بانتهاء يوم 28 أكتوبر تكون روسيا قد أكملت الشهر الأول من وجودها العسكري في سوريا، وبدأت بالدخول إلى الشهر الثاني. وفي الوقت نفسه، تتوالى تصريحات وزارة الدفاع الروسية عن النجاحات العسكرية والسياسية منقطعة النظير التي حققتها القوات الجوية الروسية في سوريا. إضافة إلى التشجيع الواسع لموسكو بالبقاء في سوريا لكي تواجه العبث الأمريكي ومغامرات قوات التحالف في سورياوالعراق. من جهة أخرى تتوالى المبادرات والزيارات والاتصالات الهاتفية بين قادة الدول الكبرى وزعماء منطقة الشرق الأوسط بشأن البحث عن تسوية للأزمة السورية، وتطرح أشكال مختلفة للتفاوض، سواء في فيينا أو في باريس، وتتواصل الأراء والرهانات على توسيع هذا الشكل أو ذاك، وإضافة دول إلى هذه المجموعة أو تلك. ما ولد انطباعا لدى المراقبين بتعمد المماطلة والتسويف للإبقاء على الوجود الروسي، وربما توسيعه في المتقبل، في سوريا لأطول مدة ممكنة. في هذا السياق، تتوالى أيضا الأنباء عن انتحار عسكري روسي يعمل وفق نظام التعاقد. واعترفت وزارة الدفاع الروسية بذلك، مشيرة أن سبب الانتحار "حلافات عاطفية بين العسكري الشاب وبين صديقته". ولكن عملية الانتحار في حد ذاتها أثارت الكثير من اللغط والتساؤلات. وفي الوقت الذي تنفي فيه موسكو ووزارة دفاعها أي أنباء بشأن وقوع ضحايا أو إصابات في صفوف عسكرييها (طيارين ومستشارين وطواقم خدمة أرضية وتقنية"، يظهر مراسل RT الإنجليزية على إذاعة "صدى موسكو" ليؤكد وجود ضحايا ومصابين في صفوف العسكريين الروس العاملين في سوريا. كما أكد أنه شاهد جرحى على متن إحدى الطائرات المتوجهة من اللاذقية إلى موسكو. إضافة إلى أنه تحدث أيضا عن أنه شاهد ما يقرب من 10 جثث تم نقلها إلى روسيا. من جهة ثالثة، لا تزال فكرة الحل العسكري تتردد في وسائل إعلام النظام السوري، ويروج لها محيط بشار الأسد، ويربط إيران بأي تسوية، مع وضع روسيا في المقدمة لتلقي أي ضربات. ما يعني اختباء كل من النظام السوري وطهران وراء ظهر روسيا مع دفعها لمواجهات مع الغرب. وهو ما يروق بدرجات مختلفة للولايات المتحدة التي تمارس كل أنواع المناورات لإبقاء روسيا أطول فترة ممكنة في سوريا. وإذا نظرنا للأمر من زاوية أخرى، فسنجد أن الأسد يدرك احتياج روسيالسوريا في ملفات أكبر من سوريا نفسها، ويدرك أنه قادر عبر ذلك على الضغط على روسيا، وبالتالي أدلى بتصريحاته الأخيرة حول عدم وجود أي مبادرات سياسية أو أفكار يمكن تنفيذها قبل القضاء على الإرهاب. وهو ما يعتبر عكس كل التصريحات الروسية التي أدلى بها المسؤولون الروس في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد زيارته "السرية" إلى موسكو. الرئاسة السورية أصدرت بيانا رسميا قالت فيه "وردنا خلال اليومين الماضيين العديد من الاستفسارات والتساؤلات حول ما صدر عن بعض أعضاء الوفد الروسي بعد لقائه الرئيس الأسد من تصريحات أشارت إلى استعداد سيادته لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكّرة.. وعليه يهمنا توضيح ما يلي: في إطار المبادئ العامة للدولة السورية فإن أي حلّ سياسي يحفظ سيادة الدولة ووحدة أراضيها ويحقن دماء السوريين ويحقّق مصالحهم ويقرّره الشعب السوري سيكون موضع ترحيب وتبَنٍّ من قبل الدولة... لا يمكن تنفيذ أي مبادرة أو أفكار وضمان نجاحها إلا بعد القضاء على الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد". هذه التصريحات تشير إلى أن الأسد غير راض عن مواقف روسياوالولاياتالمتحدة، وإمكانية إبعاده السلس تدريجيا. وقد يصبح موقفه أكثر تشددا خلال الفترة المقبلة، لأسباب تتعلق بعدم حصوله على ما يريد، سواء لنفسه أو للمحيطين به، وبسبب إحساسه بأنه خرج مهزوما، بعد أكثر من 4 سنوات من الكوارث المتلاحقة التي دمرت سوريا تقريبا، وهو في سدة رئاستها. إن وسائل الإعلام الغربية لا تتوانى يوميا عن نقل معلومات وأخبار على لسان مسؤولين كبار (سياسيين وعسكريين) بشأن تحركات عسكرية وسياسية. وقد نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أمريكيين كبار قولهم إن الولاياتالمتحدة تدرس إرسال وحدات صغيرة من قوات العمليات الخاصة إلى سوريا، بالإضافة إلى نشر مروحيات ضاربة في العراق. وفي الوقت نفسه نفى البيت الأبيض وجود أي خطط لشن عملية أمريكية برية واسعة النطاق في سوريا. هذان التصريحان لا علاقة مباشرة بينهما، وفي الوقت نفسه لا تعارض بينهما أيضا. وفي نهاية المطاف تندرج مثل هذه التصريحات والمعلومات في إطار خطة محكمة للماطلة والتسويف وخلط الأوراق. مع العلم بأن القوات الخاصة الأمريكية موجودة منذ شهور طويلة في كل من سورياوالعراق، وتقوم بتنفيذ عمليات خاصة نوعية للغاية إلى جانب جمع المعلومات وتحديد أهداف معينة. البنتاجون يقترح أيضا على الإدارة الأمريكية إرسال عدد محدود من العسكريين الأمريكيين لكي ينضموا إلى فصائل الجيش العراقي التي تحارب في الخطوط الأمامية على ميادين المعارك ضد "داعش"، بالإضافة إلى دراسة إمكانية إرسال مثل هؤلاء المستشارين إلى صفوف الوحدات الكردية والمعارضة السورية "المعتدلة". وسيرا على منهج الروس في تصريحاتهم، قال العسكريون الأمريكيون إن "أي نشر لقوة أمريكية في سوريا، سيكون محدودا زمنيا، بالإضافة إلى كون مهمة الجنود محدودة ونوعية، إذ ستتضمن تقديم الاستشارات لمقاتلي المعارضة السورية والمساعدة في توجيه الغارات الأمريكية على مواقع تنظيم داعش". أما وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر فقد تعهد خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي يوم 27 أكتوبر الحالي بتكثيف العمليات العسكرية الأمريكية ضد إرهابيي داعش. وقال "إننا لن نتردد في دعم شركائنا المؤهلين في انتهاز الفرص التي تتاح لشن هجمات على داعش أو حتى في ما يخص تنفيذ مهمات مباشرة، بما في ذلك توجيه غارات جوية أو القيام بعمل مباشر على الأرض". وإذا أضفنا لقاء "رباعية فيينا" يوم الخميس 29 أكتوبر، ولقاء فيينا الموسع يوم 30 أكتوبر، وكذلك ما حدث في لقاء باريس الذي ضم 10 دول، متجاهلا روسياوإيران تحديدا، سنجد أن المبادرات تتزايد، والمناورات تتسع، ومحاولات توريط أكبر عدد من الدول تتواصل ليس بهدف إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، بقدر إطالة أمد الأزمة لتحقيق معادلات أخرى، ومعالجة ملفات عالقة بين موسكو وواشنطن، وتغيير تركيبة اللاعبين في المنطقة وطبيعة أدوارهم أيضا.