الحرية لا تتجزأ، والتاريخ يعلمنا أنه عندما تبدأ الحرب المشبوهة على الصحافة والإعلام، فإنها تكون المقدمة لضرب كل الحريات، وقمع كل الأصوات، وإقامة حكم الاستبداد. الفاشيون الجدد بدؤوا حملتهم ضد الصحافة والإعلام مبكرا. كانوا يضعون ذلك كنقطة أساسية فى مخططهم للهيمنة الكاملة على الدولة. تصوروا أنهم قادرون على ترويع أصحاب الرأى والسيطرة الكاملة على منابر الصحافة والإعلام، لتكون -مع منابر المساجد التى اغتصبوها- وسيلتهم لخداع الناس واختطاف الدولة، بعد أن اختطفوا الثورة من أصحابها الحقيقيين. بدؤوا حربهم مبكرا. استهدفوا الصحافة والإعلام وحرية الرأى والإبداع. طاردوا جميع الأصوات المعارضة باعتبارهم كفارا وملحدين وإخوة للشياطين!! مضوا فى طريقهم للسيطرة على الصحف القومية، ول«أخونة» الإذاعة والتليفزيون الحكوميين. انطلقوا بعد ذلك لتهديد الصحافة المستقلة وحصار التليفزيون غير الحكومى. هاجموا الفنانين والفنانات بأحط العبارات وأكثرها سفالة. حاصروا مدينة الإنتاج الإعلامى. هاجموا مقر صحيفة «الوفد» وهددوا باقى الصحف ووسائل الإعلام. وفى أثناء ذلك كانوا يسرقون الدستور الذى فتح الباب مرة أخرى لتعطيل الصحف، والذى يعيد الحبس فى قضايا النشر. كذبوا على الله وعلى الناس حين قالوا: إن الصحفيين يطلبون امتيازات ليكون على رأسهم ريشة. يعرفون جيدا أنهم كذابون وأفاقون. إلغاء الحبس الذى تحقق بالفعل فى العديد من الجرائم عام 2006 لم يفرق بين مواطن وآخر. جرائم النشر تتضمن هتافا فى مظاهرة، أو شعارا تكتبه على جدار، أو حوارا لسياسى فى الصحافة أو التليفزيون، أو رأيا لمواطن تنشره صحيفة فى باب القراء، أو يرسله صاحبه على «الفيسبوك».. إنهم لا يقمعون الصحافة فقط، بل يطاردون كل رأى حر، ويتربصون بكل من يقاوم مشروعهم لإقامة دولة الاستبداد التى تتخفى وراء رداء الإسلام الحنيف. الحرية لا تتجزأ.. والتاريخ لا يكذب حين ينبه الجميع إلى أن الاستبداد يبدأ حربه بضرب حرية الرأى، وحصار الصحافة، ومطاردة الإبداع. من هنا يبدأ، ولكنه -بعد ذلك- لا يتوقف عن البطش بكل معارض، ولا يتردد فى فرض ديكتاتوريته بأى ثمن. الآن يكتمل المشهد.. الحرب على الصحافة والإعلام لا تنفصل عن ضرب استقلال القضاء وحصار المحاكم، ولا عن سرقة الدستور، ولا عن فرض الهيمنة على مؤسسات الدولة، ولا عن اختطاف سلطة التشريع ومنحها لمجلس شورى باطل، ليصدر كل القوانين المطلوبة لتغيير وجه مصر، ولتمكين الفاشيين الجدد من إقامة دولتهم المستبدة!! أول اجتهاداتهم غير المشكورة فى هذا المجال كان مشروع قانون منع التظاهر، الذى كشفوا النقاب عنه، ثم حاولوا التنصل منه بعد ردود الأفعال العنيفة من كل القوى الوطنية. لا تصدقوا كل المحاولات الملتوية التى تعودنا عليها منهم. إنه قانونهم. هم الذين وضعوه وطرحوه لكى يدخلوا عليه -بعد ذلك- بعض التعديلات، ثم يحاولوا تمريره.. بالضبط يفعلون ما فعلوه فى «مسوَّدات» الدستور التى لم تختلف فى النهاية عن دستورهم الأسود!! قانون منع التظاهر هو مقدمة قوانين أخرى تستهدف «التمكين» للدولة الفاشية.. وتريد التصدى لكلمة «لا» التى تطاردهم من أغلبية الشعب الحقيقية.. ومن هنا علينا أن نتوقع المزيد من استهداف الصحافة والإعلام، وحرية الرأى والتعبير. الأخ ياسر البرهامى لا يكتفى بإعادة الحبس فى قضايا النشر، بل يطالب فى آخر حوار له بعقوبة «الجلد» فى هذه القضايا. لا يعلم أن حلفاءه تجاوزوا ذلك إلى القتل.. لقد قتلوا عمدًا الحسينى أبو ضيف ليفتحوا صفحة جديدة فى مواجهة لن تنتهى إلا بسقوط الفاشية، وبالقصاص للحسينى وكل الشهداء.