على عكس كثيرين، أعتقد أن عودة الأحزاب الغيبية إلى استخدام شعارات دينية شىء إيجابى. لماذا؟ لأنها الآن فى السلطة. وقد فشلت فشلا ذريعا يشعر به المواطنون. ومن ثم فسوف يوفر شعار «الإسلام هو الحل» فرصة تاريخية لقلش (سخرية) من النوع المصرى. طبعا الفرصة العظيمة ليس أننا سنضحك من هنا للصبح، فنحن نفعل ذلك كثيرا منذ آخر يونيو، لدرجة أننا أُصبنا بتخمة من الضحك. ولكن الفرصة هى أن الشعار نفسه سيُبتذل. سيصبح بلا قيمة. إن أردت لشىء أو شخص أن يصير بلا قيمة فابتذليه. حتى الإخوان يعرفون ذلك. ولذلك يقدمون من لا يمانعون فى ابتذاله إلى الصدارة، لكى ينشغل الناس به. ما لهذا وشعار الإسلام هو الحل؟ معناه أنه على العكس من الوجوه التى يقدمونها، وتعدد طبقاتها، فإنهم فى السياسة بلا خيال. ليس لديهم إلا هذا الشعار الدعائى، هذا الشعار الدخانى الذى يستخدمونه للتعمية على البلطجة و«سرقة البنك». وأنهم يعلمون أن فرصتهم الآن، وشعبيتهم الآن، بالمعايير الموضوعية، أقل كثيرا مما كانت عليه فى الانتخابات السابقة. وأن مشروع النهضة طلع فنكوش، فعادوا إلى كنزهم الاستراتيجى. شعار «وهمى» آخر. لكن على عكس مشروع النهضة اللى شبع «قلش»، فسوف يأتوننا بشعار يظنون أن أحدا لن يجرؤ على وصفه بأنه وهم. أو هكذا يظنون. لأن الإيجابية الثانية فى استخدامهم للشعار، بعد أن ثبت فشلهم، هو أننا سنقول ما كنا نقوله سابقا، ولكن بثقة أكبر. سنقول إن جملة «الإسلام هو الحل» فى هذا السياق عبارة عن وهْم كبير. سنقول ذلك بصراحة ودون خجل وبلا استدراكات، مدعومين بتجربتهم حتى الآن. سنقول بصراحة إن الإسلام السياسى كان وبالا على كل بلد حكم فيها. كل بلد بلا استثناء. وأنا أقول بلا استثناء وأقصد بلا استثناء. لأن حزب العدالة والتنمية التركية حزب عالمانى كما قال أردوغان نفسه. بالإضافة إلى أنه حزب يعمل ضمن أسس دولة عالمانية. قارنى إن شئت بين الدستور التركى والدستور المصرى. وبمنتهى البساطة، انظرى إلى حال الدول التى يحكمها الإسلامجية وإلى حال الدول العالمانية وقارنى بنفسك. وما دمنا فتحنا باب الشعارات الدينية فسيكون من حقنا أن نقول فى دعايتنا ضد الأحزاب الغيبية إن «الإسلام هو طائر النهضة». والمقصود هنا طبعا لفظة الإسلام كما هى مستخدمة فى شعار «الإسلام هو الحل». أما الإسلام، كدين، فهو كغيره من الأديان السماوية والبشرية، يرغب فى إصلاح حياة الناس. لو كان للإخوان نظراء فى الصين، لقالوا إن «البوذية هى الحل»، وفى الهند لقالوا إن «الهندوسية هى الحل»، ولضحكت عليهم شعوبهم. بل ولَضحِك المصريون عليهم. وهذا أحد طباعنا المهمة جدا فى مسيرة فشلنا الطويل. ما هو؟ قدرتنا على السخرية مما يفعل الآخرون. وعجزنا عن السخرية مما نفعل نحن. لو كان «الدين هو الحل» فى السياسة ما كانش حد غلب. كل إنسانة فى الدنيا تعتقد أن دينها أفضل دين. لذلك تؤمن به. لكن الفيصل فى نجاح المجتمعات هو اجتهادات أفرادها، ومجهوداتهم. لذلك فإن أمريكا العالمانية (ذات الأغلبية المسيحية) دولة متقدمة جدا، وكذلك بريطانيا، وفرنسا، وبعدها إيطاليا، وهناك دول إسكندنافية العالمانية (والتعددية مجتمعيا)، ولكن ليس فى القائمة دولة «إسلامية» واحدة. فضلا عن دولة محكومة بالإسلام السياسى. وللتأكيد على الدور التاريخى العريق، ستجدين حضورا لا بأس به أبدا من الدول المحكومة بالإسلام السياسى فى ذيل القائمة. لذلك فإن كائن المريخ، المحايد، اللى لا من دينك ولا من دين غيرك، لو زار الأرض واطّلع على شؤون أهلها، لقال لكِ بالفم المليان «أنت الحل» «الإنسان هو الحل». إن لم تسمعى كلامه، فسيتعجب، ويتدروش، وهايرجع المريخ يقلش عليك.. عليك إنتِ. أيوه إنتِ.