بدأ قادة إسرائيل النظر في الاتجاه المعاكس رسميا والتأكد من أن الجميع أدركوا تغيير موقفهم قبل أن يفاجئوا القائد العسكري لحركة حماس في قطاع غزة بغارة جوية أودت بحياته، وفيما بدا الآن أنه كان أسلوبا تكتيكيا للتمويه قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك بزيارة للحدود السورية في الشمال قبل ساعات من بدء الهجوم الجوي في الجنوب. واستعرضت وسائل الإعلام الإسرائيلية على نطاق واسع خلال اليوم حالة القلق بشأن قذائف المورتر الطائشة التي انطلقت من سوريا وسقطت في هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل، وفي الواقع يقول خبراء إسرائيليون حاليا إن الزيارة ربما كانت جزءا من حيلة لخداع حماس ودفعها للاعتقاد بأن هناك هدنة سارية في غزة كي يقتنص الجيش الإسرائيلي هدفه وهو القائد العسكري لحماس أحمد الجعبري، وكتب المحلل المختص بالشئون العسكرية أليكس فيشمان في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية «إن شعور الاطمئنان الذي أشاعه باراك ونتنياهو.. أخرج الجعبري وأصدقاءه من مخابئهم ومهد الطريق لشن الهجوم المفاجئ»، ولدى إسرائيل قائمة طويلة من الأهداف المحتملة في قطاع غزة الذي تخترقه طائرات إسرائيلية بدون طيار بصفة منتظمة وتخضع فيه تحركات النشطاء للمراقبة عادة. ويراقب جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «شين بيت» الذي أشرف على عملية اغتيال الجعبري قادة حماس من خلال شبكة من المخبرين، لذا كان من قبيل المفاجئة أن القيادي الذي اعتاد الحذر والعائد لتوه من الحج قرر الخروج بسيارته في وضح النهار والسير في أحد الشوارع الرئيسية في غزة، وأصيبت سيارته بصاروخ في هجوم جرى تصويره من الجو ونشر على موقع يوتيوب، وربما شعر الجعبري بالاطمئنان الذي دفعه للخروج بسبب مؤشرات عامة قادمة من إسرائيل تعكس انتهاء موجة أعمال العنف التي اندلعت عبر الحدود في الأسبوع الماضي. وعقد نتنياهو اجتماعا لمجلس وزرائه المكون من تسعة أعضاء يوم الاثنين لبحث تصعيد الهجمات الصاروخية التي شنتها حماس مطلع الأسبوع الجاري والتي أفسدت حياة مليون إسرائيلي في الجنوب ولكنها تبدو ضعيفة، وقالت مصادر سياسية إنه تم خلال الاجتماع الموافقة على خطة أعدها جهاز شين بيت لاغتيال الجعبري وجرى تنفيذ أول حيلها الخداعية حيث تحدث بيني بيجن أحد أعضاء المجلس الوزاري في الإذاعة الإسرائيلية وقال إن موجة العنف الحالية قد انتهت على ما يبدو، ويبدو أن حماس صدقت هذه الرسالة، وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم الحركة إن إسرائيل انتهكت بهجومها هدنة غير رسمية جرى التوصل إليها بمساعدة وسطاء. وأضاف أبو زهري أن الفصائل الفلسطينية التزمت بالتهدئة وعلى إسرائيل تحمل مسؤولية عواقب هذه الجريمة، وكانت إسرائيل علقت عمليات اغتيال كبار قادة حماس إلى حد كبير في الأعوام الماضية وهي هجمات كان من الممكن أن تثير أعمال عنف أوسع نطاقا على طول حدود غزة، وبدلا من ذلك ركزت إسرائيل على استهداف الأطقم المتخصصة في إطلاق الصواريخ في حرب أقل شراسة تضمنت هجمات متبادلة متكررة عبر الحدود تنتهي عادة بوقف لإطلاق النار يتم التوصل إليه بوساطة مصرية. غير أن الانتخابات العامة المزمعة في يناير كانون الثاني زادت من الضغط الشعبي على نتنياهو الذي ينتمي إلى اليمين لاتخاذ إجراء عسكري أكثر صرامة في غزة لكبح جماح حماس. ويمكن أن يصب شن حملة ناجحة في القطاع أيضا في صالح باراك الذي أظهرت استطلاعات الرأي أن حزبه الصغير ربما لا يحصل حتى على أصوات كافية للعودة إلى البرلمان، وكان رد الفعل الأولي تجاه رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير دفاعه جيدا حيث لقي مقتل الجعبري وبدء الحملة العسكرية دعما سياسيا من جميع منافسي نتنياهو الذي علق حملته الانتخابية لإظهار الوحدة الوطنية. واستخدمت إسرائيل حيلا مماثلة للحفاظ على سرية خططها قبل شن حربها على غزة التي استمرت ثلاثة أسابيع في ديسمبر كانون الأول عام 2008، فقبل أيام من بدء ذلك الهجوم اتخذ باراك الذي كان وزيرا للدفاع آنذاك خطوة غير معتادة لم يعلن عنها مسبقا بظهوره في برنامج تلفزيوني ساخر بارز جرى بثه على الهواء مما أعطى انطباعا بأنه ربما لا يفكر في شن حرب، وفي حيلة أخرى في ذلك الوقت تم استدعاء ضباط من ثكناتهم حول غزة لقضاء عطلة أسبوعية مع أسرهم في منتجع ريفي. وفوجئ جميع القياديين الذين تمت دعوتهم باستثناء كبار القادة بإيقاظهم في صباح ذلك السبت وإعادتهم إلى قواعدهم استعدادا للقتال في غضون ساعات.