فلنفترض أن الثور فى إسبانيا دعا المصارع بالدخول فى حوار معه. بينما هو يغوص بقرونه المدببة داخل قفصه الصدرى، ليمزق بها شغاف القلب. نظر إلى شلال الدم الذى لا تستطيع رمال الحلبة امتصاصه قائلا: تعالَ نعقد اجتماعا لطيفا نحتسى أثناءه الشاى بنكهة الياسمين. كيف سيكون موقف المتادور أمام فكرة كهذه؟ بماذا كان سيعلق الناس فى إسبانيا على اقتراح من هذا النوع؟ ما هو يا هل ترى رد الفعل المتوقع؟ أترك تخيل ما سوف يحدث لك يا أستاذ قارئ، مع مراعاة أن الإسبان فى هذه الأمور لا يحبون المزاح كثيرا. ولم يحدث أن قابلت خلال المصارعات الكثيرة التى حضرتها، أثناء إقامتى فى إسبانيا بهدف الدراسة، شخصا واحدا يتعاطف مع الثور ضد الإنسان أو يرى فائدة من الجلوس معه لتبادل وجهات النظر. الثور يرأس طاولة المفاوضات! يا لها من صورة عبثية لا تساور إلا الممعنين فى الغباء. الثيران هنا فى مصر أخذت تغوص فى دماء البشر على مرأى ومسمع من العالم، بأوامر من صاحب العظمة السلطانية المرشد ملك قبيلة الإخوان. الجميع فى القارات الست شاهدوا المذبحة بالتفصيل على الهواء مباشرة. بما فى ذلك بديع والكتاتنى وغزلان والبلتاجى وقنديل والأخوان مكى والشاطر والحافى والعريان. لولا أن هؤلاء قلبوا الحقائق رأسًا على عقب. تباكوا على شهداء الإخوان الذين هم فى الحقيقة من قاموا بقتلهم. الدموع فى الأعين الوقحة كانت كاذبة إلى درجة الفضيحة. النيابة العامة صرحت بأن الشهداء السبعة كانوا من المتظاهرين، بينما ضحية الإخوان الوحيد لقى مصرعه بينما هو يقتل. ثيران القاهرة علقت الفتيات على أسوار الاتحادية، كما قيدت الرجال من القوى الوطنية كالحيوانات إلى بوابة القصر. أصيب أفراد المليشيات بانتكاسة حادة فى خلايا المخ، فارتدوا إلى عصر الاحتلال العثمانى البغيض لمصر. كيف تخيلوا أن كل سكان الكرة الأرضية من الحمقى أو القرويين السذج، إلا هم؟ التصفية الجسدية التى نفذوها كانت بالضبط على طريقة الثيران. غاية ما فى الأمر أن ثيران القاهرة استعاضت عن القرون الطويلة المقوسة بالمطاوى والجنازير والبنادق الآلية. هذا فى الحقيقة هو الفرق الوحيد. السؤال البديهى يلح على ذهنى من جديد: من قال إن الشعوب لا تخطئ؟ لا يوجد ما هو أسخف من هذه الفكرة التى لا يؤمن بها إلا المراهقون سياسيا. إذا كانت الشعوب لا تخطئ، فبماذا نسمى مشاهد الزحف الجماهيرى الهادر الذى اجتاح ألمانيا النازية تأييدا لهتلر؟ بماذا نسمى خروج إيطاليا عن بكرة أبيها، كما لو أن الشعب بكامله أصبح من المنومين مغنطيسيا، فى عشق موسولينى؟ خطأ الشعب المصرى يكمن فى تصديقه لجماعة يعرف أصلا أنها تكذب بسرعة التنفس، وأن إراقة الدماء بالنسبة لها ليست جريمة ما دامت فى مصلحة الإخوان، أو مستخرجات الإخوان، على وزن مستخرجات الألبان. أليسوا هم من يتحدثون الآن عن «الحرب الأهلية البنَّاءة؟» أليسوا هم من يقولون: حان الوقت لضرب الرقاب؟ الشعوب التى لا تعترف بأخطائها لن تتعلم شيئا من الماضى ولا رؤية تاريخية لديها. ولم يتغير أبدا اقتناعى بأن مرسى هو مرسى. لا فائدة. صورة طبق الأصل من جميع الإخوان، كما لو أنهم جنيهات معدنية من تلك التى تدقّها دار صك العملة. لا فرق بالمرة بين الواحد والآخر. كلهم يتحدثون فى الفضائيات بنفس النبرة، مستخدمين نفس الألفاظ أو التعابير التى فقدت تأثيرها على الناس أو الأكلشيهات البلهاء التى تشبه الطبيخ الحمضان. كلهم ينظرون بنفس الطريقة المراوغة الزائفة الغلاوية التى يفشلون فى إخفائها. كرمال الصحراء المجدبة هم، لا يستطيع أحد أن يرى فى بعضها ما ليس فى البعض الآخر. ولم أستغرب، فالذين يركعون لتقبيل نفس اليد، لا بد أن تتليف بنفس الدرجة أنسجة الكرامة داخلهم. بلاها سوسو يعنى مافيش لجنة لوضع الدستور تمثل أحدا غير الإخوان. بلاها نادية يعنى مافيش أى نية فى التراجع عن إعلان: أنا ربكم الأعلى، إلا بإعلان آخر لا يستحق سوى نفس التسمية: أنا ربكم الأعلى. خد فوزية معناه: الورق ورقنا والدستور دستورنا واللى مش عاجبه يضرب دماغه فى الحيطة، أو فإن الثيران الهائجة ستشرب من دمه باستمتاع دراكولا أو فرانكشتين. عندما حال عائق قانونى يتعلق بحكم قضائى صدر ضد الجماعة دون ترشيح الشاطر لمنصب رئيس الجمهورية، ألقوا بمرسى فى حلبة الصراع بلا تردد. الشاطر كمرسى ومرسى كالشاطر. كلاهما تربية مكتب الإرشاد. نسخ بالكربون ليس من حقها أن ترفض تعليمات خمينى مصر. وعلى افتراض أن مانعا قانونيا آخر قد حال دون ترشيح مرسى، فالعريان موجود، والحافى جاهز، والبلتاجى على أهبة الاستعداد. يا سوسو يا نادية يا فوزية يا إما بلاش. بإشارة واحدة من إصبع صاحب الجلالة المرشد ملك قبيلة الإخوان، يكون قد أصدر فرمانا سلطانيا يقضى بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا فى منظر أثار اشمئزاز العالم. وعلى أساس أن حازم أبو إسماعيل ملك الحزازمة، ليس أقل من بديع فقد أصدر هو الآخر تعليماته بمحاصرة مدينة الإعلام لأنها تضطهده كلهم كالتلاميذ البلداء عندما يسقطون فى جميع المواد بلا استثناء واحد، يدعون أن الأساتذة يحقدون عليهم، ولا أحد يعرف على ماذا بالضبط. وعلى قمة جبل الأكاذيب، تزحف -كواحدة من أخطر الأفاعى السامة- حكاية الأحزاب المدنية ذات المرجعية الدينية تلك. هل رأى أحد من قبل طائر بطريق مرجعيته بطيخة؟ طائر البطريق مرجعيته بالضرورة طائر بطريق، والبطيخة مرجعيتها -بالحتم- بطيخة. وهناك احتمالان لا ثالث لهما: إما أن يكون كل من يسعى إلى الترويج لهذه الأكذوبة الصفيقة عامدا متعمدا يقصد من ورائها الغش السياسى مع سبق الإصرار والترصد، أو أن السبب هو جهله التام بعلم المنطق أو بنظرية المعرفة أو قواعد التدقيق فى المصطلحات أو المفاهيم. الجميع عليهم أن يتعلموا أن الأحزاب تُقاس بمرجعياتها، لا بالفتارين حيث تتكدس البضاعة التى تموج بالألوان الفاقعة لجذب انتباه المارة. الحزب الدينى هو الذى يستند إلى مرجعية دينية، والحزب المدنى مرجعيته لا بد أن تكون مدنية. الباقى كله مجرد تلاعب سمج بالألفاظ. بلاها سوسو! بلاها نادية! بلاها فوزية! مش عايزين يا جماعة! مش عايزين! هو بالعافية؟