ثورة أسقطت النظام، استطاعت أن تثبت أن الساحة تتسع للجميع وأن تنصف بعض الثقافات التى كان الحيز الذى تظهر من خلاله ضيقا للغاية، فانتشرت خلال العامين الماضيين ثقافة «الأندر جراوند» «Under Ground». ظهرت تلك الثقافة فى فرنسا قبل فترة طويلة، حينما كان الموسيقيون يقدمون فنونهم داخل محطات مترو الأنفاق للجمهور من المارة، وهو ما جعل هذه التسمية تلتصق بكل الفنون التى تفتقر إلى رأس المال وترتبط بالتجديد فى المعانى والمفاهيم، وكانت قد ظهرت فى مصر قبل الثورة على استحياء عبر عدد من الفرق الغنائية. «مسار إجبارى» و«كايروكى» و«مشروع كورال» و«اسكندريلا»، هى فرق أصبحت ذائعة الصيت عقب الثورة، وكذلك ظهر رامى عصام تحت لقب مطرب الثورة، وأصبحت حفلاتهم تستضيف جماهير كبيرة داخل ساقية الصاوى أو فى مكتبة الإسكندرية. الشباب كانوا هم الأكثر تفاعلا مع هذه الفرق، وهذا النوع من الغناء، خصوصا أنه كان الأقرب إلى أحلامهم وطريقة تفكيرهم وكذلك طموحاتهم، بعيدا عن الغناء التقليدى الذى يتم تقديمه، وعبر أغانٍ تحمل إسقاطات سياسية واجتماعية، كان ميدان التحرير شاهدا على ولادتها فى بعض الأحيان. الخامس والعشرون من يناير كان شاهدا على التحول الفنى الحاصل، ومعلنا لتصدر ثقافة «الأندر جراوند» خصوصا أنها جاءت للتحدث بلسان المصريين، بعيدا عن الأغنية الرومانسية التى كانت تتصدر المشهد، وأصبحت فرق مثل «بلاك تيما» و«وسط البلد» و«بساطة» من الفرق صاحبة الأغانى التى يتغنى بها الجميع داخل الميدان وخارجه، حتى إن تلك الفرق أصبح لها ألبومات داخل سوق الكاسيت واستطاعت أن تدخل فى المنافسة مع الكبار، وأن تكون هى المسيطرة على روح الثوار، بعيدا عن باقى الألوان الغنائية التى يتم تقديمها، وذلك على الرغم من أن هذه الثقافة كانت موجودة قبل الثورة بسنوات طويلة، ولكنها لم تكن منتشرة إلا على نطاق محدود، حتى أنصفتها الثورة المصرية التى كانت بمثابة الرحم التى احتضنت تلك الثقافة، وأسهمت فى انتشارها