الإدارة الأمريكية كثَّفت جهودها وتبذل كل ما فى وسعها من أجل أن تبرر وتفسّر الاتفاق الإيرانى. أمس كان جون كيرى، وزير الخارجية، فى الكونجرس، فى لقاءات مغلقة مع أعضائه من كلا الحزبين. واليوم يحضر جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ، ومعه أرنست مونيز، وزير الطاقة، وجاكوب لو، وزير الخزانة، والثلاثة شاركوا فى التوصُّل إلى الاتفاق. قيادات الكونجرس من الجمهوريين تواصل انتقادها شديد اللهجة والمتواصل للاتفاق. وتؤكّد شكوكها تجاه نيّات طهران وتحركاتها فى المنطقة. كما أنها تعلن أن إدارة أوباما لا يمكن أن تحصل على موافقة الكونجرس، ولا يمكن أن تكافئ إيران على سلوكها الإرهابى ومعاداتها لأمريكا وإسرائيل، وأن إدارة أوباما أخطأت فى ذهابها إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة للحصول على قرار خاص بالاتفاق قبل أن يقول الكونجرس كلمته. وجاء حديث كيرى مع شبكة «العربية» منذ يومين تمهيدًا للقائه واجتماعه المنتظر مع نظرائه من دول الخليج فى الدوحة فى بداية أغسطس. وذلك لشرح الاتفاق النووى والتشاور حول آفاق التعاون الأشمل مع دول الخليج فى مواجهة مخاوفهم تجاه إيران وتمدُّد نفوذها فى المنطقة. وكما هو معروف فإن آشتون كارتر، وزير الدفاع، فى جولة بالمنطقة ل«طمأنة» و«إعادة طمأنة» إسرائيل والسعودية ودول الخليج، بأن واشنطن معها فى مواجهة الخطر الإيرانى الذى تتخوّف منه. وفى المواجهة السياسية الإعلامية التى تدور معاركها الشرسة هذه الأيام، لم تتردد مجموعات يهودية أمريكية موالية لإسرائيل ومتشددة فى مواقفها فى أن تعلن إطلاق حملتها المكثفة والشرسة من أجل عدم تمرير أو «قتل» الاتفاق، على أساس أنه اتفاق سيئ ويزيد من اشتعال المنطقة واندلاع الحروب بها، وأن إيران مهما قالت ووافقت لا يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها فى تحقيق نزع السلاح النووى، وأشارت تقارير صحفية إلى عشرات الملايين من الدولارات قد تم تخصيصها من جانب جماعات الضغط والنفوذ الساعية لهذا الغرض وتحت مسميات مختلفة من أجل تكثيف الحملة على أعضاء الكونجرس والرأى العام والحديث عن مساوئ الاتفاق ومخاوف إسرائيل وأخطاء الإدارة وسوء تقديراتها فى التعامل مع إيران. من جانبه، يواصل البيت الأبيض اتصلاته وتشاوراته مع القيادات الديمقراطية من أجل تكثيف الجهود الرامية إلى تمرير الاتفاق. ويتابع المراقبون فى الأيام المقبلة مواقف وتصريحات السناتور الديمقراطى، تشاك شومر، المقرب من الإدارة، وأيضًا المعروف بصداقته الممتدة لإسرائيل، لأن شومر لم يحسم أمره بعد، وتأييده للإدارة أو عدم اعتراضه لها سيكون أمرًا مهمًّا فى معادلات القوى والمصالح فى مجلس الشيوخ ولدى الديمقراطيين بشكل خاص. «شومر له نفوذه وتأثيره وكلمته»، كما قال أحد المراقبين، أما العضو الآخر البارز بالكونجرس، السناتور الجمهورى بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، فمن المقرر أن يلعب دورًا متميّزًا وحاسمًا فى مناقشة الاتفاق، خصوصًا أن كل الدلائل تشير إلى أنه ليس مثل زملائه من غلاة الجمهوريين فى معارضته للإدارة، ورغم وجود تحفظات لديه تجاه الاتفاق، فإن لديه أيضًا إدراكًا واقتناعًا بأن الإدارة هى صاحبة القرار فى التعاملات الدولية. وكان جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى، حريصًا فى أحاديثه التليفزيونية الأخيرة على تكرار القول بأن احتمال عدم إكمال اتفاق حول البرنامج النووى الإيرانى يجب أن يرعب العالم كله، وإن عدم وجود حل سلمى لمنع طموحات إيران النووية قد يقودنا إلى شرق أوسط أكثر خطورة. وقال: «فى الحقيقة الخوف الحقيقى فى تلك المنطقة يجب أن يوجد فى حالة عدم توصلنا إلى الاتفاق»، وقال: «إذا لم يقر الكونجرس الاتفاق الحالى سنفقد وجود العقوبات الدولية» و«هم سيشعرون بحرية فى أن يفعلوا ما سوف يمنعهم منه هذا الاتفاق». كما حرص كيرى فى حواره مع شبكة «سى بى إس» على أن يذكر بأن الاتفاق لا يحسِّن علاقة إيران المتوترة مع الولاياتالمتحدة «ما زلنا خصومًا.. لسنا حلفاء وأصدقاء بأى معنى من المعانى، وبالتالى لا توجد أوهام بهذا الخصوص»، أما فى حديثه مع شبكة «إيه بى سى»، فقال كيرى إن «أعضاء الكونجرس المعارضين للاتفاق يجب أن يتذكَّروا أن شركاء أمريكا الأجانب غير ملزمين بتقييم الكونجرس لتفاصيل الاتفاق.. إنه من الغطرسة من جانب بعض الناس أن يفترضوا أن فرنسا وروسيا والصين وألمانيا وبريطانيا يجب أن تفعل ما يقوله لها الكونجرس أن تفعله». وبالتأكيد لم يتوقف الجدل المثار فى واشنطن حول الاتفاق وتبعاته على المنطقة وخيارات واشنطن فى التعامل معها. الجبهة المؤيدة للاتفاق ترى أن البديل هو الانسحاب من الحل الدبلوماسى والخروج عن الإجماع الدولى الذى ظهر فى فيينا. والأهم الانحياز إلى الحل العسكرى. معارضو الاتفاق يرون فى هذا مبالغة غير صادقة لما هو متاح أو ممكن غير الاتفاق المطروح. على أساس أن الاتفاق اتسم بالتسرُّع من جانب الإدارة وربما «تلهفها» للوصول إلى اتفاق، وبالتالى التنازل عن مواقف كانت ضرورية ومعلنة من قبل. فقط من أجل الوصول إلى اتفاق.. لا يعرف توابعه أحد. ولا يتردد البعض فى القول إن إيران هى المنتصرة فى هذه المعادلة الدبلوماسية المطروحة حاليًّا، خصوصًا أنه لا رادع لتوسعها وتمددها فى المنطقة، والأمر الأخطر أن أكثر من 100 مليار دولار من أموالها المجمدة عبر السنوات سيتم الإفراج عنها، ولها الحق فى استخدامها كيفما تشاء. وماذا عن تعاملات واشنطن مع إيران فى ما يخص «داعش» (العدو المشترك) فى العراقوسوريا؟ وهل ستتغير مواقف طهران تجاه سوريا وحزب الله واليمن؟ وأسئلة عديدة مطروحة جار البحث عن إجابة أو إجابات لها.. المنطقة برمتها تمر بمرحلة تساؤلات ومصادمات لا يعرف مصيرها أحد.