أما الولاياتالمتحدة فقد حذرت وما زالت تحذر روسيا من عزلة على الساحة الدولية, وتوجه واشنطن الانتقادات للسياسة الداخلية الروسية ولتوجهات سياساتها الخارجية. \r\n \r\n بدورها تجري روسيا طلعات جوية تدريبية لقاذفاتها الإستراتيجية في منطقة بحر الكاريبي وأرسلت سفنها استعداداً لمناورات بحرية مشتركة مع القوات البحرية الفنزويلية. إن هذه المناورات والتحركات الروسية التي تجري في منطقة المصالح الامريكية هي تحد واضح لواشنطن. في وسائل الإعلام عاد الحديث من جديد عن (الحرب الباردة), التي ستنعكس بلا شك على كل مناطق من العالم التي يدور فيها التنافس على المصالح بين البلدين. الشرق الأوسط لن يكون استثناءاً في هذا الوضع. \r\n \r\n وليست مصادفة أن يكون موضوع الحرب في القوقاز حاضراً على جدول أعمال القمة الرباعية التي شهدتها دمشق مطلع أيلول الجاري وشارك فيها الرئيس السوري بشار الأسد, والفرنسي نيكولا ساركوزي, وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني, ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. الحرب في القوقاز كانت ضمن مجموعة من القضايا الإقليمية التي ناقشتها قمة دمشق ومن هذه المواضيع: الوضع في لبنان, والعراق, والتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وتسوية أزمة الملف النووي الإيراني. \r\n \r\n وكان الرئيس الشوري بشار الأسد قد أكد على هامش القمة الرباعية في دمشق أن بلاده لا تريد تجدد الحرب الباردة التي دارت في القرن العشرين, وأن تصبح منطقة الشرق الأوسط من جديد مسرحاً للمواجهة, وأشار إلى أن النار في منطقة من العالم سرعان ما تنتشر في مناطق أخرى وتشتعل بقوة مضاعفة. قبل ذلك كان الرئيس الأسد, خلال لقائه نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف في سوتشي, قد شبه الحرب في القوقاز بالوضع في الشرق الأوسط, وقال: \"هذه المشاكل متشابهة إلى حد بعيد, لاسيما وأن كلا المنطقتين تتمتعان بعلاقات إستراتيجية في النظام العالمي\". \r\n \r\n إن الحرب في القوقاز تحولت إلى جزء من اللعبة الجيو سياسية الكبرى, والشرق الأوسط موقع آخر من المواقع التي تدور عليها هذه اللعبة. و \"التشابه\" الذي أشار إليه أسد يبدو إشارة واضحة إلى التدخل أو الدور الامريكي, وإشارة إلى التنافس من أجل السيطرة على مصادر الطاقة التي تحتوي المنطقتان -القوقاز والشرق الأوسط- على كميات كبيرة منها. ومن الطبيعي أن دول الشرق الأوسط ليست مهتمة بأن تصبح من جديد جزء من مسرح المواجهة بين الدول الكبرى, روسياوالولاياتالمتحدة, مع العلم أن كثيرين في الشرق الأوسط أرادوا منذ زمن عودة نظام ثنائية القطب في السياسة الدولية. من هذه الزاوية على وجه التحديد -عودة ثنائية القطب- نظر كثيرون في الشرق الأوسط إلى النشاط الروسي في منطقة القوقاز, ونتائجه. \r\n \r\n على عكس دول الغرب عبر كثيرون في العالمين العرب والإسلامي عن دعمهم لموسكو, وهذا على مستوى القيادات السياسية والرأي العام. وليس الحب لروسيا هو سبب هذا الدعم, مع العلم أن العلاقة الطيبة نحو روسيا تشكل جزء من أسباب الموقف العربي من سياسة روسيا في القوقاز, ودعمها بشكل عام. لقد ذكرَّت الحرب القوقازية دول العالم الثالث بالحرب الباردة عندما كان الاتحاد السوفييت من جهة والولاياتالمتحدة وإسرائيل مع \"المؤامرة الصهيونية العالمية\" من الجانب الآخر. لاسيما وأنه كانت هناك كل الأسس لتصبح الحرب في القوقاز تذكير بالحرب الباردة. \r\n \r\n إن تزويد إسرائيل لجورجيا بالأسلحة وكذلك دعم العسكريين الإسرائيليين لها, أثار الكثير من الضجيج خلال الأزمة الأخيرة في أوسيتيا الجنوبية. ونشير إلى أن التقارب المميز بين إسرائيل وجورجيا طبيعي جداً نظراً لوجود جالية من اليهود الجورجيين في إسرائيل تزيد عن 100 ألف يهودي. وسنذكر مثالين فقط: في تبليسي يوجد قبر جدة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون. وثانياً وزير الدفاع الجورجي دافيد كيزيرشفيلي, ووزير شؤون التكامل تيمور يعقوباشفيلي, عاشا ذات يوم في إسرائيل ويحملان الجنسية الإسرائيلية. وبالمناسبة يمكن توضح المعلومة الثانية حول الوزيرين بأنها دلالة على التعاون الجورجي الإسرائيلي في المجال العسكري على وجه التحديد وعلى تواجد مستشارين حربيين إسرائيليين في جورجيا, بما في ذلك الجنرال غالا هيرشا, قائد فرقة الجليل خلال الحرب الإسرائيلية اللبنانية عام 2006. وهناك من يرى أن صفقات بيع الأسلحة التي تبرمها تل أبيب تحمل عادة طابع اقتصادي دون أي خلفيات سياسية, وعلى هذا الأساس يقول أصحاب هذه الرؤية أن إسرائيل وجدت نفسها ضحية صفقاتها الاقتصادية, وبذلك تحولت إلى طرف في لعبة شريرة, وأثارت الكثير من الأحاديث في منطقة الشرق الأوسط. \r\n \r\n أمين عام حزب الله, حسن نصر الله, قال إن الجنرال غال \"الذي أصيب بهزيمة في لبنان ذهب إلى جورجيا, وبسببه خسروا هم الحرب أيضاً\". وظهرت إشاعات بأن روسيا سترد على مساعدة إسرائيل لجورجيا بموافقتها على بيع صواريخ (إسكندر) لسورية وبتوطيد التعاون في المجال العسكري-التقني معها, وستغير ميزان القوى في المنطقة لكن ليس لصالح إسرائيل. هناك أراء مختلفة بهذا الشأن لكن عدد من الخبراء الروس لا يستبعدون أن تسير الأمر على هذا المنحى. إذ يعتقد يفغيني ساتونوفسكي مدير معهد الشرق الأوسط إن وجود كميات كبيرة من الأسلحة الإسرائيلية في جورجيا قد يؤدي إلى \"أن يتزايد احتياطي الأسلحة الروسية في سوريا عدة مرات\" وأضاف: \"كنا على الدوام نلتزم بالتوازن في علاقاتنا مع شركائنا\".وأشار ساتانوفسكي إلى أنه على روسيا أن تقوم بأي خطوة مماثلة انطلاقاً من رؤيتها لمصالحها وليس لإغاظة أوربا والولاياتالمتحدة. \r\n \r\n رسلان بوخوف, مدير مركز تحليل الإستراتيجيات والتقنيات, يرى أنه بوسع روسيا أن تنشط العمل على تنفيذ عقد بيع صواريخ (إس-300) لإيران وأن تأتي هذه الخطوة تحديداً في إطار الرد على المساعي الامريكية لتسريع تكامل وانضمام جورجيا إلى الناتو. واعتبر الخبير الروسي أن المخاوف الأوربية من تزويد موسكولإيران بالأسلحة ورقة رابحة بيد روسيا \"أنتم تقومون بضم جورجيا وأوكراينا إلى الناتو, ستقوم روسيا ببيع الأسلحة لإيران, وليس لإيران فقد فهناك سورية وفنزويلا. هذا ما قاله الخبير الروسي في تعليقه على معلومات بأنه لم يتم بعد تسليم الصواريخ الروسية المذكورة لإيران, ولم يستبعد أن تكون المعلومات صحيحة \"بما أن روسيا والغرب تمكنا من التفاهم فإن هذا عقد تسليم الصواريخ لإيران قد يكون في حالة تجميد خفيف, إلا أنه قد تأتي الآن الساعة التي يجب فيها تنشيط العمل بتسليم إيران صواريخ إس-300\". \r\n \r\n ويبقى الجزء الأكبر من الضجيج المثار على خلفية الحرب في القوقاز وإمكانية زيادة صفقات الأسلحة الروسية في الشرق الأوسط نلاحظه حتى اليوم في الصحف الإسرائيلية. على سبيل المثال ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت في مقالة نشرتها في عدد من أعدادها عن شهر أيلول أن السفن الحربية الروسية الراسية بالقرب من الشواطئ السورية تتجسس على إسرائيل وتزود سورية بهذه المعلومات, وبدورهم ينقل السوريون هذه المعلومات إلى حزب الله. ونشرت الصحيفة هذه المعلومات عن مصدر هو الضابط رام دور من جهاز الاستخبارات الإسرائيلية. وأشارت الصحيفة في نفس المقالة إلى أن الفشل الإسرائيلي في حرب عام 2006 يعود إلى حد كبير إلى تمكن حزب الله من الحصول على المعلومات الاستطلاعية الروسية وعلى الأسلحة الروسية. ولم تكتف الصحيفة بهذا القدر إذ ذكرت أن المعلومات حول مهمة تجس السفن الروسية على إسرائيل جاءت في الوقت الذي تجري فيه روسيا محادثات مع سورية لتصدير أسلحة لها ومحادثات مع إيران لبناء محطة نووية فيها. وبالطبع لم تنس يديعوت أحرونوت أن تستغرب الشكوى الروسية من تصدير إسرائيل الأسلحة لجورجيا. \r\n \r\n أي إن الصحيفة الإسرائيلية تريد أن تقول إن بناء روسيا لمحطة بوشهر ومحادثاتها مع سورية ليست أكثر من خطوات انتقامية من إسرائيل على تزويدها جورجيا بالأسلحة, وبشكل عام أن روسيا ما زالت تسير على النهج السوفييتي في توتير العلاقة مع تل أبيب. بهذا النفس تستمر صحف إسرائيلية أخرى في حملتها الإعلامية نحو روسيا وتحمل بعض الكتابات تهديد لروسيا بأن إسرائيل قد ترد وتعود إلى تزويد جورجيا بالأسلحة إذا لم تتجنب روسيا منطقة الشرق الأوسط. \r\n \r\n تجدر الإشارة إلى أن موسكو قد أكدت أكثر من مرة أنها لن تلعب باللعبة (سياسة أحادية التوجه) في علاقاتها مع دول الشرق الأوسط. وفيما يتعلق ببنائها لمحطة بوشهر فهذا عمل تقوم به روسيا منذ زمن, وكذلك الأمر بالنسبة لمحادثاتها مع سورية بشأن الأسلحة, وإسرائيل تعلم بكل هذه الأمور. عموماً لا يوجد ما يدفع إلى الاعتقاد بأن روسيا ستنتقم من إسرائيل. \r\n \r\n بأي حال فإن الحرب في القوقاز لم تؤثر سلباً على العلاقة بين موسكو وتل أبيب, كما لم تؤثر عليها العلاقة بين موسكوودمشقوموسكو وطهران, لكن توخياً للعدل لا بد من الإشارة إلى أن العلاقات الطيبة بين موسكو وتل أبيب لم تعط موسكو نقاط إضافية لصالح محاولات الدبلوماسية الروسية التأثير على الموقف الإسرائيلي من خلال اللجنة الرباعية. وتحديداً فإن إسرائيل قد أعاقت تحقيق الدبلوماسية الروسية لحلمها بعقد مؤتمر دولي لتسوية النزاع الشرق الأوسط في موسكو, في حينه. أما الآن فإن القيادة الإسرائيلية منشغلة بالوضع الداخلي بعد استقالة أولمرت. \r\n \r\n إلا أن روسيا لن تكون وحدها الخاسرة بسبب عرقلة انعقاد مؤتمر موسكو, وإدارة بوش خاسرة أيضاُ, فهي التي وعدت التوصل إلى اتفاقية تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى نهاية رئاسة بوش, لكن الأمور لم تتحرك أبداً. مع العلم أن أحداً لا يمك القدرة على التأثير على تل أبيب مثل التي تملكها الولاياتالمتحدة. أما الآن فإن مستقبل الوضع رهن بصاحب البيت الأبيض القادم, إذ ستتحدد الكثير من القضايا على ذوء الإستراتيجية التي ستتبناها هذه الإدارة في الشرق الأوسط, وفي مناطق أخرى من العالم, وكذلك في العلاقة مع روسيا. \r\n \r\n إن الإدارة الحالية, وعلى الرغم من توجيهها انتقادات حادة لروسيا, لكنها لم تتوقف عن التعاون مع موسكو في عدد من المجالات الحساسة وبالدرجة الأولى بشأن أزمة الملف النووي الإيراني. مع العلم أن التوثيق لا يعطي الكثير من النتائج, ومجمل التعاون الروسي-الامريكي في الشرق الأوسط يظهر , وعلى الرغم من الأهداف المشتركة, وأطر المفاوضات المشتركة, أن كل من الطرفين (روسياوالولاياتالمتحدة) تتمسك بتكتيكها الخاص. والحرب في القوقاز لن تغير هنا أي شيء بما في ذلك لن تغير السياسة الروسية في الشرق الأوسط. إذ أن موسكو لن تذهب نحو صداقة مع طرف ما لتغيظ الولاياتالمتحدة, بل ستنطلق في بناء علاقاتها من مصالحها وإمكانياتها. \r\n \r\n أهم ما في الأمر أن روسيا قد تعلمت خلال السنوات الماضية أن لا تفوت الفرصة التي تظهر أمامها من جهة الخصم أو الصديق. هذا ما أظهرته بوضوح الحرب في القوقاز. \r\n