وزير التعليم العالي يشهد إطلاق شراكة جديدة بين الحكومة والقطاع الخاص    محافظ الجيزة يكرم 100 من حفظة القرآن بمركز الواحات البحرية.. فيديو    صحيفة "يسرائيل هيوم": القيادة السياسية الإسرائيلية صدقت على عمليات لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم    ارتفاع حصيلة ضحايا العاصفة بوريس ل 22 قتيلًا وسط وشرق أوروبا    مدبولي يكشف تفاصيل مسودة اتفاق حماية وتشجيع الاستثمارات المصرية السعودية    وزير الرياضة يلتقي رئيس اتحاد الووشو كونغ فو    جهاز حماية المستهلك: استقبال 11263 شكوى خلال سبتمبر الجاري    أحمد عزمي يناشد "المتحدة": لا طعم للحياة بدون عمل    فيلم عاشق على قمة شباك تذاكر السينما في مصر.. تعرف على إيراداته    «السبكي»: الفحص الإكلينيكي الدقيق والشامل للمريض خطوة أساسية للتشخيص السليم    الآن.. الاستعلام عن مسابقة معلم مساعد 2024 (التفاصيل)    1342 مدرسة تستعد لاستقبال 825 ألفا و700 طالب في بني سويف    الحكومة تستعرض الخطة التشريعية خلال دور الانعقاد المقبل لمجلس النواب    هاريس تتعهد بإصلاح نظام الهجرة حال فوزها بالانتخابات الرئاسية    حماس: العدوان لن يجلب للاحتلال ومستوطنيه إلا مزيدا من الخوف والدماء    محافظ الدقهلية ورئيس هيئة الأبنية التعليمية يفتتحان مدارس في السنبلاوين    أخبار الأهلي: بعد تعاقده مع الأهلي.. شوبير يعلن موعد بداية برنامجه    فانتازي يلا كورة.. ارتفاع سعر لويس دياز    "الموت قريب ومش عايزين نوصله لرفعت".. حسين الشحات يعلق على أزمتي فتوح والشيبي    تنسيق الشهادات الفنية 2024.. الحد الأدنى للقبول لشهادة سياحة    برلماني عن ارتفاع أسعار البوتاجاز: الناس هترجع للحطب والنشارة    خلال ساعات.. صرف مرتبات شهر سبتمبر 2024 بعد قرار وزارة المالية الجديد (احسب قبضك)    مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما يكرم "هاني رمزي" فى دورته السابعة    توقعات برج الحمل غدًا الجمعة 20 سبتمبر 2024.. نصيحة لتجنب المشكلات العاطفية    أول ظهور لشيرين عبدالوهاب بعد أنباء عن خضوعها للجراحة    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    البيئة :خطوة تفعيل رسوم المخلفات الصلبة البلدية دفعة قوية تضمن استدامة تشغيل المنظومة مالياً    "خناقة ملعب" وصلت القسم.. بلاغ يتهم ابن محمد رمضان بضرب طفل في النادي    حادث درنة الليبية.. تفاصيل فاجعة وفاة 11 عاملًا مصريًا في طريقهم للهجرة    خبير سياسي: العدوان الإسرائيلي على لبنان اختراق استخباراتي وليس هجمة سيبرانية    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    بقيت ترند وبحب الحاجات دي.. أبرز تصريحات صلاح التيجاني بعد أزمته الأخيرة    إزالة تعديات على مساحة 14 فدان أراضي زراعية ضمن حملات الموجة ال23 في الشرقية    براتب 6000 .. وزارة العمل: 96 وظيفة شاغرة للشباب بمحافظة القليوبية    حزب الله: هاجمنا بمسيرات انقضاضية تمركزا لمدفعية الاحتلال    أبرز تصريحات الشاب خالد ف«بيت السعد»    عاجل| حزب الله يعلن ارتفاع عدد قتلى عناصره من تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية ل 25    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    انتشار متحور كورونا الجديد "إكس إي سي" يثير قلقًا عالميًا    جامعة الأزهر تشارك في المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان»    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    محافظ الإسكندرية يتابع المخطط الاستراتيجي لشبكة الطرق    نجم هوليود ميخائيل جوريفوي يقدم ورشة في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح    حزب الله يهاجم تمركزا لمدفعية إسرائيلية في بيت هيلل ويحقق إصابات مباشرة    وزير الصحة: صناعة الدواء المصرية حققت نجاحات في أوقات شهد فيها العالم أزمات كبيرة    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق فى الهرم    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «لو مش هتلعبهم خرجهم إعارة».. رسالة خاصة من شوبير ل كولر بسبب ثنائي الأهلي    «الرقابة الصحية»: نجاح 11 منشأة طبية جديدة في الحصول على اعتماد «GAHAR»    ضبط عنصر إجرامى بحوزته أسلحة نارية فى البحيرة    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    أسعار الأسمنت اليوم الخميس 19-9-2024 في محافظة قنا    كيفية الوضوء لمبتورى القدمين واليدين؟ أمين الفتوى يوضح    حامد عزالدين يكتب: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    لو عاوز تمشيني أنا موافق.. جلسة حاسمة بين جوميز وصفقة الزمالك الجديدة    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجواهرى.. الشاعر الثائر يغازل بديعة مصابنى
نشر في التحرير يوم 19 - 07 - 2015

(كذبوا، فملء فم الزمان قصائدى أبدا تجوب مشارقا ومغاربا تستلُّ من أظفارهم، وتحطّ من أقدارهم، وتثلُّ مجدا كاذبا أنا حتفهم، ألجُ البيوت عليهمُ أغرى الوليدَ بشتمهم والحاجبا)
هكذا كان يدرك الشاعر العربى العراقى الثائر قدر نفسه، ودوره فى الحياة العربية السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية، فهو الذى عاش القرن العشرين كله (مولود فى 26 يوليو 1899، ورحل فى 1 يونيو 1997) وحضر هزائمه وانتصاراته، وهاجم وأدان وشجب وحرّض، وسجن واعتقل وتم تشريده، وكذلك عمل فى بلاط الملك فيصل، الذى كان يحب الشعر، ولكنه -أى الجواهرى- ضجر وتمرد فاستقال، ليعمل فى الصحافة.
حضور الجواهرى فى كل الأحداث العربية، لم يكن حضورا سلبيا، ولم يكن حضور الشاهد المحايد، بل كان حضور الفاعل والمشارك والمحرّض على انتزاع الحرية من الحكّام، كان ينتصر دوما للجانب المعتم من الصورة حتى تضىء، وكان يقاتل فى صفوف العدل المفقود فى الأرض العربية طيلة حياته حتى هذه اللحظة التى نحتاج فيها إلى كلماته.
كانت -وما زالت- قصائده تفزع الطغاة والحكّام والمسؤولين، وعندما أقول «ما زالت»، فأنا أعنى ذلك تماما، فعندما كنت زائرا لبغداد منذ عامين تقريبا، وكنا فى محفل شعرى مهيب، فى إحدى القاعات الثقافية الرسمية، وكانت إحدى بناته موجودة فى القاعة، وبالطبع كانت القاعة تزدحم بالمسؤولين، وصعد أحد الحاضرين ليقرأ قصيدة للجواهرى احتفالًا بحضور ابنته، زمجرت بعض الأصوات، وحمحمت بعض الحناجر، وسرت فى القاعة همهمات المخبرين.
ورغم أن الجواهرى حاضر بقوة، وفاعل فى المشهد، ولا فكاك من هذا الحضور المفزع فى مواجهة الاستبداد عموما، فإن هؤلاء المستبدين القدامى والجدد، يريدون أن يكون حضوره على شكل الأيقونات التى تتحول إلى تيمات فلكلورية، ولكن الشعراء العظماء الأحرار مثل الجواهرى والشابى والمتنبى تستعصى كلماتهم على ذلك التدجين الفلكلورى الخبيث.
ويحكى غالى شكرى فى حوار طويل معه، بأن صورتين لا يستطيع أن ينساهما، الأولى عندما كان شكرى يتجول فى بغداد، وجاءت سيرة الجواهرى، فوجئ بأحد العامة يتلو عيون شعره، وبعض قصائده التى يحفظها عن ظهر قلب، وكأن هذا الحفظ نوع من الأداء الوطنى المعتاد، أما الصورة الثانية، فعندما كان يسير فى الشارع مع الجواهرى، كان المارة يستوقفونه لالتقاط الصور، وكان الجواهرى يستجيب ويلبّى، فهو كان يتنفس حقيقة بين الناس، كما أن الناس كانوا يتنفسون شعره الذى يمنحهم روح التحدى والنضال من أجل الحرية.
وللجواهرى قصائد كثيرة فى التأبين، ولكنها لم تكن مثل المراثى التقليدية، التى تتحدث عن مآثر الفقيد الراحل، بل كانت قصائده ومراثيه تلعب أدوارا مثل الأحداث، ويكتب محمد دكروب فى كتابه «وجوه لا تغيب»، عن هؤلاء الباعة الذين كانوا ينادون على صحفهم «اقرؤوا قصيدة الجواهرى الجديدة.. اقرؤوا قنبلة الجواهرى الجديدة فى وجه الطغاة».
ففى الحفل الذى أقامته لجنة تأبين الفقيد الوطنى عبد الحميد كرامى فى لبنان، وذلك عام 1951، ألقى الجواهرى قصيدته فى حضور رياض الصلح رئيس الوزراء، ثم حسين العوينى الذى تولى الرئاسة بعده مباشرة، وكانت الصفوف الأولى تكدست بالمسؤولين والسادة الحكّام، وإذ بالجواهرى يوجه لهم خطابه الشعرى:
(باق -وأعمار الطغاة قصار-
من سفر مجدك عاطر موّار
متجاوب الأصداء نفح عبيره
لطف، ونفح شذاته إعصار
رفّ الضمير عليه فهو منّور
طهرا كما يتفتح النّوار)
واستطرد الجواهرى فى قصيدته الطويلة يجلد هؤلاء السادة، حتى تجردوا عن وقارهم، فأسلوا له ورقة -وهو يقرأ قصيدته- على المنصة، بأن يغاد بيروت فى خلال أربع وعشرين ساعة، فلم يتزعزع ولم ينحن ولم يضعف، ولكنه ازداد حماسا وشراسة، ويكتب الذين حضروا هذه الأمسية، بأنه راح يطلق نظراته النارية نحو الصفوف الأولى التى ازدحمت بكل هذه الطغمة من المستبدين الجدد.
ويكتب نورى عبد الرزاق فى صحيفة «المساء» بتاريخ 19 يوليو 1958 عن واحد من رواد الثورة العراقية، وهو جعفر أبو التمن، والذى توفى عام 1946، فكانت قصيدة الجواهرى إحدى روافع الحركة الوطنية العراقية فى ذلك الزمان، والتى كان يرددها العراقيون فى معظم المناسبات الوطنية.
هذا الجواهرى الثائر الحرّ المناهض لكل أشكال الاستبداد، والمتحمس للحرية بشكل كبير، هو ذاته الجواهرى العاشق والمحب واللاهى، والذى تستغرقه لمسة إحدى المضيفات فى مطعم ببراغ، أو بائعة حاجيات فى محل ببيروت، فيظل معلقا نظرته تجاه جمال هذه، ورقة تلك، وله فى ذلك الأمر قصائد وقصائد، منها قصيدته «النزعة - أو ليلة من ليالى الشباب)، وفيها يصف ليلة نواسية بشكل واضح وصريح وبديع فى الوقت نفسه، وكتب بضع قصائد أخرى فى هذا المنحى، قلّبت عليه الرأى المتخلف الرجعى، هذا الرأى الذى لا يعرف أن الشاعر هنا، مثله هناك، وأن متشابهات الشاعر ليست كمتشابهات الشخص المحافظ.
وفى هذا الشأن وجدت له قصيدة فى حضرة الراقصة اللبنانية بديعة مصابنى، التى عاشت كثيرا فى مصر، وكانت متزوجة من الفنان نجيب الريحانى، وتلك القصيدة ارتجلها الجواهرى عام 1936 والشاعر ولفيف من إخوانه يضمهم مرقصًا من مراقص بغداد، وهذا الهامش ورد فى ذيل القصيدة المنشورة فى الجزء الثالث من ديوان الجواهرى، والمطبوع عام 1953، والقصيدة تطالعنا فى صفحة 118، رغم أنها الوحيدة التى لم تدرج فى «فهرست الديوان»، وعنوان القصيدة «بديعة»، ويقول فى مطلعها:
(هزّى بنصفك واتركى نصفا
لا تحذرى لقوامك القصفا
فبحسب قدّك أن تسّنده
هذى القلوب، وإن شكت ضعفا
أعجبت منك بكل جارحة
وخصصت منك جفونك الوطفا
ترضين مقتربا ومبتعدا
وتخادعين الصفّ فالصفّا
أبديعة ولأنت مقبلة
تستجمعين اللطف والظرفا)
هكذا يتنقل الجواهرى بين ظواهر الحياة المختلفة معبرًا بصدقه الذى يمنحه شرعية «الشاعر» بالألف واللام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.