فى شراب مستهلَك غالبا «فردة وفردة» كلتاهما يمين، ثم لمّ بنطلون البيجاما وضعْه داخل الشراب وارتدِ طاقية صلاة العيد الشبيكة أو شد كابيشون جاكت الترننج، ثم تأمل نفسك فى المرآة بهذه الهيئة مع دقن خفيفة تدفئ وجنتيك واستمتع بهيئتك وجرب قبل أن تخرج على أهلك أن ترقص فى المرآة رقصة «شك شك مرزوقة تعالى جنبى»، أنا شخصيا أفضل أن تؤديها أمامهم. فى التدثُّر ببخار القلقاس تمرينات لتصفية الروح من رذيلة التمرد على نوع بعينه من طعام الأم أو الزوجة، دع البخار يتخلل أصابعك وتعامل معه كفاتح شهية قبل أن يتشرب طبق الأرز الأبيض الساخن ب«السليق»، يا حبذا لو كان فى خلفية المشهد «روتانا كلاسيك» تبث فيلم «البحث عن فضيحة» بينما يصل طبق المخلل إلى السفرة متأخرا بعض الشىء.. يا كرابنتس.. يا حبابى. خُلق الشاى من أجل هذا الطقس، بل إن الأسطورة تقول إنه تم اكتشافه فى الشتاء عندما كان يجلس ملك صينى فى الحمام أمام إناء ماء يغلى ليستحم، ثم قرر أن يفتح النافذة ليغلق الشيش فهبت عاصفة محملة بأوراق الشجر سقطت واحدة فى الإناء ولم ينتبه الملك لذلك، وعندما جلس فى الماء فكر أن يغطس ليدفئ رأسه ويعمل «بقاليل» بالمرة فابتلع بعضا من الماء الذى تحول إلى شاى بفعل الورقة التى سقطت فيه، طلب الملك خادمه وقال له «الميه طعمها متغير» فقال له الخادم «إشَّاى بتقول كده» ومن هنا تم تسميته «إشَّاى»، هذه أسطورة كاذبة طبعا يا صديقى، لكن إذا أردت واحدة حقيقية فهناك أسطورة إفريقية تقول إنه بعد خلق الدنيا كان هناك ملاك مسؤول عن تحديد وقت الزواج لكل مخلوق، دخل الضفدع فقال له «تزوج مرتين، مرة فى أبريل ومرة فى أغسطس»، ثم دخل الحصان فقال له «أنت تتزوج فى مارس فقط» فشعر الحصان بالظلم فضرب الملاك بساقيه الخلفيتين بقوة وانصرف، ثم دخل الإنسان وسأل متى أتزوج؟ كان الملاك وقتها ساقطا على الأرض يتأوَّه بشدة من الألم فقال له بصعوبة وهو يشير له بالانصراف «فى أى وقت.. فى أى وقت». خُلق كوب الشاى الساخن لتمسكه بكلتا يديك بعد أن تخرجهما من مخبئهما تحت كُم جاكيت الترننج، لا بد من كوب زجاجى ليمنحك الدفء.. «المج» سيمنحك اللسوعة، بعد أن ينتقل الدفء إلى كفيك دلِّك بهما أذنيك وقفاك، لا تستهِن بمسألة القفا وتذكر أنك فى أول رد فعل لك ضد البرد تحاول أن تقلص حجم قفاك بأن تنكمش برأسك إلى الداخل كسلحفاة، وهو فعلٌ إذا نجحتَ فيه بالصدفة مرة واحدة ستتحول إلى سلحفاة حقيقية تعيش العمر كله فى دفء صادق، الأمر الذى يفسر كسلها الشديد وندرة خروجها من نفسها، لكن حتى تنجح وصفة الشاى عليك أن تزوِّده فى أثناء إعداده ب«عود قرنفل»، والأجمل أن تكون أنت المسؤول عن سِقاية الشاى لكل أهل بيتك طول اليوم. البرد يحب اللمة، هذا صحيح، لكنْ للبرد وليف مجهول اسمه «العزلة»، فلا مانع من اختراع «المربع السحرى» الذى يجعلك تنتظر البرد على أحر من الجمر سنويا، فى ظل إضاءة الأباجورة التى تليق بشخص بردان عليك أن تنسى فكرة اللابتوب وقائمة الأغانى الجاهزة، عليك بالراديو وبهجة أن تذاع أغنيتك المفضلة فجأة (علمونى حبك علمونى.. فيروز). اختر روايتك وتخلَّ عن الناقد الذى يعيش بداخلك واقرأ ببطء، يا حبذا لو كانت قراءة عن آلام البشر، اترك قدميك تتحركان تحت «البطانية المطبَّقة» كقطتين توأم، ولا ترد إلا على مكالمات «البردانين» فقط «أنت تعرفهم جيدا»، وامنح الروح بهجة القهوة الساخنة، صدِّقنى.. دقائق قليلة وستهجر كل ما سبق رغما عنك وتطلب من أمك أو زوجتك أن تسحب البطانية عليك وتطفى النور وتروح فى نوم لم تشهد له مثيلا منذ الشتاء الماضى. فقراء.. فعليك أن تحسدهم على «قروانة الأسمنت» المشتعلة أمام البيت طول الليل تبثهم الدفء والشاى المغلى والونس المجانى، «جرِّب أن تُشعل واحدة فى صالون بيتك»، لن تستطيع ولن يسمح لك أحد وستستسلم بذل إلى الدفاية الكهربائية التى تبث حرارة لا دفئا، ابحث عن واحدة مشتعلة فى أى مكان وانضم للمحلِّقين حولها واستمتع، يا سلام لو ذهبت إليهم وفى يدك بطانية تهديها لأسرة محتاجة، بطانية واحدة ستظل سخونتها تسرى فى جسدك إلى أن تلقى الله، الفقراء هم هدية القدر لك طول الوقت، حتى تسترد بعضا من آدميتك، فما بالك بدعمهم فى لحظات البرد؟ هناك اختراعات حديثة كثيرة قد تساعدك على أن تكسر شوكة البرد، لكن فتِّش بالأساس عن بعض الكوميديا وبعض الحب وقليل من الإنسانية، على الأقل إذا لم يكسروا شوكة البرد فسيجعلوه ممتعا.