الصدفة وحدها قادتنى لكى أشاهد على شاشة التليفزيون جزءا من اجتماع مجلس الشورى الذى أثيرت فيه قضية إصابة عدد كبير من أبنائنا طلاب الأزهر بالتسمم أو التلوث الغذائى بعد تناولهم الطعام فى المدينة الجامعية. أسعدنى الاهتمام بالواقعة بعد حدوثها بساعات. لا بد وأن هذا أسلوب جديد سوف يساعدنا على كشف الحقائق ومعاقبة المخطئين فى وقائع أخرى أخطر وأسوأ!! سقط فيها ضحايا، ومات فيها أبرياء، ويستطيع الإخوة فى «الشورى» أن يشاهدوا أيضا تسجيلات لها، كما فعلوا مع التسجيل المعد سلفا عن مطاعم المدينة الجامعية. أنا أعرف -مثلما يعرف أعضاء «الشورى»- أن هناك تسجيلات لما تم من وقائع تعذيب فى أحداث «الاتحادية» ومن قتل متعمد للثوار، ومن سقوط أربعين شهيدا بالرصاص الحى فى يوم واحد ببورسعيد (ارتفعت الأعداد إلى خمسين بعد ذلك) ومن تحرش واغتصاب من فرق مدربة ومنظمة، ومن حرق لمقرات صحف واعتداء على الصحفيين. أعرف ذلك كله، وأعرف أن هناك فرقا، وأن هناك مجلس شورى يرى ما يريد أن يراه ويغمض عيونه عن أى شىء آخر!! وقد اختار أن يشاهد العرض المصور لمطعم المدينة الجامعية، فى الوقت الذى كانت فيه مجموعات من طلبة «الإخوان» تقتحم مشيخة الأزهر الشريف، وتحاول الإساءة إلى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب!! رغم ذلك كله، ورغم أنى أعرف أن ما يحدث ليس بعيدا عن المحاولات المستمرة من «الإخوان» وحلفائهم لإقصاء الإمام الأكبر، ولا عن الصراع المستمر بين حكم إخوانى يتاجر بالدين، وأزهر شريف يمثل الإعلام الوسطى باحترام وتقدير شعب مصر، بل والمسلمين جميعا فى مشارق الأرض ومغاربها.. رغم ذلك كله فقد توقفت عند تعليق الأخ عصام العريان عن الواقعة فى أثناء مناقشات مجلس السبعة فى المئة الشهير بمجلس الشورى.. ففى محاولة لإدخال الإمام الأكبر فى القضية، تحدث العريان عن أن المسؤولية تتعدى المسؤولية الجنائية والإدارية إلى.. المسؤولية السياسية!! وهنا بدأ التلعثم يسيطر على الموقف.. ليس فقط لأن العريان وزملاءه يعرفون أن الحديث عن المسؤولية السياسية سيأتى بالأخ الرئيس متهَمًا فى أحداث كثيرة، بدءا من شهداء سيناء وحتى شهداء بورسعيد وشباب الثوار، ولكن أيضا لأن العريان يعرف أن المسؤولية السياسية فى حادثة التسمم فى المدينة الجامعية بالأزهر تقع على الوزير المختص.. وهو -لمن لا يعرف- ليس الإمام الأكبر، بل هو رئيس الحكومة هشام قنديل الوزير المختص بشؤون الأزهر وفقا للقانون!! لهذا توارى سريعا الحديث عن المسؤولية السياسية، وتركز الهجوم على الإمام الأكبر.. ولأسباب معروفة، والثأر من الأزهر الشريف مطلوب عند الجماعات الفاشية التى تتاجر بالدين وتنشر التطرف وتعرف أن خصمها الرئيسى هو اعتدال الأزهر ودفاعه المستميت عن صحيح الدين، ولا تنسى مواقف للأزهر وللإمام الأكبر فضحت مخططاتهم لإعادة مصر إلى القرون الوسطى، أو لبيع مصر ورهن إرادتها، كما حدث فى مشروع «الصكوك الإسلامية» التى رفضها الأزهر الشريف، فجردوها من «إسلامها» لكى يستطيعوا تمريرها، لكن الأزهر رفض التحايل، واستعد ليقول كلمته من أجل الله.. والوطن، كما قالها من قبل وهو ينحاز للدولة المدنية، ويصدر وثيقة حرية الرأى والتعبير، ويدعو للحفاظ على الوحدة الوطنية التى تتعرض للخطر، ويؤكد حقوق المرأة التى كرمها الإسلام، ويريد الفاشيون الجدد أن يعيدوها إلى عصر الجوارى تحت حكم المماليك والأغَوات!! معركة استقلال الأزهر والحفاظ على اعتداله ووسطيته هى معركة مصر كلها، لن يكون الأزهر الشريف أبدا سلاحا فى يد الفاشية، ولا قاعدة للتطرف. سيظل يمثل روح مصر وصحيح الإسلام.. وسيبقى حصنا يدافع عن الدين ويحمى الوطن. تحية للإمام الأكبر الصامد فى وجه عاصفة الإرهاب، وتحية لعلماء أفاضل يرفضون الاستبداد. والمجد للأزهر قلعة للوطنية الحقة والإسلام الصحيح.