلقيح المباشر بين ذكر وأنثى عندما تستقر الظروف وتسرى الرطوبة فى التراب لتحوله إلى طين! هل جال بخاطر أحدكم أن الأمر ذاته يحدث للأفكار؟ نعم، فى الظروف الاجتماعية الرديئة تتزوج الأفكار من نفسها بالانقسام وتنقل صفاتها وعيوبها الوراثية إلى أجيال تالية متشابهة. يتضح لنا ذلك عندما نرى كيف تزوجت جماعة الإخوان من ذاتها، فى عصر الانحطاط الذى تلا انتهاء حقبة المد الثورى فى مصر، لتنجب لنا من رحمها جميع التيارات التكفيرية التى تركزت، وتكثفت فيها الأمراض والعيوب الوراثية التى تحملها الخلية الأم التى انقسمت إلى أبناء يشبهونها، وربما يزايدون عليها فى تطرفهم بعد وصولهم إلى سن البلوغ، لينقسموا بدورهم إلى تيارات أخرى، وهكذا فى متوالية لن يكسرها إلا تحسن الظروف البيئية لكى تنهى عملية الانقسام العبثية تلك، لكن تحسن الظروف الاجتماعية لن يؤدى بالضرورة إلى إمكانية زواج الفرق الناجية من غيرها من نظريات الحكم، لأنها تتهمها بالانحلال والبعد عن الله. لكن، وكالعادة، توجد هناك حلقة وسطى، يطلق عليها دولة القانون المدنية، يقع مكانها بين الدولة الدينية ونظرية اللا سلطة، أو اللا دولة التى يتبناها الفوضويون. تلك الحلقة الوسطى هى دولة القانون الديمقراطية، التى لا ترفض الدين بل تسعى لتطبيق كل مبادئه بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة. تفعل هذا وهى تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، لتجعل قانونها الذى يرتضيه الجميع هو الحكم بين مواطنيها على اختلاف دياناتهم. كل شىء له حلقة وسطى تجمع بينه وبين آخر قد لا يمكنه عمليا أن يتزاوج معه. النوم حلقة وسطى بين الحياة والموت. البشر حلقة وسطى بين الملائكة والشياطين. أظن أن الطبيعة قدمت لنا خلد الماء وغيره من النماذج العجيبة، لكى ندرك تشابكات الوجود المتعددة التى قد تصل إلى درجة أن كل ما نظن استحالة إنجابه بزواج مباشر بين كائنين.. من الجائز أن نجده أمامنا فى حلقة وسطى، وأن نكتشف بقليل من التأمل أن العكس هو الصحيح، وأن وجوده ربما يسبق وجودهما، وأن هذين الكائنين المختلفين ربما يكونان فى واقع الأمر أبناء لحلقة وسيطة تبدو للغافل وكأنها من ذريتهما! ليتنا نفهم أن دولة القانون هى الحلقة الوسيطة التى يمكن دمج كل مفاهيم الدولة بالعودة إليها!