الثورة «أنثى»، الحرية «أنثى»، العزيمة «أنثى»، البطولة «أنثى» والحضارة «أنثى».. لذلك لم يكن غريبا أن تكون المرأة والفتاة المصرية فى مقدمة الصفوف منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير 2011، تهتف وتلهم وتضرب الأمثال فى الشجاعة والنضال. وعلى مدار عامين لم تتوقف سيدات الوطن عن خوض المعارك وبذل التضحيات وتقديم الشهداء، ورغم ذلك كن أكثر الفئات إقصاء وتهميشا رغم ما يمثلنه من قوة ناعمة فى الوطن وأكثر الفئات التى انتهكت حقوقهن وتعرضن للعنف وللهجوم الشديد من قبل التيارات الإسلامية التى تريد الانقضاض على مكتسباتهن التى حصلن عليها بعد نضال طويل، وهكذا كن يخوضن طوال الوقت معارك عامة من أجل الوطن ومعارك خاصة للحفاظ على حقوقهن ومناهضة التمييز والإقصاء المتعمد ضدهن. فى عصر مبارك بدا فى الظاهر أن هناك محاولات لتمكين المرأة بإصدار قوانين مثل قانون الخُلع وإنشاء محكمة الأسرة وتعيين أول قاضية وهى المستشارة تهانى الجبالى بهدف إرضاء الغرب والأمريكان الذين اعتبرو تمكين المرأة جزءا من سياسات الإصلاح المطلوب من حكام المنطقة اتباعها، ولم تكن هذه الإجراءات إلا مجرد أشياء تستخدم للدعاية فقط، بينما من حيث الجوهر حدث تراجُع لدور المرأة فى الحياة السياسية ولم تستطع تحقيق نجاحات فى الانتخابات البرلمانية، ولم يستطع النظام تعيينها مثلا فى منصب المحافظ، كما تحملت المرأة الكثير بسبب سياسة الإفقار التى اتبعها نظام مبارك، وزادت نسبة المرأة المعيلة فى الأسر الفقيرة ولا أحد يستطيع نسيان أن ظاهرة التحرش الجماعى ضد المرأة نشأت فى عصر مبارك ولم يعرفها المجتمع إلا بعد قيام رجال شرطة مبارك بالتحرش بالمتظاهرات على سلم نقابة الصحفيين ضد استفتاء 2005 على تعديلات الدستور. أما فترة حكم المجلس العسكرى لم تختلف كثيرا عن فترة حكم مبارك، إن لم تكن أكثر وقاحة فى الإفصاح عن موقفها المعادى للمرأة خصوصا من شاركن فى الثورة، حيث تعرضن لاتهامات بشعة من قبل بعض قيادات المجلس، وتظهر بشاعة النظرة المتخلفة لقيادات المجلس القومى للمرأة فى ما وقع من كشوف العذرية للفتيات الثائرات اللاتى تم القبض عليهن من قبل الشرطة العسكرية، وكانت قضية سميرة إبراهيم قد كشفت عن هذه الجريمة الشنعاء كواحدة من فضائح العسكر التى وحّدت نساء مصر بشكل تلقائى ودون ترتيبات مسبقة، ولحق بها ما تعرضت له «ست البنات» للسحل والضرب، والتى عرّت المجلس العسكرى الذى جرَّدها رجاله من ملابسها فى أثناء مشاركتها فى أحداث مجلس الوزراء فى أواخر عام 2011 والتى لا تنمحى صورتها أبدا من أذهان العالم والجنود يسحلونها على الأرض عارية ولا يكفّون عن ضربها بالحذاء. وخرجت نساء مصر فى مسيرة حاشدة أبهرت العالم وأجبرت قادة «العسكرى» على أن يقدمن اعتذارا رسميا قبل نهاية اليوم، رغم أن من شاركن فى مسيرة الحرائر لم تُوجَّه إليهن دعوة مسبقة وكانت الدعوة نابعة من داخل كل فتاة وسيدة شاهدت نفسها فى نفس الموقف وخرجت لتعلن عن غضبها فى وجه من عرَّاها، ليكون الهتاف السائد وقتها «بنات مصر خط أحمر». ومع برلمان الإخوان ودستور الإخوان تعرضت المرأة لاغتصاب الحقوق التى حصلت عليها بجهد ونضال سنين من محاولات السماح بزواج الصغيرات (13 سنة)، وعدم تجريم الختان. عشرات المسيرات خرجت بعد ذلك بعد أن عرفت سيدات وفتيات الوطن الطريق وأصبحن يتنفسن الثورة، فمع كل دعوة للخروج إلى الميادين كانت هناك دائما مسيرة خاصة بالنساء لإثبات وجودهن ومشاركتهن فى النضال أسوة بالرجال، بالإضافة إلى مشاركتهن مع الرجال فى باقى المسيرات، ومن أشهر هذه المسيرات والتظاهرات مظاهرة 4 أكتوبر عام 2012 التى توجهت إلى قصر الاتحادية للمطالبة بحقوق النساء فى الدستور والتنديد بانتشار ظاهرة التحرش الجنسى، وتقدمت خلالها النساء بوثيقة تتضمن مطالبهن فى الدستور وقانونا لمناهضة التحرش، وكذلك المسيرة التى نظمتها النساء أمام مجلس الشورى للمطالبة بتعديل المادة الخاصة بالمساواة بين المرأة والرجل وحذف عبارة «بما لا يخالف شرع الله» من نصها حتى لا يتم الالتفاف على حقوق المرأة فى المساواة مستقبلا، ولا يمكن أن ننسى المسيرة التى خرجن فيها بالآلاف يحملن أكفانهن البيضاء، ويرتدين لون الحداد على أبنائهن وإخوانهن فى الوطن الذين راحوا ضحايا لميليشيات الإخوان فى موقعة الاتحادية 5 ديسمبر الماضى للمطالبة بالقصاص لشهداء الوطن والتحقيق مع قاتليهم ومحاسبتهم، وكذلك الوقفة التى نظمتها السيدات أمام تمثال نهضة مصر عند جامعة القاهرة ورفعن خلالها لافتات «باطل» للدستور الذى لم ينتصر لحقوقهن. القيادية فى جبهة نساء مصر وحزب التجمع شاهندة مقلد، قالت فى تصريحات خاصة ل«التحرير» إن العنف والإقصاء الممنهجَين ضد المرأة اللذين يستهدفان إقصاءها من العملية السياسية كان لهما رد فعل معاكس وإيجابى لدى النساء، وكانا من أسباب ازدهار الحركة النسائية المصرية ومشاركة عديد من السيدات للمرة الأولى احتجاجا على ما يمارَس ضدهن من عنف وإقصاء، والأهم -كما تتابع مقلد- هو مشاركة المواطنات العاديات من ربات البيوت ومن كانوا يسموهن «حزب الكنبة» وفى هذا مؤشرات إيجابية كبيرة، ومبشرة أن المرأة تنخرط فى العمل السياسى بقوة بعد انكسار حاجز الخوف بعد تنحى مبارك الذى أعطى قوة للجماهير وإحساسا بأنها تستطيع انتزاع حقوقها، متابعة: «مستبشرة خيرا أن المرأة فى طريقها إلى القضاء على القوى الظلامية التى تحاول أن تعيدنا إلى عصور الجاهلية الوسطى»، مؤكدة أن نساء مصر سيخرجن يوم 25 يناير للمطالبة بحقوقهن وحقوق الشهداء وجميع مطالب الثورة مثلما شاركن فى كل فصول الثورة منذ اليوم الأول.