وقعت القوى السياسية المختلفة على الوثيقة التى أعدت فى رحاب الأزهر وهى وثيقة تجرم العنف وتدينه وتدعو القوى السياسية المختلفة إلى نبذه، وهى وثيقة تمثل توافقا بين القوى السياسية المختلفة، وفى تقديرى أن القوى المدنية وهى توقع على هذه الوثيقة إنما تكون نابعة من رؤيتها والمبادئ التى تؤمن بها وهى مبادئ الإيمان بالتغيير السلمى، طالما أن هذه القوى لم تؤمن فى يوم من الأيام بالعنف أداة للتغيير، وهى عندما خرجت فى الخامس والعشرين من يناير 2011 إنما خرجت فى مظاهرات سلمية للاحتجاج على عنف السلطة وتجاوزات الأمن وجرائمه بحق المصريين، وقد اختارت يوم عيد الشرطة لإرسال رسالة غضب واحتجاج ضد شرطة العادلى، وقد أدى عنف الشرطة وبطء مبارك إلى تصاعد الغضب وزيادة حدته على النحو الذى طرح لاحقا شعار إسقاط النظام، وجرى ما جرى وكان التغيير الثورى. وجاءت المرحلة الانتقالية لتشهد استمرار المناورات والمراوغات من جانب المجلس العسكرى وتوصل إلى الصفقة مع الجماعة فى المسرحية التى قادت إلى تعديلات دستورية مثيرة للجدل وانتخابات برلمانية أكثر جدلا وصولا إلى نجاح مرشح الجماعة الاحتياطى فى الفوز بمنصب الرئيس فى انتخابات أثارت من التساؤلات أكثر مما قدمت من إجابات للمصريين. بدأ الدكتور مرسى ولايته مقدما نفيه إلى المصريين باعتباره مرشح الثورة الذى جاء لتحقيق أهدافها، وسرعان ما تكشفت الحقائق أمام المصريين وهو أن الرجل جاء لقطف ثمار الثورة مع الجماعة، وارتد عن كل ما قال وخالف كل تعهد قطعه للمصريين، بدأ عملية تمكين الجماعة من مفاصل الدولة، مزق مؤسسة القضاء وحاول اختراقها، استعان بخلايا الإخوان النائمة فى مؤسسة الدولة لتنفيذ سيناريو التمكين، بدأ مبكرا فى عملية توزيع المناصب كغنائم على الجماعة، واستعان بمن كان مستعدا لتنفيذ مخطط التمكين أو المساعدة فى تنفيذه، تدريجيا بدأت القوى الثورية التى سبق لها وأيدت مرسى فى جولة الإعادة فى مواجهة الفريق أحمد شفيق، تتململ من محاولات تهميشها والسيطرة على مفاصل الدولة والتخلى عمليا عن شعارات الثورة، تجمعت كل أشكال الاحتجاج قبيل حلول الذكرى الثانية للثورة فانفجرت موجة جديدة من موجات الثورة احتجاجا على خيانة الجماعة لما سبق وقطعته من وعود وعدم تحقيق أىٍّ من مطالب الثورة، هنا عاد مرسى والجماعة إلى الاعتماد على الأمن فى محاولات قمع الثوار الذين عادوا إلى الميادين، كلف وزير داخليته الجديد محمد إبراهيم باتباع سياسات العادلى ومنهجه فى القمع والتعذيب والقتل، ولم يؤد كل ذلك إلا إلى مزيد من الغضب مع سيادة شعار رغبة الشعب فى إسقاط النظام. لم تحقق الشرطة لمرسى والجماعة ما أرادوا من السيطرة على الأوضاع، فكان قرار إعلان حالة الطوارئ فى مدن القناة وتكليف الجيش بضبط الأوضاع مع منحه الضبطية القضائية، كان الجيش من الذكاء والوطنية بحيث إنه لم يتورط فى عمليات قمع المصريين فى مدن القناة، وكانت إرادة وعزيمة أهل القناة كفيلة بإسقاط طوارئ مرسى والجماعة، فقد بدؤوا التظاهر مع بدء ساعات الحظر ونال مرسى ما يستحق من غضب أهل القناة، فكان التراجع المهين عن الحظر عبر تكليف المحافظين باتخاذ ما يرون من تخفيف أو رفع لحظر لم يكن موجودا من الأصل. وأدى عنف الشرطة بأوامر وزير داخلية الجماعة إلى ردود قوية من الشباب فى شكل الرد على وزير داخلية الجماعة بما كانوا يردون به على وزير داخلية مبارك وظهرت جماعات جديدة للرد على عنف الشرطة وميليشيات الإخوان. هكذا لم ينتشر العنف من فراغ، بل جاء كنوع من الرد على عنف الشرطة من ناحية واعتداءات ميليشيات الجماعة من ناحية ثانية ومواجهة محاولات الهيمنة على مفاصل الدولة المصرية والسيطرة على مقدرات البلاد من ناحية ثالثة وعدم تحقيق مطالب الثورة من تحقيق العدالة الاجتماعية والقصاص للشهداء وكشف الطرف الثالث من ناحية رابعة واختطاف الدستور وإهانة وتدمير مؤسسة القضاء ومخطط بيع مصر وأمنها القومى للشقيقة الكبرى قطر من ناحية خامسة. هكذا اندلع العنف الذى سعت وثيقة الأزهر إلى نبذه وتجريمه، وهو أمر يتحقق فقط فى حال استكمال العمل بحل معضلات خمس خلقتها جماعة الإخوان ومسؤول ملف الرئاسة داخل الجماعة، وهى معضلات الدستور، وقانون الانتخابات، الحكومة، والنائب العام وسياسات الأخونة، وهى المعضلات التى طرحتها مباشرة مبادرة حزب النور التى اقترحت تعديل الدستور وقانون الانتخابات، وإقالة النائب العام وتعيين آخر بترشيح من مجلس القضاء الأعلى، وتغيير الحكومة عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية أو إنقاذ وطنى، وأخيرا وقف زحف الجماعة على مؤسسات الدولة من خلال صياغة عامة لهذا المطلب. المؤكد أن تجاوب الجماعة مع مكونات مبادرة حزب النور يعالج جذور ومسببات ظاهرة العنف المستشرى فى المجتمع المصرى، وبدلا من أن تتجاوب الجماعة مع المبادرة احتفت بما جرى التوقيع عليه فى الأزهر وبدأت تثير الانقسام من جديد داخل حزب النور، وعادت التصريحات التى تتسم بالغطرسة والتنصل من كل ما ورد فى مبادرة حزب النور، وهنا يتوقع أن تتصاعد موجات العنف فى المجتمع ويبدو أن الجماعة قررت المضى قدما فى مخططها الذى قسم البلاد ومزقها ونشر العنف والفوضى فى أركانها، ويتوقع معه مزيد من العنف الذى يضرب البلاد.