"240 حالة طلاق تقع يوميًا في مصر، لتصبح الأولى على مستوى العالم في نسبة الطلاق، التي ارتفعت إلى 40% على مدار النصف القرن الأخير، بمعدل حالة كل 6 دقائق، وبات في بلدنا 2.5 مليون مطلقة"، إحصائية مُفزعة أعلنها مركز الوزراء ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، بما يستوجب منّا جميعًا الانتباه والبحث حول ارتفاع نسبة الطلاق في مصر إلى هذا الحد. وأكدت الدكتورة هدى زكريا، أنّ الطلاق أصبح ظاهرة عالمية، جعلت دراسة أمريكية بعنوان "لماذا كل هذا الطلاق؟" تقول إن "الطلاق بات مرحلة من المراحل الزواج"، لكنها ظاهرة تستوجب الانزعاج لكونها تهدد التماسك الاجتماعي خاصة في ظل وجود أطفال، وتستوجب مواجهة مجتمعية لأسباب تلك الظاهرة. الزواج كان كاثوليكي عند المسلمين في مصر اعتبرت "زكريا" سقوط الطبقة الوسطى التي كان يقوم عليها المجتمع المصري قديمًا في السبعينات وما قبلها، سببًا أساسيًا في ارتفاع حالات الطلاق، قائلة "إن تلك الطبقة هي التي تربي المجتمع وكانت تفرض قيمها عليه لأنها كانت القاعدة العريضة التي يتشكل منها مجتمعنا، وكان من ثقافتها أنّ المسلمين يعملون على أنّ "الزواج كاثوليكى"، و"مفيش طلاق إلّا بالخناق"، فكانت حالات الطلاق مسألة استئنائية مقرونة بكونها أبغض الحلال، لكن التحولات الاجتماعية التي هدمت الطبقة الوسطى كسرت معها قيم تلك الطبقة وثقافتها الحميدة.
التفكير المادي الاستهلاكي
هذه حقيقة حسب توصيف أستاذة علم الاجتماع صاحبة الدراسة العلمية "التكلفة الإجتماعية للطلاق في مصر"، فتقول إن المال بدأ يتفوق على قيمة الإنسان في المجتمعات الحديثة، فلم يعد أحد يسمع كلمات كان يُعمل بها في مجتمعنا مثل "بدأنا حياتا من الصفر.. بنينا بيتنا معًا.. زوجي أغلى من المال"، لكن بات الأهل والفتيات يبحثن عن الزوج "الجاهز" الذي يملك الإمكانيات المادية الكافية من وجهة نظر الأهل.
ومن منطلق المادة تحوّلت قداسة الزواج في مجتمعنا إلى مجرد "عقد"، يتفق طرفيه على الطلاق وماذا سيحدث بعده، بدلًا من التوافق حول أسلوب الحياة والتفاهم، الكل بات يخطط كيف سينتهي الأمر.
وسيطرت المادة على مسار الحياة الزوجية في مجتمعنا، ليس في بداية الزواج ونهايته فقط، حيث بات الزوج والزوجة أيضًا يبحثان عن المال، تتلخص السعادة عندهم في الحياة الناعمة أكثر من التقارب الإنساني للزوجين والأبناء.
الأصحاب والأقارب يحرّضون
الدكتورة هدى زكريا، سلّطت الضوء على الأهل والأصدقاء في زيادة الخلافات الزوجية، قائلة "إن تدخلاتهم باتت تصل إلى حد التحريض على قطع العلاقة، فلم يعد أحد يحتمل الآخر، فباتت العلاقات ضعيفة وهشّة، فقديمًا كانت الأم تنصح ابنتها أن تظلل على بيتها وتجمعه في كنفها وتستوعب زوجها، وكانت تقول النصيحة الشعبية: "الأب يطفش والأم تعشش"، وكان الأهل يلزمون بناتهم بتفهم أزواجهم والنقاش في حالات الخلاف داخل منزل الزوجية بيتك هو بيت زوجك". لكن الآن بات الوسط المحيط من الأصدقاء أو حتى الأهل لا يدعم استمرار الزواج، بل ويحرضون على الانفصال، وبتنا نسمع كثيرًا عبارات "تستحمليه ليه.. أنت ايه اللى يجبرك على كدا".
الخلل في قيم الرجولة
"استرجلوا" هذه نصيحة وجهتها الدكتورة هدى للرجال، قائلة إن مجتمعنا بات يعاني خللًا في مفهوم الرجولة، حيث بتنا نرى كثير من الشباب مهزوزون، غير قادرون على مقابلة صعوبات الحياة، منهم من يتنازل عن أن يكون صاحب القوامة واليد العليا في تحمل مسؤلية الأسرة، والاتكال على المرأة لقضاء متطلبات الأسرة، علاوة على استغلال الزوجات ماديًا واضطهادهن لذلك.
وتؤكد أستاذة علم الإجتماع على أنّ العنف الأسري وتعدي الرجل على امرأته بالتعدي والضرب أحد مظاهر اختلال مفهوم الرجولة، علاوة على غياب مفاهيم النخوة والشهامة عن الشارع، حيث الافتقار إلى احترام المرأة وحمايتها والتأدب في التعامل معها. التأثير السلبي للإعلام نوهت أستاذة علم الإجتماع إلى أنّ الإعلام له تأثير سلبي على تدهور العلاقات الأسرية في مصر، وأنه أحد مسببات ارتفاع حالات الطلاق، بسبب التركيز على العنف، والنماذج الأسرية القبيحة، حيث بات المخرجون لا يكتفون بالإشارة إلى العنف أو معالجته بطريقة راقية، وإنما بات من المألوف مطالعة مشاهد صفع النساء وسحقهن ورطمهن في الحوائط إلى ذلك من طرق التعدي بالضرب.
وأضافت: "الإعلام هزم لغة الخطاب الجميلة، واتجه إلى العنف وهو دائمًا مرتبط بالتعاسة ويطرد المحبة، ومشاهد العنف تتركز أكثر من غيرها في الذاكرة".
النساء من الزهرة والرجال من المريخ
تؤكد أستاذة علم الإجتماع أنّ الزواج ليس حياة تسير بالفطرة، وأن دراسات على المقبلين في الزواج بمصر، أكدت أنهم لا يعلمون عنه شئ، ويعتقدون أنّ الحياة ستكون طبيعية ويسيرة بعد الزواج، وإنما هي مسؤلية يجب أن يقرأ عنها ويتثقف ويستعد لها المقبلون عليه، ونصحت بقراءة كتاب "النساء من الزهرة والرجال من المريخ" ل"جون جراي"، قائلة إن اختيار الشريك من بيئة اجتماعية وفي مستوى تربية وتعليم مقارب، يعد استكمالًا سلس لحياة الشخص الطبيعية. وإن لم يكن ذلك فإن البشر ليس بينهم اثنان متطابقان على الإطلاق، والحياة الزوجية ليست "سينمائية" بأنها قصة الحب التى تنتهى بالزواج، لكن الزواج هو بداية المسؤلية وبداية تعارف حقيقية بين كوكبين مختلفين، يتآلفان ويتفاهمان باتساع الأفق واستيعاب الاختلاف والتفاهم والمساندة.