وُلد الكاتب والأديب توفيق الحكيم، الذي تحل ذكرى وفاته اليوم، في التاسع من أكتوبر عام 1898 بمحافظة الإسكندرية، لأبٍ مصري من أثرياء الفلاحين، وأم تركية، وانتقل إلى القاهرة مع أعمامه، لمواصلة الدراسة الثانوية في مدرسة محمد علي الثانوية، بسبب عدم وجود مدرسة ثانوية في بالمنطقة التي يسكن بها. وقد أتاح له هذا البعد عن عائلته نوعًا من الحرية، فأخذ يهتم بجوانب جديدة كالموسيقى والتمثيل، حيث كان يتردد كثيرًا على فرقة جورج أبيض والذى جعله ينجذب للمسرح وللكتابة المسرحية بشكل قوي. التحق الحكيم بكلية الحقوق بناءً على رغبة والده، ثم سافر في بعثة دراسية إلى باريس للحصول على درجة الدكتوراه في الحقوق، وكان دائم التردد على المتاحف الفرنسية، وقاعات السينما والمسرح، واكتسب من خلال ذلك ثقافة أدبية وفنية واسعة إذ اطلع على الأدب العالمي وفي مقدمته اليوناني والفرنسي. انصرف توفيق الحكيم عن دراسة القانون، واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص، وتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا، وبعد علم والده استدعاه بعد ثلاث سنوات من إقامته هناك، وعاد الحكيم إلى مصر بدون الشهادة التي أوفد من أجل الحصول عليها. تميز أسلوب توفيق الحكيم في الكتابة بالمزج بين الرمزية والواقعية علي نحو فريد مفعم بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض، وأصبح هذا الاتجاه هو الذي يكون مسرحيات الحكيم بذلك المزاج الخاص والأسلوب المتميز، حيث يتميز الرمز في أدب الحكيم بالوضوح وعدم المبالغة في الغموض. ففي أسطورة إيزيس التي استوحاها من كتاب الموتى فإن أشلاء أوزوريس الحية في الأسطورة هي مصر المتقطعة الأوصال التي تنتظر من يوحدها ويجمع أبناءها علي هدف واحد. لُقب الحكيم ب"رائد المسرح الذهني"، أول مؤلف إبداعي استلهم في أعماله المسرحية الروائية موضوعات مستمدة من التراث المصري. واستلهم هذا التراث عبر عصوره المختلفة، سواء كانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية، كما أنَّه استمد أيضًا شخصياته وقضاياه المسرحية والروائية من الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي المعاصر لأمته. حظيت المرأة بنصيبٍ وافرٍ في أدب الحكيم، وتحدث عنها بالكثير من الإجلال والاحترام الذي يقترب من التقديس حيث تميزت المرأة في كتاباته بالايجابية والتفاعل، وكان لها تأثير واضح في الأحداث ودفع حركة الحياة، وظهر ذلك بجلاء في مسرحياته "شهرزاد، وإيزيس"، وروايات ك "الأيدي الناعمة، وقصة الرباط المقدس. أمَّا عن السبب وراء اتهامه بعداء المرأة وتلقيبه ب"عدو المرأة" كما أخبر بها صلاح منتصر في كتابه "شهادة توفيق الحكيم الأخيرة" يرجع إلى السيدة هدى شعراوي بسبب مهاجمته أسلوبها في تشكيل عقلية المرأة المصرية خاصة البنات، بأنَّ "حذرتهن من الاستمرار في حياة الجواري وخدمة الرجال والأزواج في البيت لأنهن مساويات للرجل في كل شيء، واشتكى بعض الأزواج من البنات والزوجات، اللاتي يفكرن بطريقة شعراوي. تزوج توفيق الحكيم في عام 1946، وله طفلان هما إسماعيل وزينب، ولم يخبر أحدًا بأمر زواجه حتى علق مصطفى أمين قائلاً: "نحن الصحفيون مهمتنا الحصول على الأخبار ونحصل عليها من السراب ولا نعرف بزواج الحكيم"، وكتب مصطفى أمين عن زواج الحكيم مقال بعنوان "عدو المرأة يتزوج بشروطه". الحكيم بين عودة الروح وعودة الوعي اعتبر جمال عبد الناصر الحكيم الأب الروحي لثورة 23 يوليو، بسبب عودة الروح التي أصدرها الحكيم عام 1933، ومهّد بها لظهور البطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها، ومنحه جمال عبد الناصر عام 1958 قلادة الجمهورية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى في نفس العام. ولم يذكر أن عبد الناصر منع أي عمل لتوفيق الحكيم، حتى عندما أصدر السلطان الحائر بين السيف والقانون في عام1959، وبنك القلق عام 1966، حيث انتقد النظام الناصري ودافع عن الديمقراطية. ووصل الأمر أن عبد الناصر كان بستقبل الحكيم في أي وقت وبغير تحديد لموعد. وبعد وفاة عبد الناصر عام 1970 وأثناء تأبين الزعيم سقط توفيق الحكيم مغمى عليه وهو يحاول تأبينه وبعد أن أفاق قال خطبة طويلة من ضمنها: "اعذرني يا جمال، القلم يرتعش في يدي، ليس من عادتي الكتابة والألم يلجم العقل ويذهل الفكر، لن أستطيع الإطالة، لقد دخل الحزن كل بيت تفجعًا عليك. لأن كل بيت فيه قطعة منك، لأن كل فرد قد وضع من قلبه لبنة في صرح بنائك". إلا أنَّ الحكيم عام 1972 أصدر كتاب "عودة الوعي" مهاجمًا فيه جمال عبد الناصر بعنف حيث اختزل الحكيم موقفه من التجربة الناصرية واصفا هذه المرحلة بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصري فاقد الوعي، مرحلة لم تسمح بظهور رأي في العلن مخالف لرأي الزعيم المعبود، وأعلن في كتابه أنَّه أخطأ بمسيرته خلف الثورة بدون وعي قائلاً: "العجيب أنَّ شخصًا مثلي محسوب على البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضًا خلف الحماس العاطفي، ولا يخطر لي أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا، كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتى غاب عنا الوعي، أن يرى ذلك ويسمعه وأن لا يتأثر كثيرًا بما رأى وسمع ويظل علي شعوره الطيب نحو عبد الناصر، أهو فقدان الوعي، أهي حالة غريبة من التخدير". وتوفي توفيق الحكيم في 26 يوليو عام 1987 بمحافظة القاهرة، بعد أن اثرى الأدب العربي بالعديد من الروايات والأفكار الحاضرة حتى الآن.