هناك ارتباط تاريخى وعروة وثقى تربط مصر وسوريا منذ قديم الأذل وعلى من يرى خلاف ذلك أن يتكرم علينا بمراجعة دروس جغرافيا وتاريخ إعدادى وثانوى يمكن يفتكر ويفهم. ومن هذا المنطلق فإن مناقشة الشأن السورى هي مناقشة لصميم الأمن القومى المصرى ولمستقبل واحد يربط مصير هذان الشعبان سواء رضينا أم أبينا. الموقف السورى الآن فى غاية التعقيد وعلشان نبسطه يجب أن نحكى الحكاية من أولها ونشرح شوية مصطلحات غير معروفة لكثير من المصريين: - من يحكم سوريا (العسكر): يحكم سوريا طبيب عيون اسمه بشار أحد أبناء اللواء الركن الطيار حافظ الأسد الذى استولى على الحكم بانقلاب عسكرى فى سنة 1970 واستمر ديكتاتورا عسكريا يحكم سوريا بالحديد والنار حتى مات (الله يرحمه) بعدها بأربعين عاما سنة 2000. بشار هو امتداد طبيعى لحكم الاب الديكتاتور بعد وفاته وهو أول (بروتوتايب) لحالات التوريث فى الجمهوريات العربية وكان نجاح بشار فى أن يرث حكم أبيه على الرغم من أنه مدنى وبمباركة من كبار العسكريين أصدقاء أبيه هو البروتوتايب الذى يجرى تسويق جمال مبارك على شاكلته للعسكريين المصريين: رئيس مدنى محاط تماما بعسكريين من زملاء وحلفاء الأب يحكم ظاهريا حكما مدنيا وإن كان فى حقيقته حكما عسكريا خالصا فكل وظائف الدولة العليا للعسكريين وكل المشاريع الكبرى أيضا للعسكريين.. وهكذا نقف أمام العالم المتقدم وندعى أنه يحكمنا مدنى بينما هو فى الحقيقة ماريونت لتجميل صورة النظام يتحكم فيها تماما العسكريين. من يحكم سوريا (الطائفة الدينية): يحكم سوريا منذ وصول الأسد الأب للسلطة طائفة تسمى العلويين وهم من غلاة الشيعة وأقلية ضعيفة العدد فى النسيج الطائفى السورى الذى يتكون من أغلبية سنية كبيرة وأكراد وشيعة ودروز (افتكر دروس التاريخ الإسلامى بتاع إعدادى: دمشق دي كانت عاصمة الدولة الأموية.. دولة معاوية التى هزمت على بن أبى طالب وشيعته واستولت على الحكم وأسست الإمبراطورية الإسلامية الأولى يعنى سوريا دى معقل من معاقل السنة منذ الأيام الأولى للفتنة الكبرى). وقد تسلطت الطائفة العلوية على الحكم منذ تولى الأسد الأب وخلال 40 عاما من حكمه تمت حالة كاملة من العلونة (على غرار الأخونة كده) لكافة الوظائف والمؤسسات الهامة مثل الجيش والشرطة والقضاء والمخابرات والوظائف الحكومية الكبرى حتى صار العلويين الذين هم فى الأصل طائفة من طوائف الأقلية أسياد سوريا يحكمون ويتحكمون فى رقاب وأرزاق كل السوريين. (طبعا هذا تلخيص التلخيص فى كيف سيطر العلويين على سوريا وهناك تفاصيل كثيرة عن دور حزب البعث ممكن تقرأ عنها فى كتب كثيرة لو حبيت) يحضرنى هنا وصف السادات لحافظ الأسد بعد خلافهما فى أعقاب كامب ديفيد كان يقول عن الأسد: "حافظ ده بعثى وعلوى يعنى مصيبتين فى بعض". - من يحكم سوريا (النتيجة): ملخص ما سبق أننا فى سوريا أمام حالة متقدمة من تزاوج الفاشية العسكرية (حكم بشار العسكرى فى حقيقته) مع الطائفية الدينية (حكم الطائفة العالوية منفردة) حالة كلاسيكية وصفها الراحل (فرج فودة) كنهاية حتمية للصراع بين الفاشية العسكرية والفاشية الدينية وهى أن تولد فاشية جديدة تزاوج بين الاثنين فترى الرئيس العسكرى ذو الكاب وقد نبتت له لحية وصار يحكم باسم الله بعد أن كان يحكم باسم الوطن.. هكذا وصل الحال بسوريا بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية فى الخمسينيات والستينيات وبعد حكم ديكتاتور طاغى مستبد لمدة 40 عاما. وصلنا إلى نهاية المطاف بسقوط ورقة التوت الأخيرة وتحول الجمهورية إلى جملوكية (مصطلح بغرض السخرية يقصد به جمهورية ملكية يعنى جمهورية اسما لكن الحكم فيها يورثه الأب للابن مثل الملكية) جملوكية سوريا العسكرية العلوية.. أظن مافيش أوحش من كده.. مش بس حكم عسكر لا وكمان حكم أقلية دينية متعصبة تحتكر البلاد لصالح طائفتها وتسخر كل إمكانات الدولة من أجل استمرار هذا الوضع البغيض. صبر الشعب السورى على بشار وعلى هذا الوضع البغيض قرابة الإحدى عشر سنة منذ تولى الحكم بعد وفاة أبيه فى سنة 2000 وحتى فجر الربيع العربى فى 2011 وكالعادة أجرى الديكتاتور الصغير تعديلات هامشية فى النظام.. قال يعنى فيه إمل فى الإصلاح وكده.. علشان الناس تسكت.. لكن فى الحقيقة أن روح السوريين كانت فعلا قد وصلت الحلقوم مع العلويين الطابقين فى رقبتهم منذ 55 عامًا ويزيد.. ومع نسمات الربيع العربى وبعد هروب بنى على ونجاح الثورة المصرية فى طرد مبارك بدأ السوريون ينتفضون ضد حكم العسكر والعلويين وضد بشار رمز كل هؤلاء وقد قاوم بشار هذا المظاهرات السلمية مقاومة شديدة عن طريق فرق الشبيحة (حاجة كده زى فرق البلطجية بتاعة الداخلية المصرية بالضبط) التى انتشرت تضرب أى مظاهرة سلمية ثم بعد ذلك تطورت الأمور حتى صار بشار وجيشه من العلويين يضرب المتظاهرين بالأسلحة الثقيلة ويلقى عليهم ببراميل المتفجرات من الطائرات ويفذفهم بالمادفع والصواريخ ويعاقب أى بلدة أو حى تظهر فيه مظاهرة بمنتهى القسوة والعنف.. وقد أدى عنف وقسوة بشار إلى ثلاثة أمور فى غاية الخطورة: أولا: حدثت انقسامات فى الجيش السورى وخرجت أعداد كبيرة منه على قيادتها وأسست الجيش السورى الحر وانضمت إلى الثوار ثانيا: قامت قوة خارجية ترغب فى إنهاء حكم العلويين الشيعة مثل السعودية وحلفائها بتسليح المعارضة السورية ودعمها دعما ماديا كبيرا من أجل أن تقضى على حكم بشار والعلويين إلا أن هذا التطور أدى هو أيضا إلى دخول إيران حليف سوريا القوى ومناصر الشيعة إلى جانب بشار ودعمه بالمال والعتاد وفى بعض الأحيان دعمه بالمقاتلين من الحرس الثورى الإيرانى وإلى جانب إيران دخل حزب الله اللبنانى يساعد أخوته الشيعة العلويين وهكذا تحول الصراع فى لحظة من صراع بين حاكم مستبد وشعبه إلى صراع دينى طائفى من الطراز الأول بين السنة بقيادة الجيش السورى الحر وبين الشيعة بقيادة بشار الأسد وحلفائه الإيرنيين وحزب الله. طبعا صراع كهذا لا يمكن أن يمر دون تدخل القوة العالمية فالروس حلفاء نظام الأسد منذ السبعينيات يملكون قواعد عسكرية بحرية هامة فى طرطوس فى سوريا وهى المنفذ الوحيد للأسطول الروسى على البحار الدافئة ولا يمكن استبداله ومن ثم تدخل الروس بمنتهى القوة داعمين لحليفهم ولحماية مصالحهم وعلى الجانب الآخر دخل الأمريكان بطريقة غير مباشرة من خلال عملائهم فى العراق ومن خلال السعودية وهكذا تم تدويل الصراع للأسف الشديد. ثالثا: ظهرت داعش (الدولة الاسلامية فى العراق والشام) هذا الكيان الخرافى المرعب الذى لا يعرف أحد من يموله ويقف ورائه.. داعش وجد له مرتعا خصبا فى وسط هذا الصراع الطائفى فالدواعش سنة متطرفين ويعتبرون القضاء على الشيعة جهادًا أكبر وأهم من القضاء على الصهاينة والطبيعى أنهم يقفون فى هذا الصراع ضد بشار العلوى ونظامه إلا أن الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير المستفيد الأكبر من خطر داعش هو بشار الذى نجح فى استغلال وحشية الدواعش فى التسويق لنفسه أنه يحارب الإرهاب بينما هو فى الحقيقة يحارب شعبه حتى اختلط الأمر على الكثيرين وتصوروا أن الدواعش هم الثوار وأن الثورة السورية تقودها داعش وهذا خلط مقصود لصالح بشار وضد الحقيقة تمامًا، فالمؤكد أن الدواعش حين يستولون على أى منطقة فإنهم يطلقون إرهابهم ضد الشعب الأعزل وليس ضد بشار وجيشه. طيب أنا بحكيلك الحكاية دى كلها ليه يا عم المواطن المصرى؟ علشان أؤكد لك أن مصيرنا ومصير سوريا واحد وأن الدفاع عن سوريا أمن قومى مصري لا نقاش فيه.. ولهذا لازم كلنا نهتم بالشأن السورى ونتابعه ونحاول نفهم فيه ويكون لينا فيه رأى نضغط به على صانع القرار المصرى... يعنى من الآخر الملف ده أخطر من أن يترك للسياسيين يلعبوا بيه لوحدهم لأن الحقيقة إن مش دايما بتكون مصالح السياسيين من مصالح الشعب.. مش عاوزة مفهومية دى وجربناها فى مصر مليون مرة ولا إيه؟ علشان تعرف الحقيقة وكيف بدء الصراع وكيف انتهى إلى ما انتهى له فلما واحدة مذيعة مأفونة تحاول تلعب فى دماغك وتقول لك (هو ده اللى حصل فى السوريين علشان ما وقفوش مع جيشهم) تقول لها (بس يا جاهلة.. يقفوا مع جيشهم إزاى وجيشهم هو اللى بيضرب فيهم وبيقتلهم؟؟؟) طبعا المذيعة دى وزمايلها من بالوعات الصرف الإعلامى بيستغلوا مأساة اللاجئين السوريين علشان يخوفوا المصريين من معارضة الحكم العسكرى ليس إلا. علشان لما تلاقى حد من السياسيين بيحاول ينقذ بشار ويضمن استمراره فى الحكم على جثث شعبه تعرف الحقيقة المجردة وهى إن كل الديكتاتوريين فى العالم بيقفوا مع بعضهم لإنهم عارفين كويس إن فى حاجة اسمها "domino effect" يعنى لما واحد ديكتاتور بيقع بيوقع كام ديكتاتور من اللى حواليه وهكذا فإن الدفاع عن أخيك الديكتاتور فى سوريا هو فى الحقيقة دفاعك عن نفسك (افتكر "بن على هرب" عملت إيه فى مبارك) لما تشوف أخوك السوري بيصارع الأمواج علشان يهرب تعرف إنه مش جبان زى ما مواسير الإعلام الطافح عندنا بتقولك لكنه يهرب بحياته من داعش وجيش بشار فى ذات الوقت ولو لم يهرب لقتله هذا أو ذاك وألقوا بجثته فى البحر هو وأولاده وعائلته كلها. يبقى على الأقل نضغط على حكامنا إنهم يحطوا فى عينهم حصوة ملح ويفتحوا اللجوء الإنسانى لإخواننا السوريين علشان كده عيب وحرام خاصة لما تعرف إن مصر بطلت تدخل السوريين من بعد 30 يونيو 2013.. أيوه اللى فاكر نفسه عبد الناصر هو اللى بقاله سنتين مانع دخول اللاجئين السوريين ولا حول ولا قوة إلا بالله. هي دي البرشامة (بس طلعت طويلة شوية) مش نفوق بقى يا مصريين؟