نشرت «التحرير» أمس تقريرا خبريا كتبته الزميلة نسمة على، نقلت لنا فيه مقاطع وأجزاء وافية من خطاب ألقاه عضو بالهيئة العليا لحزب النور السلفى، يدعى نادر بكار، فى مؤتمر عقده الحزب الأسبوع الماضى بمدينة الإسكندرية، ورغم أن هذه المقاطع بدت كلها غير خالية من آيات الطرافة المخلوطة بقدر معقول من الفظاظة والفجاجة، فإن واحدا منها بالذات استوقفنى، ولفت انتباهى وانتباه الزملاء المسؤولين عن تحرير الصحيفة، فأبرزوه ضمن عناوين الصفحة الأولى، ففى هذا الجزء من كلام الأخ بكار، اعترف الرجل بحقيقة عدم مشاركة الجماعات السلفية (أو أغلبها) فى فاعليات ثورة 25 يناير، التى يتكالبون الآن على حصد غنائمها. غير أن الظرف واللطف والطرافة ليست فى هذا الاعتراف، وإنما فى الحجة التى استخدمها فضيلة الأستاذ بكار، لتبرير قعود وتقاعس زملائه السلفيين عن المشاركة فى الثورة مع باقى مكونات الشعب المصرى، إذ قال: «لو كنا نزلنا يوم ثورة 25 يناير لصارت البلاد حمامات من الدماء».. لماذا يا عم بكار؟! يجاوب فضيلته بأن مبارك المخلوع لو كان شاهد أو أخذ علما بوجود السلفيين (بالذات) فى مظاهرات الثورة «كان سيصدر أوامر مبكرة وعاجلة بحصد الثورة وتوسيع دائرة القتل».. لماذا أيضا؟! لن تجد أى إجابة، إذ تركنا القيادى البارز فى حزب النور نتخبط فى «ظلام» معرفى دامس، لا سبيل للخروج منه إلا بإعمال العقل والمنطق، ومحاولة تخمين السبب أو السر الذى يقف خلف اعتقاد عم بكار وزملائه أن ظهورهم فى المظاهرات والفاعليات الثورية لم يكن ملائما ولا مناسبا، وكان سيشعل غيظ وهياج المخلوع أفندى، ويدفعه إلى «توسيع دائرة القتل» التى قد تشملهم هم أيضا. عن نفسى حاولت واجتهدت، وأسفر بحثى وتأملى فى الموضوع عن احتمالين بسببين اثنين لا ثالث لهما، أولهما أن الإخوة فى الجماعات السلفية استخسروا فى الشعب المصرى قوتهم التى يظنونها هائلة، وتصرفوا على طريقة الذين قالوا لنبى الله موسى عليه السلام «فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون»، لهذا آثروا السلامة وقعدوا فى انتظار أن تنجح الثورة، فيقومون ويخرجون من الجحور إلى النور، ويملؤون المسرح بأحزاب وعربدات وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، لكن إذا فشلت فلن يكونوا قد خسروا شيئا، ولا طالتهم «دائرة القتل»، وسيبقون فى جحورهم الآمنة بعيدا عن أى خطر! أما السبب أو السر الثانى الذى رأيته يصلح دافعا أخلاقيا معقولا لتقاعس وإحجام أغلب الجماعات السلفية (كما اعترف الأستاذ بكار) عن مشاركة جموع المصريين ثورتهم، فهو تلك العلاقة العاطفية البريئة والشريفة والأخوية التى كانت تربط بعض هذه الجماعات بجهاز مباحث أمن الدولة المنحل، وهى علاقة تجلت نتائجها فى عشرات التصرفات والعمليات الجهادية، التى ليس أسوأها إثارة الفتن الطائفية، ولا أخطرها وأشدها مدعاة للكسوف والشعور بالخزى والعار، إنه بينما كانت آلة القتل الإجرامية التى أطلقها مبارك تحصد أرواح شهداء الثورة الأبرار، فإن «مظاهرات سلفية» ظهرت فى الشوارع، وهى ترفع صور المجرم المخلوع، ويهتف المشاركون فيها بمبايعته وتأييده وتكفير الثوار، لأنهم «خرجوا عليه»! .. ربما يقصد العم بكار بصمته وامتناعه عن البوح بأسباب يقبلها العقل، لعدم انخراط أغلب السلفيين فى الثورة وبقائهم فى دائرة السلامة «خارج دائرة القتل»، أن يتركنا نخمن، ونفهم لوحدنا أنه من غير اللائق أخلاقيا الجمع بين تكفير الثوار والاستشهاد معهم فى آن واحد!