جاء الدستور الجديد الذي تم تمريره بطرق ملتوية وتجاوزات صارخة يعلمها القاصي والداني ليحمل تقنين ما يمكن أن يفعله النظام الحاكم ضد حرية الصحافة والإعلام خاصة في المواد47 و48 و49 التي لم تحظر الحبس في قضايا النشر ومن ثم «المسكوت عنه مباح» كما يقال وهو ما يعني إمكانية الحبس بالقانون القائم أو الذي سيصدر من مجلس الشوري خلال الفترة القادمة. وقام أعضاء وأنصار التيار الديني خاصة جماعة الإخوان المسلمين بالترويج لمعلومات مغلوطة تتهم فيها الجماعة الصحفية بأنها تسعي لأخذ مميزات دون غيرها من الفئات وهو ما يخالف الحقيقة لكون النشر لا يتعلق بالصحفيين فقط وإنما بأصحاب الآراء وناشطي الإنترنت كما أن الصحفيين لا يطلبون تحصينهم من الحبس في الجرائم الأخري لكي يتهموا بذلك. وما شهدته الساحة السياسية خلال فترة ما قبل الاستفتاء من تكفير وتخوين ومطاردة أصحاب الرأي، إلي جانب محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، يثير الكثير من المخاوف فما بالك بما سيفعله هؤلاء في ظل «دسترة أفعالهم وتصرفاتهم» خلال المرحلة المقبلة وفقاً لنص الدستور - من وجهة نظرهم. ونظمت الجماعة الصحفية عدة مسيرات بدءاً من سلالم النقابة وصولاً إلي ميدان التحرير للتعبير عن رفض الدستور. كما نظم صحفيو جريدة «الوفد» مسيرات اعتراضاً علي الهجوم الذي تعرض له مقر الجريدة وحزب الوفد من قبل أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل واستخدام ميليشياتهم في أعمال التخريب لإرهاب الصحفيين. وتناسي النظام الحاكم وتجاهلت جماعة الأخوان المسلمين وأعداء الحرية أن الصحفيين هم أول من يقدمون الشهداء، فلدينا الشهيد الصحفي أحمد محمود الذي لقي مصرعه أثناء مظاهرات 25 يناير بطلق ناري في رأسه، ولدينا الشهيد الصحفي الحسيني أبو ضيف الذي لقي مصرعه في أحداث الاتحادية بطلق ناري في رأسه.. نحن لا نلبس القميص الواقي مثل غيرنا لأننا نأخذ الرصاص في رؤوسنا مستمدين قوتنا من ضمائرنا وحماية الله لنا. ولمن يريد أن يذكر عليه أن يعترف بأن الإرهاب وتقييد الحريات لم يكن حلاً لإجبار الأقلام علي تجفيف أحبارها وقصف حريتها بل كان سبباً رئيسياً في سقوط الأنظمة ولعل سلالم نقابة الصحفيين خير شاهد علي عصر مبارك، وبعد أن استخدمه أعضاء جماعة الإخوان لتوصيل كلمتهم ومعارضة النظام البائد أرادوا الآن التخلص منه لأنهم يعرفون قوته.. لكن هيهات هيهات.
سياسيون: التيار الديني يحمل الإعلام مسئولية تشويه صورته بدلاً من اعترافه بالفشل والأداء السيئ مصر تدخل النفق المظلم.. والاعتداء علي الإعلام بداية سقوط الأنظمة الديكتاتورية أكد الإعلامي الدكتور ضياء رشوان خبير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن مقدمات الهجوم علي حرية الصحافة والإعلام بدأت قبل تمرير الدستور متمثلة في الهجوم الكاسح علي الصحف وإغلاق بعضها ومنع كتاب وصحفيين من الكتابة خاصة في الصحف القومية إلي جانب حصار مدينة الإنتاج الإعلامي من قبل المحسوبين علي التيار الديني. وقال رشوان إن الدستور وضع أساسيات أسوأ بكثير مما قبل بعد أن أصبح الاستناد إلى نصوص الدستور حجة لأعداء الحرية، منتقداً اختيار رئيس الهيئة الوطنية للإعلام والمجلس الوطني للصحافة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشوري دون وضع أي معايير لهذا الاختيار وهو ما يعتبر حسب الهوي والأهواء - وفقاً لتعبيره. وأضاف خبير مركز الأهرام أن الرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه البائد أوفي بنصف تعهداته مع النقيب جلال عارف نقيب الصحفيين الأسبق حول إلغاء الحبس في قضايا النشر الذي يضم كل ما يقوم بالنشر وليس الصحفيين فقط كما يروج أعضاء التيار الديني قائلاً «هل يعقل أن يأتي نظام بعد ثورة شعب ليعود بالحريات العامة خاصة الصحافة إلي الوراء». وانتقد رشوان المواد التي تسمح لأفراد المجتمع بحماية القيم محذراً من خطورة استخدامها وفقاً لأهواء كل شخص أو جماعة معينة بعد أن اشتملت مواد الدستور الخاصة بها علي عبارات فضفاضة يمكن استغلالها في أكثر من موضع ولأكثر من سبب. وقال المهندس أحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري إن التهديدات والمخاطر التي تواجهها حرية الصحافة والإعلام ليست في الخفاء وإنما في العلن وظهرت خلال الفترة الماضية في صورة الهجوم علي مقر صحيفة الوفد وحصار مدينة الإنتاج الإعلامي وتصريحات ياسر برهامي التي أكد فيها علي أن الدستور قيد حرية الصحفيين والإعلاميين. وأكد «شعبان» روح العداء التي تطغي علي أعضاء التيار الديني تجاه حرية الصحافة والإعلام الحر لكونهم يحملون الإعلام مسئولية تشويه صورتهم وسمعتهم رغم أن السبب في ذلك هو الأداء السيئ لهم خلال الفترة الماضية وعجزهم عن حل مشكلات المجتمع بعد أنم تكشفت وتبخرت وعودهم - بحسب قوله. وأضاف الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري أن التيار الديني في مصر وأعضاء الجمعية التأسيسية وضعوا حرية الصحافة والإعلام هدفاً أمام أعينهم ليصوبوا سهامهم السامة تجاهه قائلاً: «الأنظمة الديكتاتورية الفاشية تسعي لتكميم الأفواه لكن الأقلام تبقي مرفوعة الرأس وستسقط الهوايات الشاذة التى يتبناها التيار الديني». وحذر شعبان من إصدار مجلس الشوري لحزمة تشريعات خلال الأسابيع القادمة تهدف إلي تسخير مواد الدستور في قوانين ضد الحريات مؤكداً أن التعدي علي حرية الحريات هي بداية سقوط أي نظام أو رئيس حاكم ولعل نظام مبارك عنهم بقريب مختتماً حديثه «مصر تدخل نفق مظلم بسبب الهجمة الشرسة علي الحريات». نقابيون: نعيش عصر الردة.. ولدينا تراث من النضال لانتزاع حقوقنا ولن نعيش معصوبي الأعين
أكد الكاتب الصحفي رجاء المرغني المنسق العام للإئتلاف الوطني لحرية الإعلام أن حرية الصحافة أصبحت مهددة سواء بالنص الدستوري الحالي أو الشواهد والمؤشرات الواقعية التي تزداد يوماً بعض الآخر من تصريحات أعضاء وأنصار التيار الديني الذين يريدون اغتصاب حقوق وحرية الصحفيين ورجال الإعلان - بحسب قوله. وانتقد المرغني بقاء ولاية مجلس الشوري علي الصحف والمؤسسات القومية إلي جانب وجود المجلس الوطني والهيئة المستقلة للصحافة التي يعين رؤساؤها من قبل رئيس الجمهورية ومجلس الشوري واصفاً ذلك بالمخطط الذي جاء بنفس طريقة النظام البائد بعد أن ظل أحد أجنحة السلطة التشريعية كما هو في فرض سيطرته علي الإعلام. ووصف المرغني المواد الدستورية الخاصة بالصحافة بالفضفاضة والتي يسهل تسخيرها واستخدامها في أي غرض بحسب أهواء جماعة الإخوان المسلمين وأغراض السلطة الحاكمة وهو نفس المنهج الذي سار عليه المشرع في فترة الرئيس المخلوع حسني مبارك والفترة السابقة عليه - بحسب قوله. وشدد المرغني علي التصدي للهجمة الشرسة التي تتعرض لها حرية الصحافة من خلال إسقاط الدستور الحالي أو تعديل بعض المواد فيها إلي جانب تكاتف الجماعة الصحفية ووحدتها مشيراً إلي أن الجماعة الصحفية لم تدخل في مفاوضات من أجل انتزاع حقوقها رافضاً حالة التشرذم والانقسام وتسخير الأداء النقابي لخدمة أغراض شخصية. كما دعا المرغني الجماعة الصحفية للدخول في تحالفات مع القوي المجتمعية حتي تخوض المعركة بصفة جماعية وليس بطريقة منفردة سواء كانت هذه المعركة في ساحة مجلس الشوري أو مجلس النواب القادم بعد انتخابه. وقال الكاتب الصحفي يحيي قلاش المتحدث الرسمي باسم اللجنة الوطنية للدفاع عن حرية الإعلام إن المقدمات تؤدي إلي النتائج التي نعيشها بعد تصريحات أعضاء التيار الديني الذين وصفوا الصحفيين والإعلام بأنهم «سحرة فرعون» و«الإعلام المضلل» وصولاً بحصار مدينة الإنتاج الإعلامي والهجوم علي مقر جريدة «الوفد» وما شابه ذلك. ووصف «قلاش» ممارسات أنصار التيار الديني ضد الإعلام بالإرهاب الفكري نتيجة عدائهم الشديد للحريات بصفة عامة وحرية الصحافة والإعلام بصفة خاصة، خصوصاً الأغلبية من أعضاء الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور الحالي وتغيير المواد المقترحة بين عشية وضحاها. وأكد المتحدث باسم اللجنة أن المواد الحالية في الدستور لم تحظر الحبس في قضايا النشر وهو ما يعني الردة والعودة إلى سياسة النظام البائد بل تراجعت مساحة الحرية عن نظام مبارك وتم إهدار الحريات التي انتزعها الصحفيون خلال العصر البائد بعد أن أقترن إصدار الصحف بإغلاقها. وأضاف قلاش «إن هذا الدستور ينسف أهم مبادئ ثورة 25 يناير التي رفعت شعار (عيش - حرية - عدالة اجتماعية) بعد أن سطا علي الحريات العامة والخاصة وقيد حرية الإعلام» مستكملاً «الصحافة والإعلام لن تعيش معصوبة العينين لإرضاء السلطة الحاكمة وعلي النظام الحاكم أن يقرأ التاريخ ليعرف أن أي نظام أو رئيس تربص بحرية الصحافة كان مصيره مذبلة التاريخ غير مأسوف عليه». وحذر قلاش من إصدار ترسانة من التشريعات القانونية لتفصيل وتأويل مواد الدستور لتحقيق أهدافها وطموحاتها السياسية علي حساب الحريات قائلاً «الجماعة الصحفية لديها تراث من النضال ضد القمع والقهر والاستبداد ولم يقدر أحد علي النيل منها لأن مطالبها لم تكن فئوية وإنما من أجل الصالح العام».
قانونيون: دستور الإخوان يتخلص من الصحفيين ب «سم قاتل» حرية الإعلام أكبر خطر علي الأنظمة الفاشلة وعدم احترام الأحكام القضائية شعار المرحلة المقبلة قال الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة: إن الدستور الجديد لم يقر حظر حبس الصحفيين وهذا معناه إمكانية حبسهم بقانون إلي جانب النص في الدستور علي تشكيل هيئة مستقلة كما يطلقون للرقابة علي الصحافة والإعلام ويعين رئيسها من قبل رئيس الجمهورية ومجلس الشوري ومن ثم خضوعها لنظام الحكم. وتوقع عميد كلية الحقوق الحصار الشديد لحرية الصحافة والإعلام خلال الفترة المقبلة خاصة علي الصحف القومية والتليفزيون الرسمي بقرارات صادرة من مجلس الشوري وعزل القيادات الصحفية التي لا تسير علي النهج المطلوب كذلك الرفض الصريح لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالح الصحفيين بعودتهم إلي عملهم ومناصبهم. وأضاف كبيش: السير الطبيعي للأمور وفقاً للمعطيات الحالية - وأتمني أن يخيب ظني - هو عمل حزمة من التشريعات القانونية عبر مجلس الشوري الذي يملك سلطة التشريع الآن يمكن من خلالها تقييد حرية الصحافة والإعلام مؤكداً أن مجلس الشوري لن يصدر قوانين تتعلق بالصحة والتعليم والاستثمار نظراً لوجود هذه القوانين بالفعل لكنها كانت بلا تفعيل وهو ما يعني انشغال الشوري بتشريع قوانين جديدة لخدمة أهداف معينة. وبرر عميد كلية الحقوق ما سبق بأن حرية الصحافة والإعلام هو الخطر الحقيقي والظاهر لأي حاكم لكونه يمثل الصوت المسموع الذي يظهر عورات النظام الحاكم في أي حقبة تاريخية، مشيراً إلي أن صوت الإعلام الحر يرفضه أي حاكم ديكتاتور أو رئيس غير واثق في نفسه ومن ثم يخشي إطلاع الرأي العام علي سلبيات الحكم ويري حتمية إخفاء الحقيقة المرة. واختتم كبيش تصريحاته بأن قصف الأقلام والتضييق علي حرية الصحافة لم يكن سبب بقاء الحكام كما يعتقد البعض بل كانت السبب الرئيسي في رحيلهم قائلاً «لعل الأمس بقريب لم أراد أن يتعظ». ويضيف الدكتور عبد المنعم زمزم أستاذ القانون بجامعة القاهرة أن نص المادة 48 من مشروع الدستور الجديد جاء واسعًا وفضفاضًا فيما يتعلق بحرية الصحافة والنشر وحبس الصحفيين احتياطيًا. إن المطالع لنص المادة المشار إليها ربما ينخدع ببعض عباراتها المعسولة، ولكن هذه العبارات تخفى وراءها سماً قاتلاً بعد أن أكدت حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة في حين قيدت هذه الحرية بالعديد من القيود التى لم تكن معروفة فى دستور 1971. وأكد «زمزم» أن هذه القيود رهنت حرية الصحافة بعدة شروط من بينها التعبير عن اتجاهات الرأى العام والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة ومقتضيات الأمن القومى، واصفاً هذه المعايير بأنها «واسعة وليس لها ضوابط محددة ومن الممكن استخدامها أسوأ استخدام للنيل من حرية الصحافة والصحفيين». وأضاف «زمزم»: من المنتظر أن يتحدد أمر تطبيق هذه المعايير المطاطة بالقانون المتوقع صدوره عن مجلس الشورى فى الفترة القادمة، فما أسهل غلق أى صحيفة أو حبس أى صحفى لكونه لا يعبر عن اتجاهات الرأى العام أو مقتضيات الأمن القومى، فحبس الصحفيين وغلق الصحف أو استمرارها فى أداء مهمتها رهن بإرادة مجلس الشورى».