مصر أصبحت «الباب الدوار» للشرق الأوسط.. والقرار المصرى تحرَّر من الضغوط الخارجية والذاتية حوار - أحمد سعيد حسانين ومحمد البرمى تحولات ومتغيرات عديدة تشهدها المنطقة العربية والإقليمية والدولية فى الوقت الراهن، نتيجة صعود وهبوط بعض الأدوار فى المنطقة، أبرزها الاتفاق النووى الإيرانى الذى يسمح لإيران أن تكون قوة رئيسية فى منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن تنامى الدورَين الصينى والهندى، وهو ما استدعى الرئيس عبد الفتاح السيسى للقيام بجولة مكوكية تشمل عدة دول تأتى فى مقدمتها روسيا، لتفعيل العلاقات الدولية بين مصر وتلك الدول وجذب المزيد من الاستثمارات وإيجاد حلول لبعض الملفات، على رأسها الأزمة السورية. «التحرير» التقت السفير رؤوف سعد، سفير مصر السابق لدى روسيا، لتفتح معه كل الملفات الرئيسية، ولتطرح عليه كثيرًا من التساؤلات حول كثير من القضايا الراهنة قبل زيارة الرئيس السيسى إلى روسيا. وإلى نص الحوار.. ■ بداية.. كيف يمكن أن تستفيد من التقارب المصرى- الروسى دون الإضرار بمصالحنا الاستراتيجية؟ - أريد أن أؤكد أنه من غير الجائز أن نتناول علاقتنا مع روسيا إلا من مدخل استراتيجى، نتناول خلاله المداخل الإقليمية والعربية والدولية، ولا بد أن نتفق على أمرين رئيسيين، أولهما أن العلاقة بين القاهرةوموسكو فى أثناء وجود السيسى وزيرًا للدفاع كانت تشهد تفاهمًا غير معلن، إنما مفهوم لدى الطرفين، وكانت ركيزته الرئيسية أن مصر لا تسعى لاستبدال الشركاء، وأن الانفتاح على موسكو لن يكون على حساب علاقتنا مع الولاياتالمتحدة. والأمر الثانى، أن الروس تأكد لهم أنه يوجد فى الشرق الأوسط ما يمكن أن نسميه ب«الباب الدوار»، وأن هذا الباب يشبه باب الدخول والخروج، فالتجربة والتاريخ والجغرافيا وكل شىء أثبتت جميعًا أن مصر هى الباب الدوار للشرق الأوسط، وهذا التطوير فى العلاقة يأتى فى مرحلة بالغة الأهمية بالنسبة إلى مصر وروسيا. ■ من وجهة نظرك، فكيف تفسّر تباين الموقف الروسى عقب ثورتى يناير ويونيو تجاه العلاقة مع مصر؟ - أعتقد أن الروس أثبتوا أن لديهم ذكاءً سياسيًّا كبيرًا وأنهم يتفهمون مصالحهم بشكل واضح ودقيق، من خلال الموقف الذى اتخذه الرئيس الروسى بوتين من ثورة 30 يونيو، وهى ليست مسألة انتهاز فرص بل مسألة واضحة، قد لا تكون واضحة للجميع أو معروفة لديهم، وهذا الأمر يؤكده التباين بين الموقف الروسى فى 25 يناير و30 يونيو، حيث كان الموقف الروسى فى 25 يناير لإثبات الوجود وتسجيل موقف فقط، فكان موقفًا باهتًا وعاديًّا وأقل من العادى كذلك، لأنهم لديهم موقف مبدئى بأنهم ضد حركات الشارع لظروف خاصة بروسيا، لوجود قوميات عديدة بها، أما فى 30 يونيو فالموقف مختلف ولا بد أن نتفهم ذلك فى إطار أن روسيا لها موقف محدد من الإسلام السياسى والإخوان المسلمين، وهم سبقونا بعقد كامل فى تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية فى 2004، بقرار من المحكمة الدستورية العليا، إنما نوعية هذه الخطورة أمر يخص روسيا، لأن بها أكثر من 30 مليون مسلم، وخصوصية الموقف تأتى من الدين فى روسيا سواء إسلامًا أو مسيحية أو يهودية، نظرًا للتركيبة التاريخية لروسيا، فالدين هو تعبير عن الهوية أكثر منه للعقيدة، وعندما ترتفع نبرة الهوية ترتفع نزعة الانفصال والاستقلال، وبالتالى إذكاء تلك الروح الانفصالية مسألة ليس بوسع روسيا أن تتحملها، ولن تقبل تحت أى ظروف أى انفصال آخر، ناهيك بأنهم تألّموا كثيرًا من العمليات الإرهابية، وهم يقرؤون التاريخ جيدا ويعلمون مَن هم الإخوان المسلمين، وبالتالى كان سقوط الإخوان المسلمين فى مصر انتصارًا مباشرًا لروسيا. ■ تحدَّثت كثيرًا عن قضية المصلحة المشتركة التى تحكم العلاقة بين الدولتَين، فما هذه المصالح التى تجمع الطرفَين؟ - حينما نتحدث عن المصالح، فهناك جزء ثنائى وإقليمى ودولى، فالجزء الثنائى يتجسد فى خروج روسيا من مصر عام 1972، إذ كان بمثابة ضربة ضخمة أثرت فى المصالح الروسية، لأن الشرق الأوسط كان بمثابة المنطقة المتاخمة التى لا بد من الوصول إليها، وروسيا وَفقًا لنظرية الباب الدوار خرجت خروجًا يحمل القطيعة ولم يعد يرتقى إلى مستوى الوجود الاستراتيجى، ولكنَّ هناك تعويضًا حدث ولو جزئيًّا للخروج الروسى من خلال الملفَّين الإيرانى والسورى، حيث نجحت بشكل كبير فى هذين الملفين، وظل هذان الملفان يشكلان تعويضًا جزئيًّا لخروج روسيا، ولكن ليس بشكل كلى عن الخروج من مصر، وبالتالى عودتها لمصر كانت واجبة، فروسيا اليوم ليست كما الاتحاد السوفييتى أمس، ومصر اليوم ليست قبل ما 25 يناير، وهم يدركون أن مصر تدير السياسة الخارجية حاليًّا بنوع من البرجماتية والانفتاح على الجميع وعدم الانغلاق، فهناك حالة فى التاريخ المصرى أن الشعب المصرى يتحرك فى الدولة بصفته مالكًا لا أجيرًا، وأن هناك علاقة جديدة بين الشعب وبين القيادة السياسية لهذا النظام أثبتت أنها تتجاوز مرحلة الشعارات. ■ وهل تسعى مصر لدخول منظمة شنغهاى بمساعدة روسيا لا سيما بعد الموافقة عليها كمراقب؟ - شنغهاى تركيبة مختلفة، والدخول بها من عدمه لا بد أن يتوقف على تقييمنا لمدى الفائدة والمصلحة التى ستعود عليها، فالبريكس هو الباب الذى يجب أن يُفتح حاليًّا، لأن النظام الاقتصادى والتجارى الدولى يدخل حاليًّا فى تحولات كبيرة للغاية، وتعثر المفاوضات فى نظام التجارة العالمية أدَّى إلى إفراز أن الترتيبات الأقاليمية «التى بين الأقاليم»، أصبحت تتكاثر وتتعدد، لأنه فى ضوء التعثر فى ضوء النظام التجارى الدولى تنشأ ترتيبات إقليمية تضع القواعد بما لا يتعارض مع قواعد التجارة العالمية، إنما بما يتجاوز العقبات التى تقوم بتحرير التجارة وتأخذ خصوصية العلاقات والاقتصاديات، وبالتالى فالتركيبة الخاصة ببريكس فريدة، لأن بريكس أنتجت تجمعا فيه الصين والهند وهما بمثابة نصف العالم، وكذلك يضم روسيا بقوتها وإمكاناتها، بالإضافة إلى البرازيل وجنوب إفريقيا، إلى جانب ما تمارسه البريكس من تأثير وثقل دولى، وهو ترتيب إقليمى يتزايد وجوده بصفة مستمرة، وأصبح يحسب له ألف حساب. واللافت للنظر أن مصر تقوم بمفاوضات حاليًّا مع اتحاد اليوروآسيوى، وهذا الاتحاد جزء كبير منه سياسى والذى عجّل بإنشائه هو الأزمة الوطنية، لأن روسيا تحاول وقف المد الغربى إلى دول الاتحاد السوفييتى السابق. ■ هل التقارب المصرى- الروسى سيكون له تأثير فعال فى محاولة إيجاد حل للأزمة السورية؟ - أود أن أؤكد أن الملف السورى معقد ومركب للغاية، والموقف المصرى والروسى من أكثر المواقف المتقاربة فى هذا الملف، والحل السياسى هو المدخل الرئيسى لحل الأزمة، فهناك تخوف من سقوط نظام بشار الأسد حتى لا يخلق وجود إرهاب جديد، والمسألة لا تقوم على بقاء نظام من عدمه، بقدر ما هو الحفاظ على سيادة الأراضى ومنع سقوط النظام فى يد الإرهاب، لذلك الملف السورى يمر بتعقيدات عديدة للغاية، والأيادى تكاثرت خلاله، والتوافقات والتحولات فى المواقف عديدة، ولكن الأمر وصل إلى ضرورة المزيد من التعاون وتلاقى الفكر، حتى يمكن تنظيم الحركة الثنائية أو المفردة بين كلٍّ من مصر وروسيا. ■ وهل يمكن أن تكون روسيا بوابة تقارب مصرى- إيرانى؟ - التجاهل الإيرانى يجُافى المنطقة، ومن المخطئ أن يظن أحد أن «الخارجية» بعيدة عن هذا، فالمنطقة ككل مقبلة على تغيرات هائلة، فهناك صعود وهبوط فى الأدوار، ونحن نعلم أن إيران دولة كبرى لها تأثيرها وتاريخها فى منطقة الشرق الأوسط، فهناك ملفات خطيرة للغاية ملتهبة، وإيران ومصر تمثلان أكبر دولتين فى الشرق الأوسط، ونحن ندير العلاقات مع إيران بعقلانية شديدة للغاية، وعدم المعرفة بالتحركات التى تجرى بأشكال مختلفة يعطى الانطباع بأن الملف غائب، ولكن هذا حاضر جدًّا فى رأى صانع القرار، ومؤسسة الخارجية وروسيا من المهم وجودهما، ولكن طبيعة سخونة الملفات فى المنطقة لا بد أن تستدعى هيكل العلاقات الإقليمية فى المنطقة. ■ وفى ظل هذه التحولات.. هل تقف أمريكا موقف المتربص فى ظل ما تشهده العلاقات المصرية- الروسية فى الوقت الراهن؟ - للأسف نحن يُعشش فى أذهاننا نظرية المؤامرة، فللإجابة عن هذا السؤال لا بد أن نراقب تطور الموقف الأمريكى منذ 25 يناير حتى الآن، إذ سنجد أن هناك تطورًا هائلًا، لأن الموقف تحكمه المصالح، لذلك فالذكاء السياسى للرئيس السيسى أنتج لديه مشروع قناة السويس الجديدة، وكان يُسارع فى تنفيذ هذا لأنه يعلم مدى التأثير السياسى المباشر لمثل هذا المشروع للعالم الخارجى قبل العالم الداخلى، بأن مصر دولة مستقرة وقادرة على أن تهزم الشر بالخير وأنها تنجز إنجازات غير قابلة للتكرار، وأمريكا مقبلة على تغيير أساسى فى المنطقة ليس فى الانتخابات الأمريكية المقبلة، ولكنها مقبلة على اتخاذ قرار استراتيجى منذ أكثر من 4 سنوات وهو أن تنقل وجودها الاستراتيجى إلى آسيا والباسفيك. ■ وكيف ترى حدود الدور الروسى فى المنطقة بعد الاتفاق النووى مع إيران؟ قبل أن أجيب عن هذا التساؤل أريد أن أؤكد أنه من الناحية الفنية مصر لن تستفيد من الاتفاق النووى الإيرانى سوى الاستفادة من الخبرة الروسية فقط، ولكن بعض المتخوفين يرون أن الاتفاق النووى الإيرانى سيؤدى بعد 10 إلى 15 سنة إلى إنتاج إيران القنبلة النووية، وهذا يضمن لها أنها سوف تصبح المتحدث باسم منطقة الشرق الأوسط، وتكون لها الهيمنة السياسية أو الشيعية أو أى شىء آخر، وهذا الأمر ليس يسيرًا، لأن إيران ليس من مصلحتها أن تدخل فى عداء مباشر مع الدول الغربية وكذلك الدول المحيطة والمجاورة، فبالمقارنة بموقف إسرائيل نجد أن تل أبيب رغم أنها قد تكون منقطعة عن منطقة الشرق الأوسط، فإن حجم تعاملها وتجارتها مع الدول الغربية هائل وضخم، ولكن إيران لا تستطيع أن تضع نفسها فى موقف عدائى من الجانبين، لأنه سينعكس على الشعب الإيرانى، رغم أنه عانى بما فيه الكفاية، وأظن أن إيران استفادت من التخوف من صنع القنبلة النووية أكثر من أى شىء، فعلاقة إيران بالغرب تمثل هدفا ثمينا ليس من السهل التضحية به، أيضا لا يمكنها أن تدخل فى عداء مع دول الخليج، لأن هذا الأمر سيكلفها كثيرا، وأتوقع أنه قد يحدث ما لا يعتقده الآخرون، وهو أن تقدم إيران على انفتاح أكثر مع الغرب، لأن المكون الطائفى قد لا يصبح الركيزة الأولى التى تعتمد عليها بالمقارنة بالجانب الاقتصادى والتجارى، وكذلك إيران تقدر حجم وتأثير مصر، وهناك دائما مؤشرات مباشرة وغير مباشرة أنهم يريدون عودة الحوار مع مصر مرة أخرى، ولكن المنحى الذى ستأخذه إيران أمر لا يمكن الجزم به، لذلك أعود وأقول إن التاريخ والجغرافيا والخبرات والعقل تقول إن هناك ميزانا سياسيا لمنطقة الشرق الأوسط يدعى الباب الدوار هو مصر. ■ وماذا عن الملف النووى فى المباحثات المشتركة بين مصر وروسيا؟ - استخدام المجال النووى فى الأغراض السلمية أحد أهم أهداف روسيا فى التعامل مع مصر، وهذا التعاون يستطيع أن يطرح نفسه بقوة، لأنه قدم أوراق اعتماده بنجاح فى إيران وأثبت أنه يملك التكنولوجيا والقدرة على الإنشاء والصيانة، وكذلك هذا النوع من التعاون الاستراتيجى فى ما يتعلق بإنشاء المفاعلات النووية يستغرق سنوات طويلة ويحتاج بعد الإنشاء إلى متابعة وتدريب وخبراء وصيانة وقطع غيار، وبالتالى يوفر جلوسًا استراتيجيًّا فى الدولة، لإدراك أن الوجود الاستراتيجى مستحقه الأول هو مصر، وهناك مجالات أخرى قد تبدو أقل أهمية ولكنها فى غاية الأهمية فى الحقيقة، وهى مسألة السياحة الروسية، فرغم كل الأزمات التى مرت بها مصر، فإن الروس دائمًا فى المقاصد السياحية موجودون لأنهم شعب «قَدَرِى»، ولا يخشون من المفاجآت، لا سيما فى ما يتعلق بالإرهاب، فأكبر نسبة وجود سياحى من الروس، وتربطهم علاقة رائعة مع المواطن المصرى، وهناك أمر فى غاية الأهمية وهو الأمر الثقافى، لأنهم يمتلكون مخزونا ثقافيا غير عادى، والثقافة وكذلك المصالح الاقتصادية فى نظرى يشكلان ما يسمى بالقوة الذكية، وأعتقد أن أحد أهم المشروعات التى سنشهد خلالها تناميا كبيرا هو مشروع محور تنمية قناة السويس، وروسيا كانت أول دولة تعلن مشاركتها لمشروع قناة السويس قبل أن يبدأ، وروسيا تعلم قيمة هذا المشروع رغم أن بعض المصريين لم يدركوا حتى الآن قيمته الحقيقية، لأن هذا المشروع سيكون أحد أكبر مراكز التوزيع والتجارة فى العالم.