تُسمى شبه جزيرة سيناء «بأرض الفيروز»، لثرائها بالمعادن، ولجمالها وسحر شواطئها الممتدة على سواحل البحر الأبيض شمالا، وخليج السويس جنوبا، والقناة غربا. ولكن سيناء هى أيضا نقطة ضعف استراتيجية فى الخريطة السياسية لمصر. فباستثناء واحد، كانت كل الغزوات الخارجية على مصر تأتى من الشمال الشرقى، عبر شبه جزيرة سيناء ابتداءً من الهكسوس (2000 ق.م) إلى الصهاينة (1967 بعد الميلاد)، وانتهاء بتنظيم القاعدة المتطرف، وحلفائه من حركة حماس الفلسطينية (2012-2013م). أما الاستثناء التاريخى لغزو مصر من الغرب، فقد كان على يد الفاطميين، الذين وفدوا من المغرب العربى قبل ألف وأربعين عاما. وكانت هناك محاولة لم يكتب لها النجاح على يد المارشال روميل، القائد الألمانى الذائع الصيت فى أواخر سنوات الحرب العالمية الثانية (1945م)، حيث هُزم فى معركة العالمين، على يد المرشال البريطانى مونتجمرى. فكما هزمت ثلوج روسيا، القوات الألمانية فى ستالينغراد، هزمت رمال الصحراء الكبرى دبابات روميل فى نفس السنة. أما لماذا كانت البوابة الشمالية الشرقية هى الأسهل على الغزاة الطامعين فى مصر، فلأنها شبه خالية من السكان. وكما يقول لنا علماء الجغرافيا السياسية، إن أى أرض خالية، أو غير مأهولة بالسكان، فهى أرض تدعو الغزاة إلى احتلالها. وقد شهدت سيناء عدة عمليات من تلك الجماعات المتطرفة، سواء بالهجوم على المنتجعات السياحية (مثل دهب وشرم الشيخ) أو بنسف أنابيب الغاز فى وسط سيناء، أو الاعتداء على وحدات من الجيش المصرى فى شمال سيناء (رفح والعريش). لذلك فكر مهندس عسكرى مصرى، من الذين خاضوا حروب مصر على رمال سيناء فى العقود الثلاثة الأخيرة، وهو المهندس سيد الجابرى، فى مشروع عملاق لتعمير سيناء، وفيه أيضا شفاء لكثير من أمراض الوطن المصرى كله. وينطوى المشروع على حفر قناة من العريش على البحر المتوسط إلى طابا على خليج السويس، الذى يتصل بالبحر الأحمر. أى أن المشروع يُشبه إلى حد كبير مشروع قناة السويس نفسه، ولكن مع فوارق هامة. فكما يتصوره المهندس سيد الجابرى، فإن القناة الجديدة (طابا - العريش) ستكون أكثر اتساعا (800 متر) وأعمق (100 متر) من قناة السويس (500 عرضا و80 عمقا). وبالتالى تصلح لاستقبال السفن العملاقة، التى لا تتسع لها قناة السويس فى الوقت الحاضر، فتذهب من أسيا إلى أوروبا، وبالعكس، ومن طريق بديل، وهو الدوران حول رأس الرجاء الصالح (بجنوب أفريقيا). وطبقا لحسابات مشروع قناة طابا العريش، فإن دخل مصر من حركة الملاحة فى هذه القناة الجديدة سيكون ثلاثة أمثال دخل قناة السويس، بسبب الرسوم الأعلى على ناقلات البترول والحاويات العملاقة، بسبب أوزانها الأثقل (حيث إن الرسوم تتحدد طبقا للأوزان)، وأعدادها الأكثر. وستظل قناة السويس، كما نعرفها، تقوم بدورها للسفن الصغيرة والمتوسطة. وتؤكد الدراسات التى استعان فيها سيد الجابرى بجيش من الخبراء المصريين، والمستشارين الأجانب أن المشروع قابل للتنفيذ جيوفيزيقيا، وأنه ذو جدوى اقتصادية مبهرة. فمشروع (العريش - طابا) يجعل من طرفيه موقعين صالحين لإقامة مدينتين رئيسيتين للجذب السكانى، أسوة بالسويس وبورسعيد على طرفى قناة السويس. كما أنه ينطوى على إنشاء مدن أخرى وسيطة مثل الإسماعيلية وبور توفيق على امتداد المجرى الجديد. فهو يوفر نحو مليون فرصة عمل، وكل فرصة عمل هى نواة لأسرة بأكملها، أى ثلاثة أو أربعة أفراد آخرين. أى أننا نتحدث عن أربعة إلى خمسة ملايين نسمة ينتقلون إلى سيناء من وادى النيل، أو يتوالدون على أرض الفيروز خلال السنوات العشر التى يستكمل فيها المشروع، من الأف إلى الياء. كذلك ينطوى هذا المحور العمرانى الجديد على نمو صناعات وأنشطة جديدة ومتنوعة من أحواض لإصلاح السفن، إلى صناعات للبناء والزجاج من رمال سيناء النادرة، إلى التنجيم والتعدين، وإعادة إحياء مناجم قديمة، أهملت بسبب نقص الموارد والعمالة، أو عدم جاذبية وسط سيناء للإقامة والاستيطان، وهو ما سيتغير تماما مع المشروع الجديد. وأخيرا، وليس آخرا هناك فُرص فريدة لبناء جامعات متخصصة لا فى البترول والمعادن فحسب، ولكن فى كل علوم البيئة، وهى العلوم التى تنمو وتزداد أهميتها بسبب الاختلالات المناخية التى أسهمت فيها الثورة الصناعية الأولى، التى كان عمادها الفحم والحديد، وما ارتبط بالاستخدام الجشع وغير المقنن لهما فى تلويث البيئة، وبداية ذوبان جليد القطبين الشمالى والجنوبى. وخلاصة القول، أن محور (العريش - طابا) العمرانى سيستفيد من كل أخطاء ودروس الطفرات التنموية والصناعية السابقة، وسيكون انتقائيا فى مشروعاته بحيث تكون صديقة للبيئة، بثلاثية عناصرها من الأحياء (البشر والحيوان والطيور) والماء، والهواء، والتربة. لقد شاهدت عرضين قدمهما المهندس سيد الجابرى، موثقين بالأرقام والصور وشهادات كبار العلماء من مصر والخارج. وحينما يتحدث الرجل عن سيناء، فكأنه الموسيقار بتهوفن يعزف سيمفونيته الخامسة، أو كأنه قيس ينشد أشعاره فى عشق ليلى، أو كأنة المشير عبد الغنى الجمسى، يستعد لحرب أكتوبر، واختراق خط بارليف. بل قل إنه عبد الناصر جديد، بتصميمه على بناء السد العالى. وإذا كانت مصر الولاّدة قد أنجبت هؤلاء جميعا، فإن سيد الجابرى هو آخر هذه السلسلة من النجباء الأوفياء. وعلى الله قصد السبيل