الايام المقبلة هى التى تملك الاجابة على التساؤل المتداول حاليا على نطاق عالمى بشأن استخدام السلطات السورية لاسلحة كيماوية ومواد سامة فى مناطق عدة من عدمه، وهو الاتهام الذى وجهته اطياف من المعارضة للسلطات، وعززته كل من واشنطن ولندن، فيما نفته السلطات السورية مؤكدة أن ماتناقلته تلك الجهات فى هذا الشأن يفتقد للمصداقية، وأن الهدف من هذه المزاعم هو «تكرار التجربة العراقية». بدأ فريق محققى الاممالمتحدة عملهم من خارج سوريا من خلال جمع وتحليل المؤشرات والمعلومات المتوفرة وذلك على ضوء إصرار الحكومة السورية على عدم إستقبالهم أو انتشارهم فى الاراضى السورية. والأسلحة الكيميائية تختلف فى تدميرها عن الاسلحة النووية على الرغم من أن كلاهما يعتبرمن أسلحة الدمار الشامل، فالاسلحة الكيماوية تستخدم لتدمير أو تحجيم أو الحد من نشاط مجموعة بشرية معينة لتحقيق أهداف مختلفة، وما تتميز به تلك الأسلحة هو تأثيرها على الكائنات الحية فقط على عكس الأسلحة النووية التي يكون تدميرها شاملا ومتعديا الحدود الجغرافية للمكان، وتصنف الأسلحة الكيميائية عدة تصنيفات، إما حسب شدة تأثيرها أو حسب إمكانية السيطرة عليها والحد من سرعة انتشارها. ونظرا لخطورة الأسلحة الكيماوية واتساع مدى تأثيرها، فلقد بذلت جهود دولية للحد من انتشارها واستخدامها منذ أواخر القرن الماضي، إذ شهدت مدينة لاهاي في العامين 1899 و1907 مؤتمرين تقرر فيهما منع استخدام القنابل التي تنشر الغازات الخانقة، وقامت منظمة الأممالمتحدة في الفترة ما بين الحربين العالميتين ببحث مسألة استخدام العوامل الكيماوية في الحروب، واتخذت قرارات بتحريمها في اتفاقية جنيف عام1925، ومؤتمر نزع السلاح 1932-1934، واستمر الاهتمام الدولي بهذه القضية حتى مطلع الثمانينات، وذلك رغم أن عددا كبيرا من الدول لا يزال يحتفظ بمخزون كبير نسبيا من هذه الأسلحة، كما تستمر الأبحاث الرامية إلى تطوير المزيد منها. ويعود استخدامها في الحروب إلى أقدم الأزمنة، إذ تشير المصادر التاريخية أن حروب الهند القديمة في حوالي عام 2000 ق.م شهدت استخداما للأبخرة سامة تسبب «الارتخاء والنعاس والتثاؤب»، كما استخدم الغاز في حصار «بلاتيا» إبان حرب البيلوبونيز، وتحوي مؤلفات المؤرخ «توسيديدس» وصفا لاستخدامه وآثاره. واستقر استخدام الأسلحة الكيماوية عبر العصور، إلا أن القرن العشرين شهد من بدايته تطورا هاما في إتقانها وتوسيع مدى آثارها، ومع حلول الحرب العالمية الأولى انتشر استخدام الغازات السامة التي لجأت إليها كافة الأطراف المشاركة فيها، وأدت الأسلحة الكيماوية إلى وقوع ما يتراوح بين 800 ألف ومليون إصابة في صفوف قوات روسيا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا والولاياتالمتحدة إبان تلك الحرب، وعلى الرغم من التطورات التي ضاعفت من قدرات الأسلحة الكيماوية، فإنها لم تستخدم إبان الحرب العالمية الثانية، غير أن الولاياتالمتحدة استخدمتها فى حرب فيتنام وخاصة في مجال تخريب المحاصيل وتدمير الغابات. ويتباين تأثير الأسلحة الكيميائية ما بين التأثير على قوى الخصم البشرية أو إعاقته ومنعه من الإفادة من مناطق ومواقع هامة أوعرقلة تقدمه أو ضرب أهداف في عمق الجبهة المعادية أو احداث تأثير نفسي وإضعاف الروح المعنوية في صفوف قوات الخصم أو التأثير على البيئة لخدمة القوات الصديقة ومخططاتها. ويمكن تقسيم الأسلحة المستخدمة في الحرب الكيماوية إلى «عوامل كيماوية سامة» و«غازات قتال» تتراوح فاعليتها وتأثيرها على البشر، و«المواد المبيدة للنبات» و«القنابل الحارقة»، ويمكن استخدام عدة وسائط لإيصال هذه الأسلحة إلى أهدافها، كالمدفعية والهاونات وقنابل الطائرات والصواريخ والرش من الجو والألغام والقنابل اليدوية وقاذفات اللهب. وتضم الأسلحة الكيماوية السموم الكيماوية و غازات الأعصاب «السارين ، وفى إكس، الفوسجين» وغاز الخردل السام، وبعضها سريعة المفعول كسيانيد الهيدروجين السام، وبعض هذه الغازات السامة لها روائح مميزة، فالخردل رائحته كالثوم، والخردل النيتروجيني له رائحة السمك ويسبب ثأليل بالجلد وتؤثر على التنفس والانسجة، واللوزيت ذو الرائحة الحلوة سريع المفعول، وأوكسيم الأكسجين وله رائحة نفاذة ويحدث تهيجا في الأنف والعين . ويمكن الوقاية من هذه الغازات بارتداء القناع المحكم والملابس الواقية ، وأن يكون القناع مزودا بمرشح «فلتر» المكون من حبيبات مسحوق الفحم النباتي النشط ، القادر علي امتصاص هذه الغازات من الهواء المستنشق ، وبصفة عامة للوقاية من هذه الأسلحة يكون بارتداء القناع الواقي والملابس الواقية مع عزل المناطق الموبوئة، واستعمال مياه وتناول أطعمة معروفة المصدر مع ملاحظة الطائرات منخفضة الطيران المشبوهة أو الغريبة، والاحتراس عند فتح الخطابات والطرود الغريبة مع ملاحظة وجود مساحيق أو مواد غريبة بها. ويعتمد الدفاع الناجح ضد الهجمات الكيماوية على الكشف المبكر لانتشار العوامل الكيماوية بهدف اتخاذ التدابير اللازمة وإعداد وسائل الوقاية والحماية، وفي حال تلوث منطقة بهذه العوامل، تفرض القيود على الحركة منها وإليها حتى يتم القيام بواجبات الوقاية والتطهير الضرورية. و مما لا شك فيه أن الأسلحة الكيماوية تشكل خطرا على البشرية جمعاء كغيرها من أسلحة الدمار الشامل، ويفاقم من هذا الخطر أن كل الدول تقريبا بما فيها الدول النامية والبلدان الصغيرة، بإمكانها الحصول على الأسلحة الكيماوية، لسهولة تحضيرها بمصاريف زهيدة وبسرعة فائقة في معامل بسيطة، تجعل السيطرة عليها ومراقبتها شديدة الصعوبة.