نيويورك تايمز:الإخوان فشلوا فى إصلاح الشرطة ويسعون لتحجيم حقّ التجمع السلمى قى البدء لا بد من كلمة، وذلك لمن يهمه الأمر.. مشاهد الوضع المتدهور فى مصر والمصادمات الدموية وقسوة الأجهزة الأمنية «غير غائبة» عن شاشات الاهتمام الإعلامى والسياسى الأمريكى. ولا أحد يتجاهل أو «بيطنش»، كما أن لا أحد يأخذ (بلا شكوك) برسائل «التطمين» والموال إيّاه «بأن الإصلاح الاقتصادى سيصلح كل شىء» ولذا لزم التنويه. ولا شك أن القراءة الأمريكية الأولية لزيارة كيرى للقاهرة تحمل أكثر من مجرد تعهد كيرى بتقديم مساعدة تقدر ب250 مليون دولار. وبالمناسبة البيان الصادر عن الخارجية من واشنطن والمتضمِّن لهذا الرقم وتفاصيل أخرى عن زيارة وزير الخارجية لمصر يحمل العنوان التالى: «مساندة الولاياتالمتحدة للشعب المصرى». ونشرت «نيويورك تايمز» أمس افتتاحية بعنوان «مصر فى حاجة إلى أن تتحرك» قالت فيها إن كيرى الذى أعلن عن المساعدة يوم الأحد «أوضح أن مسؤولية إيجاد أرضية مشتركة تقع أولا على الرئيس محمد مرسى» وأن مهمة السيد مرسى (كما قالت الافتتاحية) هى أن يُقنع المعارضة السياسية لكى ينضموا إليه فى حزمة إصلاحات اقتصادية سوف تؤدى إلى زيادة الضرائب وخفض دعم الطاقة وسوف تمهّد الطريق لقرض صندوق النقد. ورسمت «نيويورك تايمز» فى الافتتاحية صورة للوضع الحالى وكيف أن مصر «فى حاجة ملحّة لمؤسسات ديمقراطية قوية واقتصاد أكثر صلابة لكى تسير فى الطريق الصحيح وتتقدم نحو مستقبل أفضل». وذكرت الصحيفة: «بأن مخاوف المعارضة شرعية إذ بدلا من السعى نحو حكومة شاملة لا إقصاء فيها فإن مرسى وحزبه جمعوا السلطات وأسرعوا بإقرار دستور معيب وفشلوا فى إصلاح قوات شرطة فاسدة وقدموا مشروع قانون جديد سيحدّ من حق التجمع السلمى ويشجع أكثر سوء المعاملة من الشرطة». إلا أن المعارضة (كما تشير الافتتاحية) «لم تقدم بديلا متماسكا يستطيع أن يتحدى به الإخوان المسلمين أمام صناديق الانتخاب». وترى أن المعارضة ب«مقاطعة الانتخابات تُلحِق الهزيمة بنفسها»، وتستعمل الصحيفة الوصف نفسه، وهى تشير إلى مقاطعة مقابلة كيرى لأنهم «يرفضون الضغط الأمريكى». وتقول: «بصراحة من الصعب معرفة ماذا تريد المعارضة فعلا من واشنطن؟ فهى فى لحظة تحذّر من التدخل وفى لحظة تليها ترى أن الأمريكان يخطئون لأنهم لا يتعاملون بشدة أكثر مع مرسى». وتختتم «نيويورك تايمز» افتتاحيتها بالقول: لقد حثّ كيرى كل المصريين على أن يقفوا معا لمواجهة تحديات مصر وفى الوقت ذاته أكد لهم أن الولاياتالمتحدة «ليست ملتزمة بأى طرف ولا لأى فرد ولا لأى وجهة نظر سياسية بعينها» ولكن بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتسامح. وحسب الصحيفة فإن «هذا ضرَب بالضبط على الوتر الصحيح». ولقد لفت انتباه المراقبين حرْص كيرى على القول فى بيانه «بأن الولاياتالمتحدة تستطيع وتريد أن تفعل أكثر» والبيان صدر عقب الانتهاء من زيارته لمصر بقليل. وكان وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى قد اجتمع مع الرئيس مرسى يوم الأحد لمدة ساعتين منها نحو ساعة فى لقاء منفرد تضمن، حسب ما قاله مسؤولون أمريكيون، ما يمكن وصفه ب«نقاشات صريحة وحادة» حول اقتصاد مصر المنهار والمأزق السياسى بها. هذا ما ذكرته «واشنطن بوست». وقالت الصحيفة أيضا إن حزب الحرية والعدالة (الذى ينتمى إليه مرسى) وصف زيارة كيرى بأنها جهد حسَن النية من أجل تخفيف التأزم السياسى ما بين الحكام الإسلاميين والمعارضة العلمانية. ونقلت عن عمر دراج القيادى البارز بالحزب قوله: «إنها زيارة مهمة، ونحن نعتقد أن دافعها تصميم الولاياتالمتحدة على التعامل مع الشرعية الدستورية الحالية فى مصر». ولاحظت الصحفية آن جيران ب«واشنطن بوست» والمرافقة لكيرى فى جولته بأن «رغم أن واشنطن أعربت عن قلقها حول الدستور المصرى الذى تم اعتماده العام الماضى فإن كيرى لم ينتقد علنًا الدستور فى هذه الزيارة». كما أن جيران ذكرت فى تقريرها حول المساعدة المالية أن «المتبقى من ال450 مليون دولار (المبلغ التى وعدت بها واشنطن من قبل) أى 260 مليون دولار يمكن الإفراج عنه فى المستقبل إذا اتَّبع مرسى الإصلاحات التى تعهد بها. وذلك حسب ما قاله مسؤول أمريكى، بشرط عدم الإفصاح عن اسمه، لأنه (كما كتبت «واشنطن بوست») «يصف مسألةً حساسةً دبلوماسيًّا». ولم يكن بالأمر الغريب أن تبدى الجهات والدوائر المعارضة لإدارة أوباما شكوكها تجاه هذا «الاندفاع غير العاقل» لمساندة مصر التى تديرها حكومة إسلامية، كما أن البعض أعرب عن دهشته كيف أن إدارة أوباما تنهج سياسة قطع بنود عديدة من ميزانية الدولة، وفى الوقت ذاته تمنح مصر 250 مليونا من الدولارات؟ ولم ينسَ أغلب المعلقين السياسيين أن يذكّروا بأن الأموال الأمريكية التى منحت فى صورة مساعدات عسكرية واقتصادية لمصر على مدى العقود الماضية بلغت نحو 70 مليار دولار. وبما أن لقاءات كيرى فى القاهرة كانت متعددة وشملت قضايا مختلفة فإن إلقاء الضوء عليها حسب ما رأه ويراه أهل واشنطن ضرورة.. وفى حاجة إلى رسالة أخرى. وبينما كان كيرى يستكمل جولته الخارجية الأمريكية فى الرياض، حضر جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكى، المؤتمر السنوى ل«إيباك» (أقوى لوبى مؤيد لإسرائيل) ليقول للآلاف من الحاضرين: «بينما نحاول أن نضمن نهاية للديكتاتورية فى سوريا نحن ساندنا وسوف نساند تحولا حقيقيا للديمقراطية المصرية. وليس لدينا أوهام ونعرف كم هو صعب هذه العملية وكم ستكون صعبة.. ومن الواضح أن تغييرا دراميا حدث فى مصر. والكثير مما حدث يعطى لنا أملا كما أن كثير يدفعنا إلى التوقف والتفكير.. ما يحدث سوف يؤثر علينا بشكل واضح. ونحن فى حاجة إلى أن نستثمر فى نجاح مصر واستقرارها. إن مصر مستقرة وناجحة سوف يتم ترجمتها فى ما بعد إلى منطقة مستقرة». وجدير بالذكر بأن بايدن نائب الرئيس بتحركاته وتصريحاته الأخيرة وأيضا باتصالاته الدولية واختياره لفريق عمل متميز لمعاونته يبدو أنه سيلعب دورا مهما فى دفع أجندة الإدارة الخارجية. وقال بايدن أيضا عن مصر: «نحن.. نحن لا ننظر إلى ما يحدث فى مصر من خلال نظارة وردية. ومرة أخرى نحن عيوننا مفتوحة وليست لدينا أوهام حول التحديات التى نواجهها. ولكن نعرف هذا أيضا: ليس هناك بديل شرعى آخر فى هذا الوقت للارتباط والمشاركة. وإننا فقط من خلال المشاركة يمكن لنا أن نركز على قادة مصر بضرورة الحفاظ على الالتزامات الدولية واحترامها ومنها وعلى وجه الخصوص معاهدة السلام مع إسرائيل. ونحن نستطيع من خلال المشاركة الفعالة فقط أن نضمن بأن حماس لا تعيد تسليح نفسها من خلال سيناء وتضع شعب إسرائيل فى خطر. إنه من خلال المشاركة فقط يمكن لنا أن نركز على حكومة مصر بأن مواجهة المتطرفين لأمر ملحّ. كما أنه فقط من خلال المشاركة يمكن لنا أن نشجع قادة مصر على إجراء الإصلاحات التى تعطى شرارة النمو الاقتصادى وتحقق استقرارا للعملية الديمقراطية. وكل هذه أمور شاقة وغير مضمونة. ولا يوجد شىء مضمون عن أى شىء فى الربيع العربى». وربما ما قد تكشفه القراءة الأولية والسريعة من واشنطن «لا تطرب آذان كثير فى القاهرة» إذ لا تأتى بما كان يرغبه أو ما يتمنى أن يسمعه ويقرأه أو ما يتطلع إليه البعض من أهل كايرو. وقد لا تتوافق هذه القراءة مع ما بدأ يقوله ويردده البعض من الساسة والمعلقين عن بعض ما حدث خلال الزيارة وما قاله كيرى لهم وما قالوه له. وبالتأكيد القراءة الرئاسية أيضا غالبا لا تتطابق مع ما قالته المعارضة أو ما قالته واشنطن.. واسألوا فى هذا وكالة «الأناضول».. إلا أن الزيارة فى كل الأحوال لم تكن زيارة «لحسم الأمور» بقدر ما كانت «زيارة للاستماع والتعارف» و«زيارة لتفتيح الموضوعات ولطرح القضايا» والأهم التأكيد أن كيرى كان يريد أن يستمع إلى الجميع.. لكل المصريين. وبالتأكيد لديه كثير ليقوله أيضا بعد رجوعه إلى واشنطن من جولته وتشاوره مع الرئيس أوباما وفريق الأمن القومى من أجل وضع أسلوب وآلية للتعامل مع الواقع المصرى. وذلك فى محاولة لاحتواء تبعات تدهور الواقع والتقليل من عواقب ما يحدث فى بر مصر. فليس من مصلحة أمريكا إبقاء الحال على ما هو عليه الآن، كما أنه أصبح من المُحال بالنسبة إلى المصريين قبول هذا الحال على ما هو عليه.. ثم الكلام عن الاستقرار.