هناك من يرى أن الولاياتالمتحدة باعتبارها القوة المسيطرة على النظام العالمى الجديد تهدف إلى صياغة قواعد قانونية دولية جديدة تراها أدنى إلى حماية مصالحها وتحقيق الأهداف التى تسعى إلى فرضها على العالم، بعد أن أصبحت القوة العظمى الوحيدة المتربعة على قمة العالم، والتى لا تقبل شريكا أو منافسا فى تسيير شؤونه ورسم الإطار العام الحاكم لحركته فى ظل القيم والمعايير والأنماط الأمريكية. ولعل المثال الأكثر دلالة فى هذا السياق هو استخدام القوة فى العلاقات الدولية، وتحديد معنى الإرهاب. وفى ما يتعلق بمشروعية استخدام القوة فى العلاقات الدولية، فليس ثمة شك فى أن قاعدة حظر استخدام أو التهديد باستخدام القوة فى العلاقات الدولية تعد واحدا من أهم وأبرز إنجازات القانون الدولى المعاصر، كما تأتى على رأس قائمة قواعده الآمرة التى لا يجوز مخالفتها أو الاتفاق على مخالفتها بحال. وهى القاعدة التى يُحرم بموجبها على أشخاص القانون الدولى استخدام القوة المسلحة أو التهديد بها فى علاقاتهم المتبادلة، إلا فى الحالات الاستثنائية التى نص عليها ميثاق الأممالمتحدة ذاته، وهى حالة الدفاع الشرعى الفردى أو الجماعى عن النفس الذى قضت به المادة الحادية والخمسون من الميثاق، وحالة التدابير المتخذة بموجب نظام الأمن الجماعى وفقا لقرار صريح من مجلس الأمن إعمالا لنصوص الفصل السابع من الميثاق، بالإضافة إلى استخدام القوة المسلحة من جانب حركات التحرر الوطنى فى سعيها المشروع للحصول على الاستقلال من الاستعمار أو الاحتلال الأجنبى ومقاومة النظم العنصرية الصارخة، بيد أن الظاهرة الأبرز التى ميزت عالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتى كانت -فى هذا الصدد- هى الاستخدام الأمريكى المنفرد للقوة المسلحة على خلاف قواعد القانون الدولى المستقرة، وبعيدا عن الأممالمتحدة ودون الخضوع لسلطتها، مثل استخدام القوة من جانب الناتو بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية فى كوسوفا عام 1998 دون تفويض من مجلس الأمن الدولى. وعلى الرغم من أن الغزو الأمريكى للعراق فى 2003 ينطوى على استخدام غير شرعى للقوة، فإنه يعد نموذجا مختلفا، إذ بررت الولاياتالمتحدة تدخلها بأن العراق يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين من خلال امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وأن قيامها بهذا الأمر يمكن اعتباره «دفاعا شرعيا وقائيا عن النفس». أما تحديد معنى الإرهاب الدولى ومحاربته، فقد شهدت الساحة الدولية منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 انشغالا غير مسبوق بمسألة تحديد معنى الإرهاب وسبل التعامل معه، لا سيما مع قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية منفردة برفع راية «الحرب الدولية ضد الإرهاب»، ومحاولتها فرض مفهومها للإرهاب وطريقة مواجهته على غيرها من دول العالم، وما تلا ذلك من شن الحرب ضد أفغانستان تحت ادعاء أن نظام الحكم فيها هو المسؤول عن أحداث الحادى عشر من سبتمبر بدعمه وحمايته لتنظيم القاعدة الذى تتهمه الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمسؤولية عن هذه الأحداث، بل قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بتوظيف مسألة تعريف الإرهاب وتحديد سبل التعامل معه (بشكل خاص من خلال الحرب العالمية ضد الإرهاب) فى إحداث تغيير بعض القواعد والممارسات القانونية الدولية المستقرة، ويظهر ذلك فى قيام واشنطن بتقنين الانتقال من آلية تشريع الحرب داخل الأممالمتحدة إلى مبدأ «شرعية الحرب الاستباقية»، بمعنى ضرب التهديد المرتقب بدلا من مواجهته عندما يتحول إلى مقام العمليات.