من حال إلى حال، نعيش الآن أقسى لحظات الإهانات المتتالية.. يحكمنا الأن رجل، لا يعرف للاحترام سبيلًا، ولا يعرف أى معنى لاحترام الذات أو احترام شعبه، الذى للأسف أصبح رمزًا له.. يحكمنا الآن رجل، يسعى بكل قوة منذ اليوم الأول لحكمه، لهدم كل ما اكتسبناه من احترام العالم، عندما خرجنا على حاكم ظالم، وبدلناه. يُفقِدنا كرامتنا، التى عادت إلينا بالثورة، ولم يكن ثمن هذه الكرامة هيِّنًا بالمرة.. يتلاعب بنا كأننا أطفال لم نتعدَّ الثالثة، ويتعامل معنا على أننا شعب من الجهال.. لا يعنينى حكمه، ولا تعنينى جماعته، ولا يعنينى أحد من المعارضين أو الداعمين لحكمه. يعنينى أمر واحد، هو كرامتى كمصرى، وُلد وتَربَّى، وهو يحلم بشىء واحد.. أن يشعر أن الجنسية التى ينتمى إليها، لها احترامها، وأن انتماءه إلى وطنه، يجعله على قدم المساواة، مع أى بشرى آخر على هذا الكوكب.. عندما سُئلت بالأمس الأول، لِمَ شاركت، وآمنت بالثورة، كانت إجابتى: لكى أشعر أنى حر فى وطنى، وأملك كرامتى، التى لن يستطيع أحد سلبها منى.. وأن مفجر الثورة الحقيقى، هى الشرطة المصرية، وما فعلته قبل الخامس وعشرين من يناير، والدماء التى أسالتها فى الثامن والعشرين منه (عيد الثورة الحقيقى عندى هو الثامن والعشرون، لا الخامس والعشرون).. كنت جزءًا من الثورة، لكى يعود لى وطنى، ويصبح وطنًا لكل المصريين.. الجاهل قبل المتعلم، والفقير قبل الغنى، والمُعوِز قبل القادر.. كان ذلك أملى.. لكن للأسف، يصر من يجلس على الكرسى الآن على هدم كل شىء له علاقة بهذا الأمل. يصر من يجلس على كرسى الرئاسة، على أن يجعلنى أشعر بالعار من كونه رئيسى، ومن كونه يسىء بشكل يومى لهذا الوطن... رئيس لا يعرف قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه، لكونه رئيسًا ل85 مليون إنسان.. لن أتكلم عن الحضارة، أو العراقة، أو التاريخ، أو ما خلّفه لنا أجدادنا من معرفة. فقط يشعر بالمسؤولية عن أنه يحكم 85 مليون إنسان.. يشعر أنه أصبح الرمز لهذا الوطن، سواء شئنا أم أبينا.. فهو رئيس جمهورية مصر. هو رئيس ذلك المستطيل الذى يقع فى قلب العالم القديم.. هو رمز -للأسف- لهذا الوطن. لكن من أين يأتى الإحساس بالكرامة أو الاحترام، من جماعة اعتاد رؤساؤها التسول على موائد أمراء ومشايخ الخليج؟. أتتوقعون عندما يقابل أى حاكم دولة من هؤلاء، مرسى أو غيره، أن يعاملوهم بطريقه مختلفة؟. أتتوقعون أن يعاملوا ماسحى موائدهم بالأمس، على قدر المساواة؟. وكيف، ومن يمثلوننا لم يشعروا أصلا بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وما زالوا يتعاملون بنفس أداءات التسول المعتادة، التى لم يخفوها، لدرجة أنهم ذهبوا للتسول من العراق، وردّت عليهم حكومة العراق ب«الله يحنن»؟ كيف يحترمهم العالم، وهم لم ينسوا ماضيهم القائم على التزلف، والخنوع، وما زالوا يمارسونه؟ كيف يحترمهم أحد؟. رجل يتكلم بحديث الأصابع التى تدخل وتخرج، ويعيدها، ويكذب، ويغيِّر كلامه. أتتوقع أن يحترم أحد رجلا، يعبث بأعضائه التناسلية أمام امرأه؟. أتتوقع أن يحترم العالم رجلا يخاف وترتعد فرائصه من السخرية، فيقرر أن يستدعى نائبُه العامّ كوميديَّين مصريين ويغرمهما عشرين ألف جنيه على سبيل الكفالة؟. أتتوقع أن يكون لهذا الرجل أى مصداقية أمام العالم، وهو يرفض أحكام القضاء، وبدلا من أن يعزل نائبه العام، وينتظر أن يرشح مجلس القضاء نائبا عاما جديدا، يتمسك هو بذلك النائب، ويعين له مساعدا من جماعته، بشكل احتياطى؟. يبدو أننا سنظل فى دائرة الرئيس الاحتياطى والنائب العام الاحتياطى فترة طويلة، ويبدو أنهم يعدون الآن شعبا احتياطيا ليحكموه.. أشعر بالعار من كون هذا الرجل يمثل هذا الوطن.. أشعر بالعار من كونه رمزا لهذا الوطن.. أشعر بالعار وفقدت أى قدرة على الضحك على تصرفاته.. لم أعد أشاهد برنامج باسم يوسف، ولم أستطع إكمال حلقة جون ستيوارت التى قام فيها بمسح بلاط الأرض بهذا الذى يُدعَى رئيسًا.. وعلى الرغم من ذلك لم أعد أضحك. وكيف أضحك على أن العالم يتعامل معنا على أننا ناقصو الأهلية، لدرجة أن رجلا كهذا يحكمنا؟ كيف أضحك، وحالنا بسببه من سيِّئ إلى أسوأ فى مقياس الاحترام؟. كيف أضحك، ويغادرنى إحساسى بالعار؟. كنت أحلم بعد مبارك، الذى كان نفس شعور العار يلازمنى بسبب حكمه لنا، أن ننتهى من تلك المأساة، وأن أى حاكم سيأتى بعده سيتعلم الدرس.. درس أن مبارك قد خُلع، لأنه أهان شعبه، بالدرجة التى لم يستطع أحد احتمالها.. كنت آمل أن من سيأتى بعده سيخشى شعبه.. كنت آمل أن من سيأتى بعده، مهما كان سيئًا، لن يكون أسوأ منه.. لكن للأسف كنت مخطئًا، فمن كان بينهما الاختيار، فى النهائى، لا يصلحان لإدارة مزرعة مواشٍ، لا وطن ببشر، وتاريخ، وجغرافيا.. للأسف، يبدو أن من تَعوَّدوا التسول، لن يتخلوا عنه، وإن أهانهم أمير دولة ميكروسكوبية، عبارة عن قاعدة أمريكية كبرى، ومحطة إعلامية. العار تغلغل فينا، أصبح جلدا، أصبح هواءً، أصبح يمضى فى دمائنا، ومن فعلوا ذلك بنا، مستمرون فى دناءتهم.. لنا الله.