صور.. احتفالا بذكرى 30 يونيو.. توزيع هدايا عينية وورد على المواطنين بالوادي الجديد    رابطة مصنعي السيارات: نظام التسجيل المسبق ليس معطلا والتجار يتعرضون لضغوط لترشيد الاستيراد    وزيرة التخطيط تلتقى نائب الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي    دراسة إسرائيلية: قوتنا العسكرية تتلاشى والحرب مع لبنان كارثية    انتخابات موريتانيا.. نسبة المشاركة تصل إلى 40%    بعد كمينها الأخير.. مدينة جنين أنشأها الكنعانيون ومر بها المسيح وفتحها صلاح الدين الأيوبي‬    منتخب ألمانيا يضيف الثاني في شباك الدنمارك عبر جمال موسيالا.. فيديو    ماذا يحدث لو استمرت مباراة ألمانيا والدنمارك باليورو في التوقف؟    مصرع طفلين في انهيار بئر صرف صحي بأسيوط    غرق شاب في شاطىء إدكو بالبحيرة    قناة الوثائقية تعرض «آخر أيام الجماعة» بمناسبة ذكرى 30 يونيو    محمد فايز فرحات: يجب أن تتراجع الصراعات لتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات    قاهرة المعز من أعلى نقطة على النيل.. بث مباشر    بأغنية "نويت أعانده".. لطيفة تتصدر تريند "إكس" في عدة دول عربية    محمد حلاوة: ثورة يونيو نقطة تحول تاريخية في مسار الدولة المصرية.. ولابد من تكاتف جميع قوى الشعب للحفاظ على مكتسباتها    مانشستر يونايتد يفتح خط اتصال مع دي ليخت.. والأخير يحدد موقفه    يضم 124 باكية.. محافظة القاهرة تستعد لفتح سوق سوهاج للفاكهة بمصر الجديدة    أحمد موسى يكشف سر تأخير تشكيل الحكومة الجديدة    متظاهرون يتوجهون لمقر نقابة العمال العامة في إسرائيل لإعلان إضراب شامل    رمضان عبد المعز: الصلاة على النبى تنصرك على آلام وأحزان ومصاعب الدنيا    أستاذ تمويل يوضح مكاسب مصر من ترفيع العلاقات مع أوروبا    وزير النقل يبحث مع وفد من كبرى الشركات الألمانية الموقف التنفيذي لعدد من المشروعات الجاري تنفيذها    مبابي يختبر قناعا جديدا قبل مواجهة بلجيكا في أمم أوروبا    حدث في 8 ساعات|أخطاء في بعض أسئلة امتحان الفيزياء.. وموعد تشكيل الحكومة والمحافظين الجدد    وفد شؤون الأسرى المفاوض التابع للحوثيين يعلن وصوله إلى مسقط    الأوقاف تعلن افتتاح باب التقدم بمراكز إعداد محفظي ومحفظات القرآن الكريم - (التفاصيل)    رئيس الوزراء يلتقي رئيسة منطقة شمال إفريقيا والمشرق العربي بشركة إيني الإيطالية    حبس 20 متهماً بتهمة استعراض القوة وقتل شخص في الإسكندرية    وزير الصحة يبحث مع ممثلي شركة «إيستي» السويدية تعزيز التعاون في القطاع الصحي    ليفربول يحاول حسم صفقة معقدة من نيوكاسل يونايتد    حبس المتهمين بإنهاء حياة طفل بأسيوط.. قطعوا كفيه لاستخدامهما في فتح مقبرة أثرية    مانشستر سيتي يخطف موهبة تشيلسي من كبار الدوري الإنجليزي    «مياه الشرب بالجيزة»: كسر مفاجئ بخط مياه بميدان فيني بالدقي    بماراثون دراجات.. جامعة بنها الأهلية تحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو    استشارية أمراض جلدية توضح ل«السفيرة عزيزة» أسباب اختلاف درجات ضربة الشمس    ننشر أسماء الفائزين في انتخابات اتحاد الغرف السياحية    إحالة أوراق المتهم بقتل منجد المعادي للمفتي    عرض أول لفيلم سوفتكس لنواز ديشه في مهرجان كارلوفي فاري السينمائي بالتشيك    القاهرة الإخبارية: لهذه الأسباب.. الفرنسيون ينتخبون نواب برلمانهم بانتخابات تشريعية مفاجئة    جامعة سوهاج: تكليف 125 أخصائي تمريض للعمل بمستشفيات الجامعة    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    برقية تهنئة من نادي النيابة الإدارية للرئيس السيسي بمناسبة ذكري 30 يونيو    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنانة سلوى محمد على خلال دورته ال 17    عضو "طاقة النواب": مصر نجحت في عمل بنية تحتية جاذبة للاستثمار    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    الأهلى تعبان وكسبان! ..كولر يهاجم نظام الدورى.. وكهربا يعلن العصيان    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    اليوم.. الحكم علي كروان مشاكل وإنجي حمادة بتهمة نشر الفسق والفجور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قناة السويس.. تاريخ من الصراعات السياسية والعسكرية
نشر في التحرير يوم 05 - 08 - 2015


كتب: طارق الحريري
لم يشهد ممر ملاحى صناعى على مدار التاريخ حروبا سياسية وعسكرية مثل تلك التى شهدتها قناة السويس منذ أن تم حفرها فى نسختها الأخيرة، بدءا من أبريل 1859، لأن المصريين سبقوا البشرية منذ آلاف السنين بفكرة إنشاء مجرى ملاحى يربط بين بحرين، وتحديدا قناة الملك سنوسرت الثالث عام 1874 ق.م الذى قام بحفر قناة تربط البحرين المتوسط والأحمر عن طريق نهر النيل وفروعه، فكانت السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط تبحر فى الفرع البيلوزى من النيل حتى «بوباستس» (الزقازيق) ثم تتجه شرقا إلى «تيخاو» (أبو صوير) حتى تصل إلى البحيرات المرة، وكانت وقتها متصلة بخليج السويس ومنها إلى البحر الأحمر، وما زالت بقايا آثار من هذه القناة واضحة المعالم حتى الآن بمحاذاة المجرى الملاحى الحالى لقناة السويس فى منطقة جنيفة. لكنها كثيرا ما ردمت وتجددت فى عصور الفراعنة والرومان. أما فى نسختها الأخيرة فقد كانت كل الملابسات المحيطة بها منذ ذلك الحين درامية صعودا وهبوطا ما بين لحظات عابرة من البهجة والأبهة، وفترات طويلة من المأساوية وسقوط الضحايا واندلاع الحروب وألاعيب المغامرين ومناورات مصاصى دماء الشعوب، كان من المفترض أنها باب للخير تحول إلى وباء ينخر فى مقدرات هذا الوطن بأسوأ أشكال الاستغلال والنهب والهيمنة، حتى صارت دولة داخل الدولة، يرتع فيها كل من هب ودب، ولا يجنى أبناء مصر منها غير الحسرة والمهانة وهم يشاهدون مجراها ونطاقها الإدارى والسكنى الممتد هنا وهناك، أراض سلخت عنها السيادة فى تحدٍّ وإهدار للكبرياء الوطنى.
السياسة حاضرة دائما
بجوار المجرى الملاحى للقناة حفرت الأحداث عبر التاريخ مجرى لوقائع لعبت السياسة فيها دورا كبيرا أنتج كثيرا من الصراعات والحروب، وكانت البداية قبل القناة الحالية بزمن طويل عندما أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بردم القناة فى زمنه، خوفا من أن يتم تهريب السلاح منها للمناوئين فى مكة من الرافضين للحكم العباسى، وفى وقت تالٍ أوعز الإيطاليون -وكان لهم دور كبير فى التجارة بين الشرق والغرب- للمماليك بحفر القناة، لكن البرتغاليين هددوهم بأنهم سيتفقون مع الأحباش لتحويل مجرى النيل بعيدا عن مصر فتراجع المماليك عن المشروع.
فى ما بعد كان أحد الأسباب الرئيسية لحملة نابليون العسكرية إلى مصر السعى لإنشاء قناة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر لإحداث توازن فى إطار الصراع الإمبراطورى مع بريطانيا المهيمنة على البحار وطريق رأس الرجاء الصالح بين الشرق والغرب، لكن البعثة العلمية التى استقدمها نابليون وقعت فى خطأ علمى، تسبب فى التوصية بعدم صحة حفر قناة بين البحرين، وكان هذا أحد أسباب عدم الاهتمام بالبقاء فى مصر، وعندما عرض المهندس الفرنسى لينان بك المقرب من محمد على فكرة القناة عليه بعد إدراكه خطأ أسلافه رفضها بشدة قائلا «لا أريد بسفورا آخر فى مصر» قاصدا بذلك مضيق البسفور الذى يفصل بين تركيا والدول الأوروبية التى أثارت المشكلات السياسية مع دولة الخلافة، من أجل ضمان حرية الملاحة فى هذا المضيق. ومن هنا كانت وجهة نظر محمد على أن هذا المشروع مختلف عن جوهر المشروعات التنموية التى قام بها فى مصر، وهذه القناة ستفتح الباب على مصراعيه لتدخل القوى الأجنبية، من أجل السيطرة على هذا الممر البحرى الاستراتيجى الذى سيصبح أقصر الطرق لربط أوروبا بمستعمراتها فى آسيا، كما لم يستسغ منح شركة أجنبية امتياز الحفر والانتفاع به، وكالعادة عارضت بريطانيا المشروع بقوة لقطع الطريق على فرنسا، وحينما استشار محمد على الداهية مترنيج مستشار النمسا أشار عليه أن يبرم معاهدة دولية بين القوى الكبرى تحفظ حرية العبور فى القناة لكل السفن، لكن إنجلترا المعادية لمحمد على وفرنسا وقفت ضد إبرام هذه المعاهدة التى لم تبرم إلا فى عام 1888، وصدقت عليها بريطانيا مع التحولات السياسية عام 1904 ومع محمد على انتهت آخر صراعات ما قبل حفر القناة.
الصراع على نهب مصر
بعد أن أقنع فرديناند ديليسبس الخديو سعيد بحفر قناة السويس حصل منه على فرمان بالغ فيه سعيد فى التفريط والمجاملة لصديقه النهم ديليسبس ومنحه شروط امتياز مجحفة كان أهم ما جاء فيها:
1- تنازل الحكومة المصرية عن كل الأراضى اللازمة لحفر القناة دون مقابل .
2- التنازل عن جميع الأراضى القابلة للزراعة والمحيطة بالمنطقة لاستصلاحها وزرعها مع الإعفاء من الضرائب لمدة عشر سنوات.
3- للشركة المحتكرة امتياز استخراج المواد الخام اللازمة للمشروع من المناجم والمحاجر الحكومية دون ضرائب، وكذلك إعفاء الشركة من الرسوم الجمركية على جميع الآلات والمواد التى تستوردها.
4- تقدم الحكومة المصرية أربعة أخماس العمال من المصريين.
5- تحصل مصر فى المقابل على 15% من صافى أرباح الشركة.
ولأن الاستعمار العثمانى كان دائما عامل خراب على مصر، فلقد استجاب لتحريض بريطانيا على المشروع، بحجة أنه ينتقص من سيادة مصر، بعد أن تنازلت الحكومة للشركة عن أراض تزيد كثيرا على حاجة المشروع، وأن توريد العمالة المصرية ينتهك حرية الأفراد، فأمر الخليفة العثمانى باستعادة الأراضى الزائدة عن حاجة المشروع وترعة المياه الحلوة وإلغاء تعهد الحكومة بتوريد الأنفار المصريين للعمل فى المشروع، مهددا بعدم التصديق على فرمان الامتياز ما لم يتم تنفيذ شروطه، ونزولا على رغبة خليفة المسلمين اضطر الخديو إسماعيل إلى دفع مبالغ باهظة (84 مليون فرنك) كتسوية مع شركة قناة السويس مقابل استرجاع الأراضى التى منحها سلفه سعيد مجانا للشركة، واضطرت الحكومة إلى استعادة أراض أخرى ومبان مقابل 30 مليون فرنك، وبسبب عجز الميزانية لم تجد الحكومة ما تدفعه، فتنازلت عن كوبونات أسهمها فى شركة القناة أى أرباح الأسهم لمدة 25 سنة، ومع استفحال الأزمة المالية الطاحنة اضطر الخديو إسماعيل إلى بيع حصة مصر من أسهم القناة للحكومة البريطانية بمبلغ 100 مليون فرنك فى عام 1875، وهكذا حلت الحكومة البريطانية فى صفقة نهب بدلا من الحكومة المصرية فى ملكية شركة قناة السويس. ومع كل هذه التنازلات والخسائر الفادحة لم تنفرج الأزمة، فانقض الغرب بشراسة ينهش آخر ما تبقى لمصر فى قناة السويس، فأجبرت على بيع حصتها من الأرباح مقابل مبلغ 22 مليون فرنك، وهو ما يساوى وقتها نصيب مصر من الأرباح السنوية فى عامين فقط، وبذلك خسرت مصر أى حق فى القناة فى خلال 6 سنوات من افتتاحها، ومن قبل كان الافتراء عليها فى قيمة ما منحه الخديو سعيد للشركة مجانا.
الاستلاب بين السخرة والخديعة
علاقة المصريين كشعب بالقناة بدأت عند حفرها بالسخرة والاستغلال، عندما استجلب لها كرها وقسرا مليون عامل انتزعوا من قراهم وحقولهم، كانت نسبتهم من إجمالى عدد السكان من شيوخ ونساء وأطفال نحو 18%، حصدت منهم الأوبئة وعومل البيئة والطقس أرواح 125 ألف إنسان فى أجواء عمل لا آدمية، مقابل أجر بخس، وهكذا كانت صفحة إنشاء هذا الممر المائى دامية للمصريين، وكانت مغنما لحكومات أوروبا ومغامريها الذين استغلوا المشروع، ومن خلال الاختلاس والاستلاب والسرقة تم السطو على القناة ونشلها من أصحاب الحق فيها المصريين. واستمر المسلسل بمزيد من الدناءة والخديعة فى مرحلة لاحقة، فعندما فشل البريطانيون عام 1882 فى غزو مصر بعد احتلال الإسكندرية وهزمهم الجيش والمتطوعون بقيادة أحمد عرابى شر هزيمة فى كفر الدوار، قرروا الالتفاف عن طريق إنزال قواتهم فى الإسماعيلية والاقتحام من الشرقية نحو القاهرة، وعند وصلت المعلومات إلى عرابى بوجود جيش الاحتلال أمام بوغاز بورسعيد قرر ردم القناة لتفويت هذه الفرصة على القوات البريطانية، لكن ديليسبس تدخل لدى عرابى وأقنعه بعدم ردم القناة، لأن البريطانيين لا يستطيعون المرور خلالها، لأن إدارة القناة تقف على الحياد طبقا للقانون والقواعد الدولية رغم أن ديليسبس كان يعرف أن الحكومة البريطانية رفضت معاهدة حيادية القناة، وبعد أن ابتلع عرابى هذا الطعم غدر به ديليسبس الذى كان قد اتفق مع القائد البريطانى بأنه سيسهل له المرور بقواته من القناة، وكانت هذه الخديعة سببا رئيسيا فى هزيمة عرابى، وبدء الاحتلال البريطانى لمصر الذى استمر 74 عاما.
الوطنية ضد مؤامرة التمديد
نظرا لأن القناة كانت لقمة سائغة تطاول النهابون فى غيهم بعد أن بدأت أرباحها تتضاعف بمعدلات كبيرة من عام لآخر، فتقدمت الشركة المحتكرة لعقد الامتياز بطلب عام 1910، لتمديد الاحتكار 40 سنة إضافية بشروط مجحفة، منها أنه إذا كان صافى الأرباح أقل من 100 مليون فرنك تحصل الشركة على خمسين مليون فرنك وتنال الحكومة المصرية الباقى. وإذا كانت الأرباح أقل من خمسين مليون فرنك تحصل الشركة على كامل الأرباح ولا تحصل الحكومة المصرية على أى مقابل، وتدفع الحكومة المصرية للشركة مقابل التعاقد 4 ملايين جنيه مصرى على أربعة أقساط، وما إن تسرب الخبر للقوى الوطنية ثارت ثائرتها وشنت هجوما كاسحا بقيادة محمد فريد على المطلب الاستعمارى الذى كانت تقف بريطانيا خلفه، وألف طلعت حرب كتابا يفضح المؤامرة، كشف فيه حقائق مؤلمة منها أن السهم الذى باعته مصر ب560 فرنكا أصبح سعره بعد ثلاثين سنة فقط 5010 فرنكات، وحصتها من الأرباح التى باعتها ب22 مليون فرنك أصبحت قيمتها 300 مليون فرنك، وكان من أسباب اغتيال بطرس غالى قبوله بفكرة مد الامتياز، ومع ازدياد الضغط الشعبى كلف البرلمان المصرى بشعبتيه مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية لجنة من طلعت حرب باشا وسمير صبرى باشا بإعداد تقرير، خلص إلى أن مصر سوف تتعرض لخسائر فادحة فى حالة القبول بالتمديد، مما جعل الحكومة المصرية ترفضه لتخط القوى الوطنية صفحة ناصعة فى تاريخ مصر.
معركة لا ناقة لمصر فيها ولاجمل
أما فى ما بعد فقد كانت القناة فى الحرب العالمية الأولى محورا للصراع بين الأتراك (بإيعاز من الألمان) والبريطانيين، وكان الهدف المعلن منها تحرير القناة من الاحتلال البريطانى، بينما كان الهدف الحقيقى قطع طرق المواصلات بين بريطانيا ومستعمراتها الآسيوية عبر هذا الممر البحرى شديد الأهمية فى ظروف الحرب، لأن الدوران حول رأس الرجاء الصالح يعرض الأساطيل لمخاطر جمة، ومنيت الحملة العسكرية التركية بهزيمة نكراء، ولم تستطع اقتحام القناة، لكن آثارها انعكست قبل بداية الحملة التركية فى 28 يناير 1915 وحتى نهايتها فى 3 فبراير من نفس العام على المصريين فى الداخل الذين ضيق عليهم الاحتلال خوفا من تعاونهم مع الأترك.
الكفاح من أجل السيادة والكبرياء الوطنى
فى الثامن من أكتوبر 1951 توجه النحاس باشا بخطاب للأمة قائلا «من أجلكم وافقت على معاهدة ستة وثلاثين، ومن أجلكم أعلن اليوم إلغاءها»، حدث هذا بعد تعنت بريطانيا فى المباحثات الخاصة حول الاتفاقية التى كانت تسمح للقوات العسكرية البريطانية بالوجود فى منطقة قناة السويس، وأعلن صراحة أن وجود القوات البريطانية فى منطقة القناة أصبح غير شرعى، وأن الحكومة المصرية لم تعد مسؤولة عن حمايتهم، ونوه بدعم الحكومة للفدائيين فى منطقة القناة، وطوال ما يزيد على مئة، بعد الإلغاء قامت المقاومة الشعبية بأعمال بطولية ضد القوات البريطانية، وكانت الشرطة تعاون المقاومة أو تغض الطرف عنها، مما دعا القائد البريطانى إلى توجيه إنذار إلى مركز شرطة الإسماعيلية بتسليم السلاح، وإخلاء الثكنات، وعندها اتخذ فؤاد سراج الدين باشا القرار العصيب الذى تفرضه مقتضيات المسؤولية الوطنية بعدم انصياع قوة الشرطة المحاصرة، ورفض هذا الإنذار المهين، فقام البريطانيون بمهاجمة مركز الشرطة فى مجزرة استعمارية راح ضحيتها 50 شهيدا و80 مصابا بعد صمود بطولى من الجنود والضباط.
بعد ستة أشهر من هذه الجريمة شهدت مصر تحولا تاريخيا فى أوضاعها السياسية والاجتماعية مع قيام ثورة 23 يوليو 1952، ليضطر البريطانيون كرها بعد اتفاقية الجلاء التى وقعها جمال عبد الناصر فى 19 أكتوبر 1954 بصفته رئيسا للوزراء إلى الجلاء الكامل عن مصر، وغادر آخر جندى بريطانى خط القناة فى 18 يونيو، وهكذا فى 1956 وبعد رحلة نضال وتضحيات أصبحت سيادة مصر تامة على منطقة قناة السويس، وبالطبع ليس على المجرى الملاحى والشركة المالكة.
عودة الروح
بعد شهر وثمانية أيام كانت القناة فى موعد مع القدر زلزلت فيه الدنيا حولها يوم أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس فى ميدان المنشية بالإسكندرية، وهاج العالم وماج ما بين أغلبية مؤيدة وقلة استعمارية رافضة، بينما كانت مصر فى حالة من النشوة والكبرياء والألق الوطنى إلى أن استيقظ المصريون على هجوم إسرائيلى فى 29 أكتوبر 1956 أعقبه إنذار من بريطانيا وفرنسا تخطر فيه مصر وإسرائيل بوقف القتال، على أن تبتعد قوات كل منهما 10 أميال من ضفتى القناة، وفطنت مصر للمؤامرة، فأغرقت قطعة بحرية محملة بالأسمنت فى مجرى القناة لقطع الطريق على محاولة إعادة تشغيلها بواسطة قوى العدوان، لأن القيادة السياسية أدركت درس التاريخ من أيام الزعيم المغدور أحمد عرابى.
بعد أن عقدت النية على الصمود رفضت مصر الإنذار وعندها هاجمت فى ليل 31 أكتوبر القوات الاستعمارية الإمبراطورية من بريطانيا وفرنسا قواعد مصر الجوية، ثم فى مرحلة تالية تم الإنزال فى منطقة القناة لتطويق الجيش المصرى فى سيناء، لكن القيادة المصرية فوتت عليهم هذا الترتيب وارتدت من سيناء، حيث احتلها الجيش الإسرائيلى لتدور ملحمة بطولية من رجال الجيش بالاشتراك مع المقاومة الشعبية فى قتال القوات الاستعمارية، وكانت الإرادة السياسية المتمثلة فى قوة أعصاب وحسم القيادة وشجاعة وثبات الشعب فى رفض العدوان، رغم هول الفارق الرهيب فى القوة بين مصر وقوى العدوان عاملا جوهريا، أدى إلى فشل الجيوش الإمبراطورية فى تحقيق أهدافها، مما اضطرها إلى الانسحاب بعد مقاومة عنيدة أذهلت الرأى العام العالمى الذى وفر لمصر نصرا سياسيا مظفرا. وأخيرا عادت قناة السويس التى نهبت وسرقت منذ لحظة حفرها الأولى إلى سيادة مصر الكاملة بعد رحلة طويلة مليئة بالمفارقات المؤسية والأحداث الجسيمة حفرها المصريون بالسخرة وعشرات الآلاف من الضحايا، من أجل مصلحة المغامرين واللصوص من أفراد وحكومات استعمارية، واستعادها الأحفاد بروح الاستقلال والمجد بعد 78 عاما، لتصبح مرفأ وطنيا مطلقة السيادة والاستحواذ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.